استغلّت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، المكاسب الميدانية التي حققتها أخيراً في محافظة البيضاء وسط اليمن، في تحقيق أهداف مزدوجة، على رأسها اتهام التحالف السعودي الإماراتي بـ"إسناد تنظيمي القاعدة وداعش" بالغطاء الجوي والسلاح والمال، إلى جانب كسب ودّ المجتمع الدولي بوصفها شريكاً في محاربة الإرهاب، فضلاً عن تجييش رجال القبائل للقتال في صفوفها باعتبارها تحارب "تكفيريين أجانب" وليسوا مواطنين يمنيين. وأعلن الحوثيون، أمس السبت، عن مقتل زعيم "داعش" في اليمن وعدد من قيادات التنظيم في المعارك بمحافظة البيضاء. وزعمت الجماعة أنّ رضوان محمد حسين قنان والمكنى بـ"أبو الوليد العدني"، وعدداً من قادة التنظيم، قتلوا في بلدة قيفة بمحافظة البيضاء.
وعلى مدار الأيام الأخيرة، أحدثت الاتهامات الحوثية ما يشبه حالة استنفار داخل التحالف السعودي والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إذ سخّر تحالف "دعم الشرعية" إمكانياته لدحض تلك الاتهامات المحرجة له أمام المجتمع الدولي في المقام الأول، والتي تقدّم جماعة الحوثيين على أنها شريكة في الحرب على الإرهاب. وشعر الحوثيون أنّ تلك الاتهامات قد لامست وتراً حساساً بعد تزايد الهلع لدى التحالف السعودي الإماراتي. وفي محاولة منها لتثبيتها، أصدرت الجماعة وتحديداً وزارتي الدفاع والداخلية التابعتين لحكومتها غير المعترف بها دولياً ثلاثة بيانات تحدثت عن الأمر، كما استحوذ الموضوع مساحة واسعة من كلمة ألقاها زعيم "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، الخميس الماضي، عشية السنة الهجرية الجديدة.
أحدثت الاتهامات الحوثية ما يشبه حالة استنفار داخل التحالف السعودي والحكومة اليمنية
وجدد المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع، مساء الجمعة، الاتهامات للتحالف السعودي بدعم "القاعدة" و"داعش" بالغارات الجوية والسلاح والمال والرعاية الطبية والتسهيلات المتعلقة بالتحرك من وإلى مناطق البيضاء، وفقاً لبيان صحافي بثته قناة "المسيرة" التابعة للجماعة.
وعلى الرغم من نفي المتحدث باسم التحالف السعودي، تركي المالكي، تلك الاتهامات، وتوجيهها بشكل معاكس لجماعة الحوثيين التي اتهمها بـ"التضليل والتنسيق مع جماعات إرهابية عدة"، إلا أنّ المسؤول العسكري الحوثي، قال إنّ جماعته "تمتلك وثائق تؤكد مشاركة عناصر القاعدة وداعش بصفوف العدوان"، في إشارة للتحالف السعودي الإماراتي. وزعم الحوثيون الثلاثاء الماضي، عبر المتحدث العسكري يحيى سريع، أنّ معركة البيضاء حُسمت خلال أسبوع فقط، وأثمرت عن "تحرير" مساحة تقدّر بألف كيلومتر مربع كانت خاضعة لسيطرة "القاعدة" و"داعش"، فضلاً عن السيطرة على 14 معسكراً وتجمعاً، على الرغم من الغطاء الجوي من التحالف السعودي، الذي حاول منعهم من التقدم نحو مواقع العناصر المتطرفة، وفق سريع.
ولم يكتف الحوثيون بذلك، بل أعلنوا أنهم يلاحقون عناصر "القاعدة" الذين فروا من البيضاء وانتقلوا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي والشرعية، وتحديداً مأرب، آخر معاقل الحكومة الشرعية شمالي البلاد، وبعض مدن الجنوب. وأشاروا إلى أنّ تنظيم "القاعدة" كان يؤوي "عناصر أجنبية منها سعودية" وبتنسيق من أجهزة مخابرات دولية وعربية، من دون تحديد هويتها. وقالت وزارة الداخلية الحوثية، من جانبها، إنّ وتيرة الدعم اللوجستي العسكري المقدم من دول التحالف السعودي لـ"داعش" و"القاعدة"، ارتفعت في الأشهر الأولى من عام 2018، وأنّ وثائق تمّ العثور عليها، "كشفت عن لقاءات جمعت قيادات العناصر الإرهابية مع مندوب التحالف بمأرب، والذي وجّه بصرف مبالغ مالية وقناصات عيار 50 وُضعت بعهدة قناصين باكستانيين"، وفقاً لوكالة "سبأ" في نسختها الخاضعة للجماعة.
وفضلاً عن مغازلة المجتمع الدولي لتقديم أنفسهم على أنهم شركاء في محاربة الإرهاب، استغل الحوثيون تلك الاتهامات لدغدغة عواطف القبائل اليمنية. وذكر القيادي في الجماعة حسين العزّي، في تغريدة على "تويتر"، ليل الجمعة، أنّ "التطبيع الإماراتي (مع إسرائيل) والإسناد الجوي للقاعدة، أحدثا ثورة وعي كبرى، وهو ما تمّ لمسه بوضوح في تزايد الإقبال على معسكرات الاحتياط (التابعة للحوثيين) وأيضاً تزايد العائدين من معسكرات الشرعية والتحالف السعودي إلى صفوف الحوثيين". في المقابل، كشفت الردود من قبل التحالف السعودي والحكومة اليمنية الشرعية، عن حجم الهلع الذي أحدثته الاتهامات الحوثية. وعلى مدار الساعات الماضية، كانت وسائل الإعلام الحكومية تنشر تباعاً تصريحات لمتحدثين باسم الجيش اليمني والحكومة والتحالف السعودي وقادة المناطق العسكرية، جميعها تحاول دحض تلك التهمة الثقيلة.
