06 يوليو 2017
إسرائيل حين تحاول تصدير أزمتها في الضفة إلى غزة
شكل الأول من يناير/كانون ثاني الجاري فاتحة غير مبشرة للإسرائيليين، حين نفذ العربي الفلسطيني، نشأت ملحم، عمليته الفدائية المسلحة في قلب تل أبيب في وضح النهار، ليقتل ويصيب إسرائيليين، ويبقي دولة الاحتلال، بمنظومتها الأمنية والعسكرية والسياسية، في حيرةٍ لا تحسد عليها ألبتة، وهي تجند كل إمكاناتها الاستخبارية لاعتقاله حياً أو ميتاً، حتى بقي متوارياً عن أنظارها، أكثر من أسبوع، ثم يستشهد في اشتباك خاضه مع القوات الإسرائيلية الخاصة.
وتزداد، في الوقت نفسه، حدة العمليات والهجمات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة في 1948، بعد أكثر من مائة يوم على انطلاقها في الأول من أكتوبر/تشرين أول الماضي، وهو ما دفع إسرائيل، في الآونة الأخيرة، إلى تصدير جملة اتهامات تدريجية ضد قطاع غزة، على اعتبار أنه المسؤول عن حالة التحريض التي تشجع فلسطينيي الضفة على عملياتهم ضد الإسرائيليين.
وقد زادت جرعة الاتهامات الإسرائيلية ضد "حماس" وقيادات عسكرية فيها بالاسم، في خطوة غير مسبوقة، ما يجعل الحركة في حالة من الجاهزية التامة كما يبدو، استعداداً لخيار إسرائيلي متعارف عليه، يقضي بـ"تصدير الأزمات"، وهو سلوك إسرائيلي قديم جديد، يطبق قاعدة "معالجة الأزمة بافتعال أزمة". ولدى الفلسطينيين في غزة تلك المخاوف من تصدير إسرائيل تبعات انتفاضة القدس ضدهم، في هذه البقعة الجغرافية الضيقة المحاصرة، وهناك ما يشبه القناعة الفلسطينية بأن الإجراءات العقابية الإسرائيلية ضد الضفة الغربية تتجاوز عمليات الطعن والدعس، لأن جيش الاحتلال يقوم، على ما يبدو، بعملية عسكرية واسعة ومتدحرجة، تحت غطاء محاولة الوصول إلى منفذي العمليات، ويعتزم استغلال الفرصة العسكرية حتى النهاية، وتوظيف الأجواء الدولية لتنفيذ عمليات تمشيط دقيقة فترة طويلة.
وقد تداول المحللون الإسرائيليون والخبراء العسكريون والساسة والأمنيون، في الأيام القليلة الماضية، ما يشبه المخطط الإسرائيلي لضرب البنية التحتية لحماس في غزة، وتحديداً لدى زيادة حديثهم المتزامن والمقلق عن مخاطر تهديد الأنفاق التي باتت تتجاوز الحدود الإسرائيلية، وارتفاع وتيرة التجارب الصاروخية التي تجريها حماس في الأسابيع القليلة الماضية، وما يتخلل ذلك من "بهارات" كفيلة بتضخيم قدرات حماس العسكرية، لتهيئة الرأي العام الإسرائيلي لحرب رابعة ضد غزة التي لم تتعاف بعد من جراحات الحروب الثلاثة الماضية.
وجدت حماس نفسها مسارعة للرد على الحملة الإسرائيلية ضدها ببيانات وتصريحات، وأحياناً ببعض ما تعتبره رسائل ردعية من قادتها، لكبح جماح إسرائيل نحو غزة، وبعثت رسائل تهديدية لجيش الاحتلال، بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي مغامرة غير محسوبة العواقب نحو غزة. مع العلم أن النقاش الذي يسود بين الفلسطينيين في غزة، وربما داخل الأروقة المغلقة لقوى المقاومة، لا يذهب باتجاه افتعال مواجهة عسكرية حامية مع الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة، على الأقل في غزة، حتى لا يتم منحه فرصة لتصدير إخفاقه الأمني وعجزه العسكري في عمليات الضفة إلى غزة، إلا إذا تم فرض المواجهة عبر اغتيال شخصية كبيرة.
وبات ملفتاً في الوضع الميداني على حدود غزة أنه يشهد رشقات صاروخية متبادلة بين الجيش الإسرائيلي ومجموعات فلسطينية مسلحة، بحيث تسقط صواريخ في المدن الجنوبية، فيما يرد الطيران بقصف أهداف في ساعات الفجر الأولى لأهداف مختلفة في غزة.
