صدمت ادعاءات الطفلة خولة نعمان عن أنها تعرضت لجريمة كراهية، المجتمع الكندي، المعروف عنه تسامحه، وتعدديته، وانفتاحه. وسرت هذه الادعاءات كالنار في الهشيم حول العالم، تتناقل قصة هذه الطفلة، لأنه من النادر أن تشهد كندا مثل هذه الحوادث. شرطة تورنتو خرجت، إثر تحقيقات دقيقة، باستنتاج عن أن القصة "مجرد اختلاق".
كشف الشرطة أدى إلى تنفس الصعداء، خشية من تزايد التشنج الذي تريده جماعات متشددة على الجانبين، خصوصا مع اقتراب ذكرى الهجوم على مسجد كيبك في 29 من الشهر الحالي، كما أدت الحادثة إلى بروز الجدل مرة أخرى حول واقع المحجبات الحقيقي في المجتمع الكندي.
ينتشر مسلمو كندا في 36 مدينة، ويعيش أكثرهم في ولايات أونتاريو وكيبيك وألبرتا وكولومبيا البريطانية. تورنتو تضم مجموعة لا بأس بها من الأقلية الكندية المسلمة، وبينهم عدد لا يستهان به من مختلف الدول العربية، إضافة إلى الآسيويين المسلمين. وبالرغم من كل المصاعب التي أصابت مسلمي أميركا الشمالية بعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلا أن مسلمي كندا، المنخرطين في مهن متقدمة أيضا، استطاعوا المحافظة على ثقافتهم وحرية شعائرهم الدينية، وفقا لقوانين حرية المعتقد، وتعد أحداث التعرض العنصري لهم قليلة مقارنة بدول أخرى.
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، المتهم من بعض اليمين المتطرف بأنه "يحابي المسلمين"، لم يتأخر عن التعبير عن تعاطفه مع الطفلة نعمان، قبل الكشف عن زيف واختلاق هذه القصة التي دفعت بأهلها إلى الاعتذار عما بدر من ابنتهم.
وبعد أن أخذت قضية "الحجاب"، كل هذا الجدل، وما أشاعته القصة المختلقة من قلق حقيقي في مجتمع كندا، ذهبت "العربي الجديد" لمن دار الجدل حولهن، وهن المحجبات في كندا للاقتراب من واقعهن الكندي.
مواقف بأحكام مسبقة
بالنسبة للمهندسة المصرية، فريدة مختار، في مدينة مسساغا في مقاطعة أونتاريو فإن "الأمر لا يخلو من وجود بعض العنصريين ضد المحجبات في المجتمع الكندي".
تعرضت مختار بنفسها لمواقف محرجة، حسبما تصف لـ"العربي الجديد" "ففي السنة الأولى لي في كندا كنت أسلم على جارتي ولا ترد علي وتصورت أن لديها مشكلة في السمع، ولكن فوجئت مرة عندما سلمت عليها ابنتي الصغيرة غير المحجبة فردت عليها السلام. وعندما سألت جاري الآخر عن ذلك أخبرني أنها حريصة على عدم التعامل مع المحجبات، ذلك بالطبع يعود لها وهو موقفها، لكنه بالنسبة لي كان شيئا غريبا أواجهه للمرة الأولى". وفي واقعة أخرى عايشت مختار موقفاً بدا غريباً "حين كانت طفلة جيراننا تلعب مع ابنتي في الشارع، وحين التقيت أمها للمرة الأولى وشاهدتني محتجبة بدا عليها الانكماش، ومن حينها منعت طفلتها من اللعب مع ابنتي".
وتبين مختار أن عددا كبيراً من المحجبات يعملن ويدرسن في مختلف المجالات في كندا "دون أن يعني بأنه لا يوجد تمييز من قبل أرباب العمل في مجال الترقية مقارنة بغير المحجبات، ويوجد صديقات كثيرات يشكين من الأمر". وترى مختار بأن "الإعلام يلعب دورا في شيوع النظرة السلبية تجاه المحجبة في المجتمعات الغربية عموما، لأنها مجتمعات، وبينها الكندي، تبني تصورها عن الحجاب على أفكار مسبقة".
ورغم ذلك ترى مختار أنه يقع على المحجبات دور كبير في تغيير الصورة النمطية، من خلال الدراسة وتطوير قدرة وقابلية المرأة المحجبة "لإيجاد فرصة عمل في المجتمع الكندي ولتثبت أنها لا تقل علما ولا كفاءة عن غيرها من النساء، ولا بد أيضا من التواصل مع المجتمع الكندي والتعامل بأفضل صورة، وفقا لما خبرنا به نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من أن الدين معاملة، وقد ثبت لي من خلال تجاربي أيضا أن البعض من المجتمع الكندي غير تعامله ونظرته عن المحجبات، بعد أن تعامل معهن ووجد أنهن مميزات في عملهن ودراستهن وتعاملهن الأخلاقي".
أما الأردنية رانيا محمد، الدارسة للسكرتارية في أونتاريو، فهي ترى بأن "المجتمع الكندي مؤدب جدا بالتعامل مع المحجبة، ولم أواجه أي موقف أو تصرف أو تفوه عنصري". بل تشعر رانيا بـ"ارتياح تجاه تعامل المجتمع الكندي معي ومع المحجبات هنا، وأنا أرى ان المحجبات في المجتمع الكندي أخذن فرصا جيدة في الحصول على وظائف مميزة وفي مختلف المجالات، وعندما أذهب لأماكن ومؤسسات مختلفة أجد أن المحجبات يعملن في مجالات التدريس والصحة والخدمات الاجتماعية، وفي مراكز مرموقة ولديهن مكانة في المجتمع الكندي. وبعد عامين من تجربتي مع المجتمع الكندي يمكنني أن أقول بأنه مجتمع راق، قائم على التعددية الثقافية ويحترم كل أطياف الناس ويعطيهم حريتهم الدينية والثقافية".
وترى محمد أن على المحجبات أن لا يعزلن أنفسهن وينكمشن بعيدا عن التفاعل "بل أنا أشجع المحجبات على أن يندمجن في المجتمع بالدراسة والعمل لكي يثبتن وجودهن بشكل مميز وإيجابي".