إسرائيل 2019: تمدد الضربات حتى العراق وكسر تابو التطبيع

01 يناير 2020
تظاهرة برام الله ضد مؤتمر المنامة(عباس موماني/ فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أنّ الأزمة الداخلية طغت بشكل عام على المشهد الإسرائيلي، إلا أنّ قراءة للعام المنتهي تبيّن أنّه كان "موفقاً"، إذا جاز التعبير، من وجهة نظر إسرائيل. فقد شهد العام 2019 استمرار الأخيرة بتنفيذ سياساتها العدوانية إقليمياً وضدّ الفلسطينيين على نحو خاص، بموازاة ارتفاع لهجة التطبيع أو الغزل المعلن معها من قبل دول عربية خليجية وأخرى في أفريقيا. وشكّلت إيران وسياساتها ذريعة وستاراً لهذا التطبيع، بالحديث عن المصالح المشتركة أو على الأقل "تقاطع مصالح" في أخف تعبير، واعتمادٍ شبه معلن للموقف الإسرائيلي الدعائي بأنّ إيران عدو مشترك، لكل من إسرائيل والدول العربية، وهي تهدد أمن الخليج كما تهدد أمن دول أخرى، وتحول دون الاستقرار الإقليمي.

عسكرياً، شهد العام 2019 تحوّلاً مهماً في تحديد مصادر الخطر والتهديدات لإسرائيل وأمنها، ووقف الفصل بين الجبهة السورية والجبهة اللبنانية، ووضع البلدين في جبهة واحدة تحت مسمى الجبهة الشمالية، التي أضيف إليها العراق كساحة مستهدفة إسرائيلياً.

عملياً، يمكن القول إنّ العام 2019 بدأ إسرائيلياً من ذيول العام 2018، في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول، مع إطلاق دولة الاحتلال وجيشها حملة "الدرع الشمالي" على الحدود مع لبنان، وقيامها بهدم ما اعتبرته أنفاقاً هجومية لـ"حزب الله"، منها نفق ممتد من قرية كفركلا اللبنانية الحدودية. وقد تزامن ذلك مع رفع مستوى التهديدات الإسرائيلية للدولة اللبنانية ككل، وعدم الاكتفاء بتهديد "حزب الله"، والقول إنّ لبنان ككل سيدفع ثمن أي هجوم على إسرائيل يشنه "حزب الله"، وأنّ الرد الإسرائيلي لن يقف عند ردّ موضعي أو قصف محدد، بل سيشمل كامل الأراضي اللبنانية والبنى التحتية للدولة، وفق تصريحات لوزير الأمن الداخلي لحكومة الاحتلال جلعاد أردان حينها. بدوره، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مساء يوم إطلاق العملية ذاتها، أنّ جهود "حزب الله" في حفر الأنفاق "هي جزء من هجوم وسياسة عدوانية أوسع تقف وراءها وتمولها إيران"، مضيفاً أنّ العملية ستستمر حتى تحقيق أهدافها. وفي 13 يناير/ كانون الثاني، أعلن الاحتلال إنهاء العملية بعد الكشف عن "8 أنفاق هجومية" قام "حزب الله" بحفرها، منتهكاً "السيادة الإسرائيلية" والقرار الدولي 1701 لوقف الحرب الثانية على لبنان في يوليو/ تموز عام 2006، مضيفاً أنّ لبنان كدولة يتحمل مسؤولية كبيرة في سماحه بشنّ عمليات "إرهابية كهذه ضد دولة إسرائيل"، وأكّد في الوقت ذاته أنّ "المخفي أعظم".

شكّلت عملية "الدرع الشمالي" بداية التحوّل في التعامل الإسرائيلي مع ما أصبح يعلن عنه باعتباره "الجبهة الشمالية"، مع تواصل الغارات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سورية، وسط تنسيق أمني وعسكري مع روسيا.

وعلى مدار العام، وفي مناسبات مختلفة، تحدّث المسؤولون الإسرائيليون، العسكريون والسياسيون، عن جبهة شمالية لا تشمل سورية فقط، ليتضح لاحقاً بعد عشرات الغارات على سورية ولبنان، أنها تطاول أيضاً مواقع وأهداف إيرانية أو تابعة لمليشيات موالية لطهران في العراق. وقد تجلى ذلك بالهجوم الذي شنته للمرة الأولى على مخازن سلاح تابعة لـ"الحشد الشعبي" العراقي في شمالي بغداد، في 19 يوليو/ تموز الماضي، واضطرت لاحقاً للاعتراف به بعدما نفت الولايات المتحدة أن تكون هي المسؤولة عنه، فضلاً عن تسريب مسؤولين أميركيين معلومات تفيد بأنّ إسرائيل تقف وراء الهجوم. وتكررت الضربات الإسرائيلية لمواقع موالية لإيران في العراق، أو حتى إيرانية صرفة، مجدداً في أغسطس/ آب الماضي، واضطر نتنياهو إلى الاعتراف بشكل ضمني أولاً بمسؤولية إسرائيل عن هذه الضربات في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي خلال إيجاز للصحافيين الإسرائيليين، أثناء عودته من زيارة عمل إلى أوكرانيا.

