تعرض قطاع الفوسفات التونسي لضربة جديدة بسبب تجدد الإضرابات العمالية والاحتجاجات، خاصة في مناطق الإنتاج الرئيسية، كما لا تزال الاضطرابات الاجتماعية تتخذ الفوسفات رهينةً رغم كل محاولات التهدئة، التي سعت الحكومة إلى اعتمادها من أجل ضمان استمرارية العمل في منطقة الحوض المنجمي.
وتوقف العمل منذ عدة أيام، في كل مناطق إنتاج شركة فوسفات قفصة الحكومية في محافظة قفصة جنوب غربي البلاد، حيث يطالب عمال شركة الحوض المنجمي بمنح مالية ومزايا أخرى.
وقال الناطق الرسمي باسم شركة الفوسفات الحكومية، علي الهوشاتي لـ"العربي الجديد"، إن إدارة الشركة لا تعرف متى سيُستأنف الإنتاج، محذراً من أن كل توقف عن العمل يساوي خسارة في الإنتاج والتصدير وإيرادات العملة الصعبة، وأكد الهوشاتي أن الإنتاج متوقف إلى أجل غير مسمى ما لم يتم الاستجابة لمطالب العمال.
ولم يتجاوز إنتاج الفوسفات ثلاثة ملايين طن عام 2018 مقابل 4.1 ملايين طن في عام 2017، فيما تتطلع الحكومة إلى استعادة وتيرة الإنتاج قبل ثورة 2011 والمقدّرة بنحو 8 ملايين طن سنوياً.
وقال إبراهيم السحيمي، كاتب عام الفرع الجامعي لنقابة الفوسفات لـ"العربي الجديد" إن قرار الإضراب ووقف الإنتاج اتخذه العمّال ولم يصدر عن النقابة أي إشعار مسبق بالإضراب، مؤكداً سعي النقابة المحلية بالتنسيق مع المركزية النقابية، إلى احتواء الإشكال والعودة إلى العمل في أقرب وقت.
وأشار السحيمي إلى أن اتفاقاً سابقاً بين نقابة الشركة والحكومة قضى بالتفاوض بشأن مطالب عمال الشركة في الفترة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2019، غير أن الحكومة أرجأت المفاوضات إلى الفترة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران القادمين، ما اعتبره العمال مماطلة وعدم جدية في التعامل مع مطالبهم، فيما تدور المباحثات بشأن حلّ يُقنع العمال بالعودة إلى الإنتاج في أقرب وقت ممكن.
وأكد المسؤول النقابي أن ممثلين عن عمال الشركة التقوا بمسؤولين عن هيئة إدارية أول من أمس الثلاثاء من أجل بحث حلّ يقنع العمال للعودة إلى الإنتاج في أقرب وقت ممكن، لكنه لم يكشف عن تفاصيل ما دار أو النتائج.
وتنوي الحكومة ضخ استثمارات بقيمة 180 مليون دينار في قطاع المناجم العام المقبل، سيحظى قطاع الفوسفات بالقسط الأوفر منها بما يعادل 140 مليون دينار.
وكانت تونس ضمن المراتب الخمس الأولى عالمياً في إنتاج الفوسفات عام 2010، إلا أنها تراجعت نتيجة ارتفاع مستوى الإنتاج في عدد من الدول المجاورة، وسط سباق على زيادة التصدير للسوق العالمية.
ولا تمثل الإضرابات العمالية فقط التهديد الأكبر لقطاع الفوسفات في البلاد، إذ يعتبر خبراء الاقتصاد في تونس أن الحصار على الفوسفات التونسي سيضيق أكثر بعد دخول الجزائر الإنتاج من بوابة واسعة وإطلاق أكبر مصنع لإنتاج الفوسفات في القارة السمراء، بالشراكة مع الصين تتطلع من ورائه إلى جني ملياري دولار سنوياً عبر تصدير قرابة 10 ملايين طن سنوياً من الفوسفات من المصنع الواقع فوق منجم عقلة أحمد قرب الحدود التونسية.
وكانت تونس ضمن المراتب الخمسة الأولى عالمياً في إنتاج الفوسفات في عام 2010، إلا أن هذه الصناعة تواجه الركود على الصعيد العالمي، نتيجة ارتفاع مستوى الإنتاج في عدد من الدول، وسط تراجع أسعار مشتقات الفوسفات.
وتزيد المنافسة في المحيط المغاربي الضغوط على الفوسفات التونسي الذي فقد مكانته في السوق العالمية في السنوات الأخيرة بعد أن نقل مستوردي الفوسفات التونسي جزءا من صفقاتهم نحو الفوسفات المغربي.
وتراهن الجزائر المنافس الجديد للفوسفات التونسي على رفع صادراتها من هذه الثروة الباطنية غير المستغلة بحلول العام 2020 إلى 30 مليون طن سنوياً، ما سيسمح بتوفير ما بين 7 إلى 8 مليارات دولار سنوياً وبمساهمة تقدر بنحو 16% من صادرات الجزائر، ليصبح الفوسفات ثاني مصدر للإيرادات المالية بعد الغاز والنفط.
في المقابل، تتعثر تونس في بدء استغلال مناجم جديدة تحتوي على أرصدة مهمة قادرة إلى رفع إنتاج البلاد إلى 15 مليون طن سنوياً.
ويمثل مشروع منجم صراورتان شمال غربي البلاد، البوابة الجديدة التي تنوي الحكومة الدخول عبرها إلى مصاف كبار المنتجين بعدما أثبتت الدراسات المنجزة أن احتياطي شركة فوسفات قفصة المستغل حاليا لا يتعدى سدس احتياطي منجم صراورتان، الأمر الذي دفع الحكومة إلى التفكير جديا في البحث عن شريك أجنبي يكفل تقدم إنجاز المشروع ووضعه مجدداً على الخريطة العالمية.
ويغذي ارتفاع الطلب العالمي على الأسمدة المنافسة المغاربية على زيادة إنتاج الفوسفات والاستثمار في هذا القطاع الذي مثلت إيراداته لسنوات طويلة المصدر الرئيسي من العملة الصعبة لتونس.