وفيما اعتبر المتحدث باسم الجيش اليمني، عبده مجلي، محاولة الحوثيين نفي علاقتهم بـ"القاعدة" و"داعش"، بأنها "محاولة يائسة هدفها تسويق الجماعة نفسها لدى المجتمع الدولي بأنها تحارب الإرهاب، على الرغم من تكامل الأدوار بينها وبين التنظيمين"، زعم المتحدث باسم الحكومة، راجح بادي، أنّ هناك "تنسيقا متكاملا بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية"، معتبراً "إطلاق الحوثيين عدداً من القيادات والعناصر الإرهابية من سجونها خلال المرحلة الماضية، دليل على ذلك التنسيق".
حقيقة معركة البيضاء
خلافاً للراوية الحوثية حول معركة البيضاء، التي زعمت "استهداف أكبر أوكار التنظيمات الإرهابية والسيطرة على مساحة ألف كيلومتر مربع"، أكد مصدر قبلي في المحافظة لـ"العربي الجديد"، أنّ التقدم الحوثي "كان محدوداً"، وأنّ الجماعة "لجأت لتسويق انتصارات وهمية بهدف الضغط على الشرعية والتحالف السعودي أمام المجتمع الدولي".
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنّ الحوثيين، "شنّوا هجمات من محاور عدة على مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش في مديرية ولد ربيع، وحققوا فيها تقدماً محدوداً جداً بكلفة بشرية كبيرة، لكنهم سوّقوا لهذا التقدم، وقدموه على أنّه على حساب الإرهابيين في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة".
جماعة "أنصار الله" لجأت لتسويق انتصارات وهمية بهدف الضغط على الشرعية والتحالف السعودي أمام المجتمع الدولي
في السياق، اعتبر الباحث اليمني رئيس مركز "أبعاد" للدراسات، عبد السلام محمد، أنّ جماعة الحوثيين، أرادت من خلال معركة البيضاء "تحقيق نصر إعلامي ومعنوي كتعويض عن التعثّر الكبير في اجتياح محافظة مأرب النفطية، وذلك بالتقدم نحو مناطق يسيطر عليها تنظيما داعش والقاعدة".
وقال محمد في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "تنظيمي داعش والقاعدة، ظلا يقتتلان خلال العامين الماضيين من دون أن يحرك الحوثي تلك الجبهة، حيث هناك مناطق لها منافذ عدة لتهريب السلاح مرتبطة بمناطق الحوثيين، وهو ما يفسر حصول داعش والقاعدة على السلاح. كما أنّ هناك مصادر تتحدث عن أنّ هناك اتفاقيات وهُدن بين الحوثيين والجماعات الإرهابية الأخرى". وأشار الباحث اليمني، إلى أنّ المناطق التي يتنافس عليها تنظيما "داعش" و"القاعدة" في البيضاء، والتي وصلها الحوثيون، "عبارة عن جبال ومناطق نائية لا يقطنها أحد، ومن الصعب جداً القول إنّ جماعة هُزمت على يد أخرى، خصوصاً أنّ داعش والقاعدة عبارة عن مجاميع متنقلة بين الجبال".
ويختلف تكوين "داعش" عن تكوين "القاعدة" في البيضاء، فالأخير أغلب عناصره من أبناء المنطقة، فيما ينحدر عناصر "داعش" من دول أخرى، لكنهم وجدوا الدعم والسلاح للتمركز في تلك المناطق، وخصوصاً خلال السنوات الخمس الماضية، وفقاً لرئيس مركز "أبعاد".
وهذه هي المعركة الأولى التي تندلع بين الحوثيين والتنظيمات المتطرفة في محافظة البيضاء منذ بدء الحرب اليمنية قبل أكثر من 5 سنوات. وفي هذا الإطار، قال "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية"، في تقرير حديث، إنّ جماعة الحوثيين استطاعت "إدارة علاقة مثيرة للاهتمام مع تنظيم داعش، الذي يوجد في المحافظة ولديه مواقع فيها، إذ يبدو الأمر بينهما أشبه باتفاق ضمني بعدم الاعتداء على بعضهما بعضا".
وذكر التقرير، أنه "على الرغم من تعامل كل طرف بحذر مع الآخر، ظلّ الوضع مستقراً في البيضاء، إذ ليس هناك أي معلومات أو تقارير عن استهداف داعش مقاتلين حوثيين أو العكس. في المقابل استهدف تنظيم داعش الجيش الوطني الموالي للشرعية، إذ احتجز التنظيم 4 أفراد في منطقة يكلا لأنهم كانوا متوجهين للانضمام للجيش، وبثّ لاحقاً تسجيلاً لإعدامهم في 11 سبتمبر/أيلول 2018". ولفت التقرير إلى أنّ "علاقة الحوثيين بتنظيم القاعدة، لا تتمتع بالقدر نفسه من الاستقرار، لكن تميل الجماعة إلى تجّنب استهداف عناصر التنظيم، والتركيز على الهدوء".