وكان آخر تصريح يمكن الإشارة إليه في سياق استهداف مواقع عراقية، ولا سيما في المناطق الحدودية مع سورية وفي منطقة البوكمال، يعود لرئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال أفيف كوخافي، الأسبوع الماضي، خلال مؤتمر نُظّم في هرتسليا في الذكرى السنوية لوفاة رئيس الأركان الأسبق، الجنرال أمنون ليفكين شاحاك. فقد أعلن كوخافي خلال توصيفه لخريطة التهديدات العسكرية لإسرائيل وأمنها إقليمياً أنّ "كل الدوائر الأولية نشطة على أكثر من صعيد، ففي العراق تشتعل حرب أهلية مع دخول أسلحة متطورة بشكل مستمر، ولا يمكننا أن نسمح بمرور هذه الأسلحة من دون معالجة أمرها".

توّج هذا التصريح عملياً السياسة الإسرائيلية الجديدة التي بدأت نهاية العام الماضي بتوحيد الجبهتين اللبنانية والسورية في جبهة واحدة تحت مسمى الجبهة الشمالية. مع ذلك، شهد العام 2019 اعترافات إسرائيلية لمسؤولين مختلفين، لا سيما شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، بأنّ ما عرف في السنوات الأخيرة بـ"المعركة بين الحروب" لوقف التموضع الإيراني في سورية "لم تحقق الهدف المنشود ولم تتمكن من صدّ إيران". وهو ما التقطه وزير الأمن الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينت، ليعلن اعتماد سياسة جديدة هدفها الانتقال من مساعي صدّ التموضع الإيراني إلى الهجوم المباشر على القوات الإيرانية في سورية، مهدداً بتحويل سورية إلى فيتنام إيران عبر قوله: "نقول لإيران إنّ سورية ستتحول إلى فيتنامكم، ستغرقون في دمائكم وستنزفون، وسنواصل جهودنا حتى تُخرجوا قواتكم الهجومية منها".

تصعيد في الشمال ومساع للتهدئة مع غزة

يمكن القول في هذا السياق إنّ دولة الاحتلال، في اتجاهها للتركيز على "الجبهة الشمالية"، ناورت لتفادي النيران من قطاع غزة عبر سلسلة تفاهمات لم تصمد كثيراً للتهدئة مع القطاع، بدأت أشهرها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 عندما أُعلن عن تفاهمات أولى مع حركة "حماس"، رفضها وزير الأمن الأسبق أفيغدور ليبرمان، قبل أن يستقيل من الحكومة في 14 نوفمبر، معلناً عن مخالفته لرؤيا حكومة نتنياهو، وبأنّ الأولوية يجب أن تبقى لمواجهة "حماس" في قطاع غزة.

وشكّلت استقالة ليبرمان مؤشراً استفادت منه أيضاً المقاومة الفلسطينية في القطاع، عبر تصعيدها أكثر من مرة خلال العام، مستغلةً الوضع الداخلي في إسرائيل والأزمة السياسية التي كانت قد بدأت تتفاقم مع إقرار رؤساء الائتلاف الحكومي في 26 ديسمبر/ كانون الأول، قرار حلّ الحكومة والاتجاه إلى انتخابات عامة في التاسع من إبريل/ نيسان 2019. واستطاعت المقاومة الفلسطينية في أكثر من مناسبة على وقع الأزمة الداخلية، التوصّل إلى اتفاقيات عدة، أو تفاهمات لوقف إطلاق النار في جولات تصعيد مختلفة، بما في ذلك في إبريل، ثمّ في سبتمبر، عشية الانتخابات الثانية التي جرت في العام نفسه، بفعل فشل نتنياهو في تشكيل حكومة خامسة والاتجاه لانتخابات معادة.

وعلى مدار العام، وفي ظلّ الأزمة السياسية الداخلية، بدا أنّ الاحتلال يذهب مضطراً لتفاهمات مع حركة "حماس" والفصائل في غزة، بسبب قرار داخلي لديه بتفادي اشتعال الأوضاع على أكثر من جبهة. وهو ما اضطره عملياً لتقديم تسهيلات (مثل الموافقة على تقديم المنحة القطرية لمنع انهيار الأوضاع في قطاع غزة في ظلّ ارتفاع مستوى البطالة فيه)، خوفاً من أن يؤدي اشتعال الأوضاع في القطاع إلى امتداد النيران إلى الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً في ظلّ الأزمة مع السلطة الفلسطينية بعد قيام حكومة الاحتلال على مدار العام باقتطاع نحو 500 مليون شيقل (144.5 مليون دولار) من الأموال المستحقة للسلطة، بزعم أنّ هذه المبالغ تدفعها الأخيرة لعائلات الشهداء والأسرى والجرحى الذين أصيبوا في عمليات فدائية ضدّ الاحتلال. وبتّ الكابينت الإسرائيلي مجدداً، يوم الأحد الماضي، في مسألة اقتطاع مبلغ إضافي قدره نحو 150 مليون شيقل من أموال السلطة الفلسطينية، بزعم أنها تذهب لعائلات الأسرى، ومن ضمنهم أسرى الداخل الفلسطيني.

