على غير عادتها، أسهبت إسرائيل في شرح تفاصيل عملية إسقاط المقاتلة السورية من طراز "سوخوي 24"، بعد اجتيازها خطوط وقف إطلاق النار، واختراق الحدود حتى نقطة فصلتها مدة دقيقة واحدة عن وصول بحيرة طبريا، وخمس دقائق عن الوصول إلى أية نقطة أخرى في إسرائيل نفسها، وفقاً لموقع صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وبرز الإسهاب المشار إليه، من خلال تسريب ونقل معلومات وافية وكاملة، على الرغم من الإقرار الإسرائيلي، غير المعلن، بأن المقاتلة السورية اجتازت الحدود عن طريق الخطأ.
ويريد الاحتلال استغلال الفرصة لتوجيه رسالة مزدوجة إلى النظام السوري، تفيد أوّلا،ً بأن إسرائيل لن تسمح له باختراق أجوائها، سواء أعمداً أم عن طريق الخطأ، في حربه ضد المعارضة المسلحة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). أما الهدف الثاني من الرسالة، فتحذير للنظام من "فكرة محاولة نقل الحرب الدائرة في سورية إلى هضبة الجولان المحتلة، خصوصاً بعد سيطرة الثوار وجبهة النصرة على معبر القنيطرة".
وكان لافتاً، هذه المرة، قيام سلطات الاحتلال بإيراد تفاصيل كثيرة تتعلق بإسقاط الطائرة، إلى درجة تحديد الوقت الذي استغرقته عملية الاستهداف منذ اتخاذ القرار، وهو وقت لم يزد عن دقيقة وعشرين ثانية.
ويُمكن اعتبار التفاصيل الإسرائيلية هذه إشارات استباقية تحذيرية لردع النظام عن تكرار المحاولة، وهو الأمر الذي يمكن تأكيده مع "جردة المعلومات العسكرية"، التي ذكرها ضابط رفيع المستوى لموقع "يديعوت أحرونوت"، حول قيام الجيش الإسرائيلي بمراقبة الطائرة منذ إقلاعها في دمشق، وتحديده للارتفاع الذي حلّقت فيه (بين 10 و14 ألف قدم)، وهو الارتفاع "المريح جداً"، بحسب الضابط، للقيام بمناورات هجومية.
وفي هذا السياق، يعتبر المحلل العسكري لموقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أن "إسقاط المقاتلة السورية جاء بموجب السياسة، التي يتبعها الجيش الإسرائيلي وفقاً لتعليمات وزير الدفاع ورئيس الأركان، موشيه يعالون، في السنوات الأخيرة، والتي تقضي باستهداف كل طائرة تخترق الأجواء الإسرائيلية، وتدمير كل قوة، مدفعية أو مدرعة، تتجاوز الحدود بين إسرائيل وسورية، وفق أوامر صارمة صدرت بهذا الشأن".
وكان يعالون قد كرر الإعلان عن سياسته هذه، حيال أي تهديد لأمن دولة الاحتلال، أياً كان مصدره، وسواء أكان دولة أو منظمة "إرهابية"، وأن إسرائيل ستردّ على كل محاولة كهذه سواء أكانت مقصودة، أم تمّت بفعل خطأ غير مقصود.
ويكشف موقع "يديعوت أحرونوت" عن أن إسرائيل استنفرت، خلال العامين الماضيين، ولعشرات المرات، مقاتلاتها الجوية لمواجهة احتمالات اختراق أجوائها عند اقتراب طائرات ومقاتلات سورية للحدود القريبة من الجولان، في حرب النظام ضد المعارضة المسلحة، إذ وصلت مقاتلات النظام في بعض الأحيان إلى الحدود الجنوبية للهضبة، وعلى مسافة مئات الأمتار من الحدود.
وبقدر ما يمكن أن تكون الرسالة الإسرائيلية موجهة إلى النظام السوري، فإنها تتوجه بالقدر نفسه إلى المعارضة، التي تحاربه على الحدود مع الجولان، لا سيما وأن الأخيرة باتت تضم "موضوعياً" مقاتلين من "جبهة النصرة"، المصنفة من قبل المجتمع الدولي كـ"منظمة إرهابية"، علماً بأن الأخيرة كانت قد سيطرت على معبر مدينة القنيطرة المحاذية للجولان السوري المحتل.
هي رسالة تحذير إذاً، من محاولة جر إسرائيل إلى القتال الدائر في سورية، أو محاولة استغلال أراضي الجولان المحتل كميدان قتال مفتوح أمام الطرفين.
ولا تخلو التصريحات الإسرائيلية من الإشارة إلى متابعة الطائرة السورية منذ انطلاقها من دمشق، ومن التلميح إلى أن "عيون إسرائيل" مفتوحة على كل صغيرة وكبيرة في سورية، على الرغم من الدخان وألسنة اللهب المتصاعدة في ميادين القتال المختلفة و"المواقع الأخرى".