وقد استقرت الأجواء التي تخيّم على حماس في غزة بعدم الرد بقوة على الحملة الإسرائيلية ضدها، وامتصاص غضبها، لأن أي رد من غزة يتجاوز صواريخ قليلة غير مؤثرة، قد يدخلها في مواجهة عسكرية كبيرة. وهنا، تسعى الحركة إلى تحشيد الرأي العام الفلسطيني خلفها مع القوى المسلحة، على الرغم من أنها تقرأ جيداً أن الفلسطينيين في غزة لا يبدون تحمساً لخوض أي معركة مقبلة.
العد التنازلي
تتزايد تقديرات الفلسطينيين بأن العد التنازلي لهجوم إسرائيلي عليهم في غزة ربما يقترب رويداً رويداً، فقد قرأ كاتب السطور في الأيام القليلة الماضية نحو عشر مقالات، كتابها من ذوي الوزن الثقيل في المجالات العسكرية والأمنية في إسرائيل، وهم يحرّضون على غزة، ويخوّفون الإسرائيليين من مخاطر الأنفاق، وتزايد التجارب الصاروخية. وتطرح هذه الأجواء الإسرائيلية المشحونة بالتحريض على غزة أمام الفلسطينيين أسئلة حول: توقيت الهجوم، وماذا سيشمل، وهل سيكون مقلصاً أو واسعاً، في ضوء تسريبات إسرائيل المتزايدة بأنها قد تذهب إلى حرب ضد غزة في حال تحقق أمر من ثلاثة:
عملية مسلحة كبيرة داخل إسرائيل، يكون الرد عليها في غزة. أو تنفيذ ضربة استباقية ضد أنفاق حماس الهجومية. وهناك تقدير تتداوله الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية يشير إلى عزم إسرائيلي بضرب شخصية، أو شخصيات فلسطينية قيادية كبيرة في غزة.
يعاود الإسرائيليون مجدداً تجريب المجرّب، فقد هربوا من أزمة المستوطنين الثلاثة الذين اختطفوا في الخليل أواسط 2014، إلى افتعال حرب غزة الثالثة، على الرغم من تحذير الجميع، حينها، بأن التهديدات ضد غزة قد تجرّ المنطقة إلى مربع ملتهب، لأن إسرائيل تهرب إلى الأمام، وتقفز في الهواء، وما علمت أن امتلاكها قرار البدء بالتصعيد، لا يعني أنها تمتلك وقفه، وحروب غزة خير مثال. وفي الوقت نفسه، قد تدفع الأزمة الأمنية التي أعقبت استمرار انتفاضة القدس في الضفة الغربية وداخل إسرائيل حكومة الاحتلال للمناورة بين أمرين:
غضب الجمهور الإسرائيلي من قصورها عن وقف هذه العمليات الفردية، والقضاء على شبح الخوف الذي يطارد الإسرائيليين في قلب مدنهم "الآمنة" وداخل غرف نومهم، والضغوط السياسية من داخل الجناح اليميني في الائتلاف من أجل رد فعل شديد. وتدهور الوضع لمواجهة عنيفة وواسعة مع حماس في غزة، واضطرار الجيش لبلورة سلسلة ردود فعل، تثبت أنه ما زال قوياً مقابل الحركة، من دون الانجرار لورطة عسكرية متواصلة، لأن من شأن احتكاك كهذا أن يشعل ناراً كبيرة، والثورات في العالم العربي جعلت الشارع عاملاً غير مستقر، وقابلاً للاشتعال بصورة غير متوقعة، وعلى الرغم من دعوات إسرائيلية إلى تحطيم البنى التحتية لحماس في غزة. لكن، لا ينبغي جعل حكمها في غزة ينهار، لأن البدائل أسوأ.