لكن في موازاة ذلك، ومنذ فشل نتنياهو بعد انتخابات التاسع من إبريل، بدأ الأخير في حملاته الدعائية، بما في ذلك قبل أيام معدودة من انتخابات 17 سبتمبر الماضي، بالتلويح بعزمه على فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمالي البحر الميت، بالركون إلى التصريح الأميركي في نوفمبر الماضي، بأنّ الإدارة الأميركية ستتوقف عن التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، كخرق للقانون الدولي، وفق تصريح لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي قال إنّ موقف واشنطن التقليدي من هذه المسألة لم يخدم العملية السلمية.

وعاد نتنياهو وكرر أخيراً في اجتماع انتخابي عشية الانتخابات الداخلية لحزب "الليكود" (التي جرت في 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي)، بأنه سيعمل من أجل ضمّ الأغوار ومنطقة شمالي البحر الميت، وأنه سيفرض السيادة الإسرائيلية على كل مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة.

هرولة نحو التطبيع

في موازاة السياسات العدوانية التي اعتمدتها دولة الاحتلال، فقد حرصت إسرائيل تحت قيادة نتنياهو، على إبراز آفاق تعاون محتملة مع دول عربية لا تملك علاقات دبلوماسية معها، من جهة، والكشف من جهة أخرى عن وجود تنسيق أمني عالي المستوى، وتعاون استخباراتي مع عدد من الدول العربية في الخليج. وكان أبرزها ما كشف عنه من تعاون استخباراتي إسرائيلي مع السعودية والإمارات وسلطنة عمان والبحرين في الخليج، فضلاً عن بدء نسج علاقات دبلوماسية وتعاون مع دول عربية وإسلامية في أفريقيا، أبرزها تشاد التي زارها نتنياهو رسمياً في 20 يناير/ كانون الثاني من العام 2019، معلناً أنّ هذه الزيارة إلى "بلد مسلم كبير جداً له حدود مع ليبيا والسودان، تشكّل حدثاً تاريخياً". وأعقب ذلك حديث إسرائيلي، وتحديداً تصريحات لنتنياهو، عن إمكانية حصول تعاون أيضاً مع السودان، والسماح بمرور الرحلات الإسرائيلية المتجهة إلى القارتين الأميركيتين فوق أجواء هذا البلد وتشاد.

وقد زخر العام 2019 بتقارير مختلفة، إسرائيلية وعربية، عن تنشيط علاقات التطبيع والزيارات لمختلف المسؤولين الإسرائيليين لدول في الخليج، مثل زيارات وزير الخارجية يسرائيل كاتس إلى الإمارات، وزيارة وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغيف إلى الدولة نفسها، ناهيك أخيراً عن زيارة مسؤولين من وزارة الخارجية إلى أبوظبي لوضع الترتيبات النهائية للجناح الإسرائيلي في معرض "إكسبو 2020" في دبي. وبالتوازي مع هذا الإقبال الإماراتي على استضافة الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين، برز نشاط سعودي في المحافل الدولية بالتركيز على الخطر المشترك الذي تمثله إيران، فضلاً عن السكوت على زيارة ناشط سعودي إلى إسرائيل، ولقائه برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

ولعلّ من أبرز مظاهر سقوط تابو التطبيع مع إسرائيل هو استضافة البحرين، بعد تصريحات متكررة لوزير خارجيتها، خالد بن أحمد آل خليفة، مؤيدة لتطبيع العلاقات مع الاحتلال، لمؤتمر المنامة الاقتصادي في 26 يونيو/ حزيران الماضي، كمقدمة لـ"صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، ناهيك عن تصريحات لآل خليفة هاجم فيها الهجمات الصاروخية للمقاومة في قطاع غزة ضد دولة الاحتلال.

لكن آخر العنقود في رحلة التطبيع، كانت سلسلة التغريدات التي صدرت عن مسؤولين إماراتيين من سفارات مختلفة للتهنئة بعيد "الحانوكا" اليهودي، بموازاة تغريدة لوزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، تضمّنت إعادة نشر تقرير في صحيفة "سبكتروم" عن التقارب العربي الإسرائيلي أخيراً. وقد ردّ نتنياهو بالثناء على تلك التغريدة، واعتبارها وجهاً من أوجه تسخين العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

المساهمون