وأثار القرار استغراباً واسعاً في صفوف المعارضين لحزب "العدالة والتنمية"، وذهب البعض للحديث عن ضغوط قادت إلى هذا التحوّل في موقف الهيئة العليا للانتخابات، على اعتبار أنّ الفوز هو الأول الذي تحققه المعارضة في إسطنبول أمام الأحزاب المحافظة منذ 25 عاماً. وقد بلغ الاستغراب حدّ اعتبار حزب "الشعب الجمهوري" بعد إلغاء وثيقة فوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، أنّ ما جرى "يوم أسود" و"انقلاب على الديمقراطية"، وأنّ "العدالة والحقوق والاستقرار، باتت أسيرة بطموحات شخص واحد، (في إشارة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان)". ولكن على الرغم من ذلك، فإنّ الجميع بدأ استعداداته لإعادة الانتخابات الشهر المقبل، خصوصاً حزب "العدالة والتنمية"، الذي اعتمد على استراتيجية التشكيك بالانتخابات، وتقديم دلائل على وجود تجاوزات فيها.
وأكد حزب "الشعب الجمهوري"، عقب اجتماع قيادته في أنقرة، أمس الثلاثاء، قراره بعدم مقاطعة انتخابات الإعادة، معلناً عن تجديد ترشيحه لأكرم إمام أوغلو، لكنه طالب بإعادة الانتخابات في إسطنبول بشكل كامل، بما يشمل انتخابات المجلس البلدي، وانتخابات المناطق، وليس انتخابات رئاسة البلدية فقط، إذ إنّ حزب "العدالة والتنمية" يسيطر على المجلس البلدي في إسطنبول أيضاً. ووجه الحزب، في بيان، انتقادات شديدة اللهجة لأعضاء الهيئة العليا للانتخابات، واتهم القضاء في البلاد بعدم الحيادية، حيث أثّر "قرار الهيئة على آخر قلاع الديمقراطية في تركيا وهي صناديق الاقتراع، وهو ما يستهدف إرادة الشعب"، وفق الحزب. وطالب الحزب المعارض بأن تعمل كل من "وزارتي العدل والداخلية بشكل حيادي خلال الانتخابات التي ستعاد الشهر المقبل"، متعهداً "بالنصر بشكل أكبر فيها".
من جهته، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّه "لا يمكن التجاهل أو التغاضي عن المخالفات الواضحة التي شابت الانتخابات المحلية لمدينة إسطنبول"، وذلك في اجتماع لكتلة حزبه النيابية، أمس. وأضاف "نرى في قرار اللجنة العليا للانتخابات خطوة مهمة لتعزيز الديمقراطية"، معرباً عن أمله في أن "يكون قرار الإعادة خير حَكَم لحل الخلافات".
وأعلن أردوغان أنّ مرشح حزب "العدالة والتنمية" هو نفسه بن علي يلدريم، كما كلّف والي إسطنبول، علي يرلي كايا، بتسيير أمور بلدية المدينة لحين إعادة الانتخابات. ومن المعروف أنّ الولاة في تركيا هم ممثلون لرئيس الدولة، أي أن يرلي كايا مرتبط بشكل مباشر بأردوغان.
وينتظر الجميع جولة الإعادة لحسم هوية الفائز ببلدية إسطنبول وحسم المعركة التي طالت، وذلك بعدما قررت الهيئة العليا للانتخابات، الاثنين الماضي، إلغاء نتائج الانتخابات المحلية التي أظهرت فوز مرشح المعارضة عن حزب "الشعب الجمهوري" المعارض أكرم إمام أوغلو، أمام مرشح حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بن علي يلدريم، بفارق تجاوز 13 ألف صوت، في المدينة التي يفوق عدد ناخبيها 10 ملايين ونصف المليون ناخب، أي ما يعتبر فارقاً قليلاً جداً.
واستند قرار الهيئة إلى عاملين اثنين محددين، أقنعا 7 أعضاء من الهيئة العليا للانتخابات بالتصويت لصالح إلغاء الانتخابات وإعادتها، مقابل 4 أعضاء اعترضوا على ذلك. العامل الأول هو وجود جداول انتخابية فارغة وأخرى من دون توقيع والتي يتجاوز عددها الآلاف. أمّا العامل الثاني، فهو تكليف رؤساء لجان انتخابية وأعضاء من خارج ملاك القطاع العام، وبعضهم موثق بأنه عاطل من العمل، وآخرون لا سجل لهم في الضمان الاجتماعي. في المقابل، رفضت الهيئة إعادة الانتخابات في منطقتي مال تبه، وبيوك جكمجة.
وتحوّلت الأنظار عقب اتخاذ القرار إلى طرفي الصراع؛ الأوّل الذي يقوده حزب "العدالة والتنمية" الحاكم باسم التحالف الجمهوري، ويجمعه مع حزب "الحركة القومية" وأحزاب صغيرة، والثاني الذي يقوده حزب "الشعب الجمهوري" المعارض باسم تحالف الشعب، ويضم "الحزب الجيد"، و"حزب السعادة"، ويحظى بدعم خفي من حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي المعارض، وذلك لمعرفة المآلات والاستراتيجيات التي ستتبع في الانتخابات المعادة. فعلى جبهة "العدالة والتنمية"، من المنتظر اعتماد خطاب آخر بعيد عن الاستبعاد واتهام الآخرين بالإرهاب، وربط الحزب نفسه ببقاء الدولة. ويراهن الحزب الحاكم على ناخبيه المقاطعين له في الانتخابات السابقة، إذ يعتقد أنّ هناك مئات الآلاف من الذين امتنعوا عن التصويت لصالحه، احتجاجاً على بعض السياسات التي اتبعها، وعلى اعتبار أنّ يلدريم مرشّح قوي يمكن أن يفوز مهما كان الوضع سيئاً.
ولن تكون مهمة "العدالة والتنمية" سهلةً في إقناع الشعب بأنّ القرار المتخذ أخيراً بشأن إعادة الانتخابات يستند للحق والحقوق، ولذلك عليه بذل جهود مضاعفة لإعادة كسب ثقة الناخبين في إسطنبول، وكذلك الناخبين الأكراد الذين صوتوا للمعارضة.
وعلى جبهة المعارضة، وعلى الرغم من قرار الهيئة العليا للانتخابات، فإنّها ستعود لخوض هذا الاستحقاق بمعنويات عالية، خصوصاً بعد أن كانت قد حقّقت الفوز بعد 25 عاماً. وستكون هذه المعنويات حافزاً للمعارضة لمواصلة طريقها لكسب الناخبين، وذلك بالحديث عن ظلم تعرّضت له من جراء قرار إعادة الانتخابات، فضلاً عن تركيزها على العامل الاقتصادي الذي يهم المواطن التركي، وكذلك تعثر "العدالة والتنمية" في السياسات الاقتصادية، إذ لا تزال الليرة التركية تشهد تراجعاً أمام الدولار.
كما أنّ المعارضة ستستغلّ شعبية أكرم إمام أوغلو التي اكتسبها خلال حملته الانتخابية، إذ يتمتّع الأخير بشخصية محبوبة، وهو مقرّب من أطياف الشعب كافة. فهو مرشح العلمانيين الكماليين، واسمه يقربه من الناخبين المحافظين، ويسعى لاستيعاب الجميع من دون استثناء. ولعلّ هذا ما دفع زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، للحديث أمس، أمام كتلته النيابة، عن أنّ إمام أوغلو هو مرشح 16 مليون شخص في إسطنبول.