إسرائيل... رقص فوق الدماء الفرنسية

13 يناير 2015
سيكون مهرجان البكاء الإسرائيلي - الصهيوني مستفزاً بامتياز(تيري شسنو/Getty)
+ الخط -

لا شيء يشبه النفاق الإسرائيلي ولا التناقضات الإسرائيلية في استغلال الأحداث، بحلوها و مرّها. وقد برز ذلك في أوجه متعددة متناقضة تبعث أحياناً على ازدراء الانتهازية الإسرائيلية.

إسرائيل التي سارعت إلى اعتبار فرنسا مع وقوع مذبحة "شارلي إيبدو"، موطن حرية التعبير عن الرأي وقلب العالم الحر، بحسب تعبير نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، هي نفسها إسرائيل التي لم تستح من استغلال دماء القتلى اليهود الأربعة في المتجر اليهودي لترهيب يهود فرنسا، والطعن في قدرة السيادة الفرنسية على حماية مواطنيها. هذه هي الرسالة التي فهمها يهود فرنسا ومعهم مسؤولو الدولة الفرنسية الذين تأففوا أصلاً من مجرد رغبة نتنياهو في حضور المسيرة الحاشدة التي نظمت في باريس أول من أمس، ولاحقاً من اتهاماته المبطنة ليهودها وترويعه لهم بقوله إن مكانهم الطبيعي في "أرض إسرائيل" حيث يكونون آمنين.

وإذا لم يكن ذلك كافياً، فإن الصهيونية، بدعايتها الدموية لم تتوقف عن توظيف الدماء المسفوكة في باريس، ولا في المراسم التي حظي بها الضحايا في الكنيس الأكبر لباريس. فقد أطلقت منذ أمس الاثنين مهرجان البكاء المجدد مع بدء استعداداتها لنقل جثث الضحايا الذين ماتوا فرنسيين لتدفنهم في القدس المحتلة إسرائيليين. وقد كلّف نتنياهو وزيرة الثقافة ليمور ليفنات معالجة تفاصيل النقل والدفن ومرافقة عائلات القتلى لتكون تلك صورتها الأخيرة وهي التي أعلنت اعتزالها العمل السياسي في إسرائيل.

وسيكون المهرجان الدموي، أو مهرجان البكاء الإسرائيلي – الصهيوني على ضحايا باريس اليهود، صهيونياً ومستفزاً بامتياز. نتنياهو الذي تمكن من خطف أبصار العالم ووسائله الإلكترونية وهو يزاحم ليأخذ مكانه في الصف الأول في مسيرة "الجمهورية" أول من أمس، بادعاء مصافحة رئيس دولة لا تقيم علاقة مع إسرائيل ليصل إلى الصف الأول، لن يعدم الفرصة لمزيد من الإسفاف الصهيوني الفج في الاستفادة القصوى من معاداة السامية.

الصحافة الإسرائيلية التي ذهب محللوها في اليومين الماضيين إلى الإشارة بأن فرنسا جلبت المذبحة على نفسها لأنها تهاونت مع المهاجرين من أصول إسلامية، هي نفسها التي انتقدت واشمأزت من بهلوانيات رئيس حكومتها بعد أن تجاوز كل أصول الضيافة واللياقة و"الإتيكيت" وتصرف كالرعاع في مركز الليكود ليعلن للباريسيين، أنه هو بيبي "جو سوي بيبي"، أنا هنا.

مع ذلك ستشهد إسرائيل اليوم مهرجاناً يبيح لنتنياهو، وكل منافسيه في الحلبة الإسرائيلية والانتخابات النيابية، للتحريض على الإسلام والمسلمين، والتطرف الإسلامي وتشويه المقاومة الفلسطينية ووصمها بالإرهاب. لن يرتدع نتنياهو بل سيسارع، وقد ينافسه في ذلك أيضا زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ، وباقي اليساريين ووسائل الإعلام في التحذير من خطر "حماس" بعد أن باتت في نظر نتنياهو ووفق دعايته نسخة أخرى من "داعش".

في المقابل، سينسى نتنياهو ضحايا شارلي إيبدو، وسينسى ما قاله عن فرنسا قلب الحضارة والحريات، ليتذكر أرض إسرائيل "الملجأ الوحيد الآمن لليهود" ولا سيما يهود فرنسا، حتى مع اعتراف الإذاعة الإسرائيلية أمس، أن المؤسسة الدينية اليهودية في إسرائيل لا تعترف بيهودية قطاعات واسعة من يهود فرنسا الذي يتمنى نتنياهو هجرتهم إلى "أرض إسرائيل".

ستتحول مراسم دفن القتلى اليهود في المتجر اليهودي في باريس، إلى مهرجان بكاء على الدماء ورقصة زار إسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية والعربية، أينما كانت، ومنصة لدعوة تجديد الصهيونية وروح الصهيونية القائمة على الهجرة إلى "أرض إسرائيل". وقد يعاود نتنياهو تكرار لازمة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي ينعم فيها المسلمون بحياة "وادعة" ومساواة إذا ما قورنت حالهم بما يحدث في بلدان الشرق الأوسط، لينسى ما ذكّره به صحافيون إسرائيليون، وفي مقدمتهم ناحوم برنيع، يوم الأحد، أنه هو الذي رفض إدخال مبدأ المساواة لقانون "القومية اليهودية". برنيع نفسه غطى مسيرة باريس وخرج ليقول إنه لم يصادف لافتة واحدة ضد الإسلام والمسلمين، ولا سمع عبارة واحدة تندد بهم، فماذا سيسمع الإسرائيليون ومعهم العالم، في مهرجان البكاء على قتلة يهود لقوا مصرعهم فرنسيين ليدفنوا في القدس المحتلة إسرائيليين.