إسرائيل والدعم الأميركي المتواصل

19 مارس 2018
+ الخط -
التدريبات المشتركة التي يجريها الجيش الإسرائيلي مع قوات أميركية حاليا تحت اسم "جنيفر كوبرا- 18"، ليست أمرا جديدا، فهي تدريبات اعتيادية ودورية بدأت منذ عام 2001؛ أما الجديد فهو تَمَيُزُها بأنها الأضخم والأهم منذ سنين، إذ يشارك فيها ما يقارب من 2500 جندي أميركي إلى جانب آلاف الجنود الإسرائيليين، أضف إلى ذلك تزامنها مع التوتر الأمني الذي تشهده الجبهتان، الشمالية والجنوبية، على حد سواء. لكن الأهم هو التغطية الإعلامية المكثفة التي تحظى بها والإعلان رسميا عن مشاركة القوات الأميركية في أي مواجهة جديدة مع إسرائيل، وهو ما يحمل في طياته عدد من المؤشرات.
أولا، الاعتراف ضمنيا بأن إسرائيل باتت عاجزة عن حماية جبهتها الداخلية، على الرغم من امتلاكها أكثر الأسلحة تطورا في العالم، وذلك في ظل تَغَيُر التهديدات وتعاظم إمكانات قوى المقاومة بشكل لم تعهده منذ سنين، حسب ما قاله العميد تسفيكا حايموفتش. يعزز ذلك تهديدات حزب الله باستهداف المنشآت الاستراتيجية، وفي مقدمها حقول الغاز التي تمثل العمود الفقري لاقتصاد الطاقة في إسرائيل.
ثانيا، تخوف إسرائيل من خوض حرب طويلة، كما حدث خلال عدوانها على غزة عام 2014 لما لها من تداعيات سلبية، سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا. لذلك، تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتقصير مدتها من خلال الاستعانة بوحدات الدفاع الجوي الأميركي، لتقليص الأضرار والخسائر ومنع المقاومة من تحقيق إنجازات ملموسة. وفي المقابل، تفرّغ ذراعها الجوي لتوجيه ضربات موضعية ومؤلمة لشل قدرة المقاومة على مواصلة القتال، وإجبارها على القبول باتفاق وقف إطلاق النار.
ثالثا، تصريح الجنرال الأميركي ريتشارد كلارك، وقوله "القوات الأميركية هنا للدفاع عن إسرائيل"، هو بمثابة تحطيم لأحد مبادئ النظرية الأمنية التي تبنتها إسرائيل منذ عهد بن غوريون، وهو أن "إسرائيل تدافع عن نفسها بنفسها"، وهو ما يؤكده رفض إرييل شارون السماح بوجود قوات أميركية خلال التفاوض على إقامة ست قواعد عسكرية أميركية في إسرائيل عام 1981.
رابعا، استغلال ترويج هذه التدريبات عامل ردع أمام أعدائها، والإشارة إليهم إنّ أي مواجهة مع إسرائيل تعني مواجهة مع دولة عظمى بكل ما تعنيه الكلمة. لذلك، يجب أن يحذروا من إمكانية استفزازها أو المبادرة بالهجوم أو امتلاك الجرأة على الرد على عملياتها الموضعية.
خامسا، إصرارها على مواصلة عملياتها ذات البصمة المنخفضة التي تتيح لها المجال للتهرب وإنكار المسئولية في "إطار العمليات بين الحروب" لمنع تعاظم قوى المقاومة وامتلاكها لأسلحة كاسرة للتوازن ولمواصلة العمل على إضعافها واستنزافها.
سادسا، الاستفادة من إجراء التدريبات مع القوات الأميركية، لرفع الروح المعنوية بين صفوف جنودها، لا سيما وأنها تشعر بالقلق من تراجع نسبة التجنيد للوحدات القتالية بشكل لم تعهده منذ سنين، وهو ما يعرّض مفهوم جيش الشعب للخطر على المدى البعيد، أضف إلى ذلك محاولة لطمأنة المجتمع الإسرائيلي، وضمان تماسكه وقبوله لتحمل الخسائر في حال اندلاع مواجهة.
تدل هذه المؤشرات وغيرها على أن إسرائيل تمر بمرحلة جديدة من التحديات، وتغُير في طبيعة التهديدات. ومع ذلك، تواصل تهربها من الاعتراف بهذه الحقيقة أو التسليم بها، سيما وأن جميع محاولاتها لردع أعدائها لم تحقق فعالية بالمستوى المطلوب، وباتت حقيقة الردع متبادلة، عدا عن ذلك هي تتناسى أنّ من يدفع الثمن هو مجتمعها وكيانها على وجه الخصوص، على الرغم من الدعم والغطاء الأميركيين غيرالمسبوقين.
FECDF122-A8E0-4E55-904D-69EF41C8EF7E
FECDF122-A8E0-4E55-904D-69EF41C8EF7E
عادل ياسين (فلسطين)
عادل ياسين (فلسطين)