مع ذلك، يبدو أنه يتوفر لدى الحكومة الإسرائيلية شبه توافق بين سدنتها بوجوب توجيه ضربة عسكرية ما لحماس، وتصفية الحساب معها بشن حربٍ بلا هوادة فيها على قادتها وبنيتها التحتية في غزة، مع التحذير من عملياتٍ غير منضبطة، تفقد دولة الاحتلال تعاطف العالم معها. ولذلك، تنافس الوزراء والمعارضون في إطلاق الوعيد للفلسطينيين من حرب واسعة، والعودة إلى سياسة الاغتيالات، وتدمير البنية التحتية، وترحيل كبار الناشطين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة. وقد اتضح ذلك من جملة تصريحاتٍ إسرائيلية متتالية أشارت إلى المطالبات التالية:
ضرورة ردع المنظمات الفلسطينية عن قتل الإسرائيليين. جباية ثمن باهظ من القيادة الفلسطينية كلها. التوعد بأن يكون الرد الإسرائيلي أقسى مما يتصوره أحد، حتى أن وزيراً زعم أنه لا يدري كم من قادة حماس سيبقون على قيد الحياة. مواصلة الجيش جولاته العسكرية على حدود غزة، بزعم ملاحقة واضعي العبوات الناسفة التي تستهدف الدوريات العسكرية. البدء باتخاذ سلسلة إجراءات وخطوات إزاء مواصلة إطلاق الصواريخ، وأمام احتمالات أخرى تؤخذ بالحسبان، ويستعد لإمكانية التصعيد، على الرغم من مزاعمه بأن الحشود العسكرية على حدود غزة لأغراض دفاعية، وليس استعدادًا للدخول في حرب موسعة ضدها.
تفويت الفرصة
ربما تعلم تل أبيب أنه ليس من مصلحتها تعميق الصراع مع غزة، بل الاكتفاء ببث الرعب أمام حماس، لأن توصية جهاز الأمن للمجلس الوزاري هي استعراض القوة والاستعداد، من دون "تحطيم الأواني". ولذلك، جاءت إعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي على حدود القطاع بالذخيرة والمعدات، وتكثيف وجود سفن سلاح البحرية قبالة سواحله، وتحليق مكثف للطائرات في أجواء غزة. فيما حذرت حماس الحكومة الإسرائيلية من مغبة اختبار صبرها، في خطابٍ يحاكي خطاباً إسرائيلياً مماثلاً، وتعهدت في حال فرضت أي معركة عليها أنها ستكشف للجميع مدى هشاشة العدو الإسرائيلي، ويعني ذلك أن حماس تأخذ تهديدات الاحتلال على محمل الجد، ولا تأمن غدره.
وقد تم اتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة في غزة، على الرغم من أن قوى المقاومة الفلسطينية غير معنية بتصعيد الأمور، لكنها أعلنت، مراتٍ في الأيام الأخيرة، أن العهد الذي تخطط فيه القيادة الإسرائيلية متى وأين وكيف تبدأ المعركة وتنتهي قد مضى، فالمعادلة تغيّرت، والزمن لا يرجع إلى الوراء، فقد تملك إسرائيل قرار البدء في المعركة، لكنها قطعاً لن تستطيع تقدير حجمها ومسارها ومجرياتها ومآلاتها، لأن لدى المقاومة من الخطط ما يمكّنها من إدارة المعركة بالطريقة التي لا يرغبها الإسرائيليون، ولا يتمنونها.
وقد شهدت الأيام القليلة الماضية ارتفاعا في وتيرة التصريحات الصادرة عن حماس، ساستها وعسكرها، مفادها بأنه إذا قدّر للحركة أن تكشف عما لديها، فسيفاجأ العدو والصديق، وإن تهديدات الاحتلال لا تعني في قاموسها سوى اقتراب ساعة الانتقام منه، وتلقينه دروساً قاسية، وتهديداته لا تخيفها ولا تربكها، ولن تدفعها سوى إلى تحضير بنك أهدافها استعداداً للحظة الصفر، والمعارك السابقة للعدو في غزة ستكون نزهة بالنسبة لما أعدته له كتائب القسام للمعركة المقبلة.
أخيراً.. صحيح أن ساحة المواجهة القائمة اليوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي الضفة الغربية والقدس وإسرائيل، فيما يقتصر دور غزة على الدعم السياسي والإعلامي، كما هو ظاهر، لكن ذلك، على ما يبدو، لا يقنع صناع القرار الإسرائيلي بمغادرة التفكير القديم الجديد بتهديد غزة، وترجمة تهديداتهم إلى سلوك عدواني دامٍ، وهم يحاولون، بين حين وآخر، انتهاز فرصةٍ هنا واستغلال حدث هناك، لتصدير إخفاقاتهم الكارثية وفشلهم الأمني في مواجهة سكاكين المطابخ الفلسطينية التي كشفت عن مدى هشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، نحو مواجهة عسكريةٍ قاتلةٍ، تستعرض فيها إسرائيل آلتها العسكرية الفتاكة.
يتطلب ذلك كله من صناع القرار الفلسطيني نزع أي ذريعة من إسرائيل، ومحاولة تأجيل أي مواجهةٍ قد تفرض على الفلسطينيين، وتفويت الفرصة على حالة الهستيريا التي تعيشها إسرائيل، وهي ترى ظهرها مكشوفاً طوال أكثر من مائة يوم.
