لكن منذ ذلك الوقت، تعاني السفارة البحرينية من وضع حرج، إذ يضطر السفير، فواز بن محمد آل خليفة، إلى التسلل من الباب الخلفي كي لا يمرّ عبر مكان الاعتصام؛ أما المرّة الوحيدة التي اضطر فيها للدخول من الباب الأمامي، فكان وسط حماية من الشرطة البريطانية.
وينصب مشيمع سريره المتنقّل ويضع إلى جانبه حاجاته اليومية، وبضعة كراس لاستقبال زواره، بمحاذاة الحائط الأمامي لمقرّ السفارة في منطقة بلغريف. فيما تنتصب خلفه صورة طولية لأبيه حسن مشيمع، كُتب عليها المطالب الثلاثة: توفير العلاج الكامل لمشيمع الوالد، الذي يبلغ 70 عامًا ويعاني من عدّة مشاكل صحية. وكان مشيمع الأب، قد تعافى أخيرًا من مرض السرطان، ويحتاج لمتابعة دقيقة كي لا يتدهور وضعه.
إضافة إلى توفير العلاج بشكل لائق؛ أي بدون تكبيله بالأصفاد. إذ تعامل السلطات البحرينية المعتقلين السياسيين لديها بشكل سيئ، حيث تضع الأصفاد في أرجلهم وأيديهم، سواء أثناء الزيارات أو عند تلقي العلاج، بحسب ما يروي ذوو معتقلين لـ"العربي الجديد".
أما المطلب الثاني، فيتعلق بإعادة الكتب لمشيمع الأب، إذ يؤكّد ابنه لـ"العربي الجديد"، أنّ السلطات البحرينية صادرت حوالى 100 كتاب لوالده. فيما يرتبط المطلب الثالث بالسماح له بالزيارات، إذ لم يُسمح لعائلته بزيارته منذ حوالى عام ونصف العام، بحسب ما يقول المصدر نفسه.
والأزمة التي تعاني منها سفارة البحرين في لندن، لا ترتبط فقط باضطرار السفير إلى التسلل من الباب الخلفي؛ إذ بات مكان الاعتصام، مقرّا لاستقبال المعارضين البحرينيين والناشطين والصحافيين الأجانب، حيث تعقد جلسات على مدار اليوم لمناقشة قضايا القمع والحريات والديمقراطية في البحرين، وفي مقدّمتها قضية المعتقلين السياسيين، حيث يقبع المئات منهم في السجون منذ سنوات، بينهم 5 من أبرز قادة المعارضة.
نقاشات يومية ساخنة تجري على مرآى ومسمع الدبلوماسيين البحرينيين، وأحيانًا السعوديين.
تروي آلاء الشهابي، وهي ناشطة بحرينية مقيمة في لندن، ترتاد من حين لآخر مكان الاعتصام، أنّ أحد أمراء آل سعود قال لمشيمع أثناء مروره بمكان الاعتصام، إنّه لو زجّ يومًا ما بسجون السلطات السعودية، فإنّه على ثقة بأنّ ابنه لن يعتصم أو يضرب عن الطعام لأجله، كما يفعل مشيمع لأبيه.
ومذ اعتصام مشيمع، تحاول السفارة التضييق عليه. في البداية، أطلقت ورشة عمل لطلي القضبان الحديدية على الجدار الأمامي للسفارة. ويبلغ طول هذه القضبان حوالى 6 أمتار، وعرضها أقلّ من مترين، لكن ورشة العمل استغرقت 3 أسابيع، بحسب ما يروي ناشطون دأبوا على زيارة مشيمع منذ إضرابه، وبينهم الناشطة زينب الخواجة، التي بدورها أضربت عن الطعام لحوالى أسبوع تضامنًا معه.
ثم أقدمت السفارة بعدها، على وضع ثلاث حافلات أمام المبنى، لحجب الرؤية عن الاعتصام. وحين عاين "العربي الجديد" المكان بعد حوالى 4 أسابيع من بدء الإضراب، كانت الشرطة البريطانية قد وضعت مخالفة مرورية على إحدى هذه الحافلات.
إضافة إلى ذلك، تعاقدت السفارة مع شركة أمنية خاصة، لتأمين المقرّ على مدار الـ24 ساعة؛ وهذا ما تؤكّده العناصر الأمنية الخاصة التي تتواجد أمام المقرّ على مدار اليوم.
وقد حاول "العربي الجديد" التواصل مع السفارة البحرينية في لندن، ووجّه لها أسئلة حول صحة وقف العلاج لزعيم حركة "حق" البحرينية، والتي تحظرها السلطات، وعن وضع الأصفاد له أثناء تلقي العلاج، وعن منع الزيارات والكتب عنه، وردّت بالإحالة إلى البيان الذي أصدرته قبل أيّام.
وكانت السفارة قد أصدرت بيانًا تعليقاً على إضراب مشيمع عن الطعام نفت فيه منع العلاج عن مشيمع الأب أو الزيارات والكتب، مؤكّدة أنّ الحكومة البريطانية تلقت تأكيدات قاطعة من المنامة على توفير الرعاية الصحية المناسبة لحسن مشيمع.
وقالت السفارة إن السلطات البحرينية أجرت تحقيقاً مستقلًا عن "مزاعم حرمان مشيمع من الرعاية الصحية، وكذلك فيما يتعلق بالزيارات العائلية وتوفير الكتب".
وأضاف بيان السفارة أن التحقيق خلص إلى أن "مشيمع لم يكن محروماً من الرعاية الصحية، ولكنه رفض تلقي العلاج (مكبّلًا بالأصفاد) لأن قوانين السجن تطلب من السجناء ارتداء أصفاد في الخارج لتلقي جرعات العلاج خارج مبنى السجن". وتابعت أن سلطات السجون ذكرت "أنه، استثنائيا، سيصطحب مشيمع إلى مواعيد علاجه بدون أصفاد".
ولم تعلّق السفارة على سؤال لـ"العربي الجديد"، حول آخر موعد للزيارة العائلية التي تلقاها مشيمع الأب في السجن، ولا عن سؤال حول الباب الذي يدخل منه السفير لمقرّ عمله في السفارة، أو إن كان يذهب إلى السفارة منذ بدء الإضراب، وإن كان قد التقى مشيمع على بعد أمتار من مكتبه، وناقش معه مطالبه، خصوصًا أنّ الأخير مواطن بحريني. وقد عاين "العربي الجديد" مكان الاعتصام قبل حوالى أسبوع، في ساعات الصباح الأولى، وتحديدًا عند بدء الدوام الرسمي للسفارات. وقد لاحظ أنّ قلّة من موظفي السفارة يدخلون من الباب الأمامي، ليس منهم السفير.