وتزداد، في الوقت نفسه، حدة العمليات والهجمات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة في 1948، بعد أكثر من مائة يوم على انطلاقها في الأول من أكتوبر/تشرين أول الماضي، وهو ما دفع إسرائيل، في الآونة الأخيرة، إلى تصدير جملة اتهامات تدريجية ضد قطاع غزة، على اعتبار أنه المسؤول عن حالة التحريض التي تشجع فلسطينيي الضفة على عملياتهم ضد الإسرائيليين.
وقد زادت جرعة الاتهامات الإسرائيلية ضد "حماس" وقيادات عسكرية فيها بالاسم، في خطوة غير مسبوقة، ما يجعل الحركة في حالة من الجاهزية التامة كما يبدو، استعداداً لخيار إسرائيلي متعارف عليه، يقضي بـ"تصدير الأزمات"، وهو سلوك إسرائيلي قديم جديد، يطبق قاعدة "معالجة الأزمة بافتعال أزمة". ولدى الفلسطينيين في غزة تلك المخاوف من تصدير إسرائيل تبعات انتفاضة القدس ضدهم، في هذه البقعة الجغرافية الضيقة المحاصرة، وهناك ما يشبه القناعة الفلسطينية بأن الإجراءات العقابية الإسرائيلية ضد الضفة الغربية تتجاوز عمليات الطعن والدعس، لأن جيش الاحتلال يقوم، على ما يبدو، بعملية عسكرية واسعة ومتدحرجة، تحت غطاء محاولة الوصول إلى منفذي العمليات، ويعتزم استغلال الفرصة العسكرية حتى النهاية، وتوظيف الأجواء الدولية لتنفيذ عمليات تمشيط دقيقة فترة طويلة.
وقد تداول المحللون الإسرائيليون والخبراء العسكريون والساسة والأمنيون، في الأيام القليلة الماضية، ما يشبه المخطط الإسرائيلي لضرب البنية التحتية لحماس في غزة، وتحديداً لدى زيادة حديثهم المتزامن والمقلق عن مخاطر تهديد الأنفاق التي باتت تتجاوز الحدود الإسرائيلية، وارتفاع وتيرة التجارب الصاروخية التي تجريها حماس في الأسابيع القليلة الماضية، وما يتخلل ذلك من "بهارات" كفيلة بتضخيم قدرات حماس العسكرية، لتهيئة الرأي العام الإسرائيلي لحرب رابعة ضد غزة التي لم تتعاف بعد من جراحات الحروب الثلاثة الماضية.
وجدت حماس نفسها مسارعة للرد على الحملة الإسرائيلية ضدها ببيانات وتصريحات، وأحياناً ببعض ما تعتبره رسائل ردعية من قادتها، لكبح جماح إسرائيل نحو غزة، وبعثت رسائل تهديدية لجيش الاحتلال، بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي مغامرة غير محسوبة العواقب نحو غزة. مع العلم أن النقاش الذي يسود بين الفلسطينيين في غزة، وربما داخل الأروقة المغلقة لقوى المقاومة، لا يذهب باتجاه افتعال مواجهة عسكرية حامية مع الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة، على الأقل في غزة، حتى لا يتم منحه فرصة لتصدير إخفاقه الأمني وعجزه العسكري في عمليات الضفة إلى غزة، إلا إذا تم فرض المواجهة عبر اغتيال شخصية كبيرة.
وبات ملفتاً في الوضع الميداني على حدود غزة أنه يشهد رشقات صاروخية متبادلة بين الجيش الإسرائيلي ومجموعات فلسطينية مسلحة، بحيث تسقط صواريخ في المدن الجنوبية، فيما يرد الطيران بقصف أهداف في ساعات الفجر الأولى لأهداف مختلفة في غزة.
وقد استقرت الأجواء التي تخيّم على حماس في غزة بعدم الرد بقوة على الحملة الإسرائيلية ضدها، وامتصاص غضبها، لأن أي رد من غزة يتجاوز صواريخ قليلة غير مؤثرة، قد يدخلها في مواجهة عسكرية كبيرة. وهنا، تسعى الحركة إلى تحشيد الرأي العام الفلسطيني خلفها مع القوى المسلحة، على الرغم من أنها تقرأ جيداً أن الفلسطينيين في غزة لا يبدون تحمساً لخوض أي معركة مقبلة.
العد التنازلي
تتزايد تقديرات الفلسطينيين بأن العد التنازلي لهجوم إسرائيلي عليهم في غزة ربما يقترب رويداً رويداً، فقد قرأ كاتب السطور في الأيام القليلة الماضية نحو عشر مقالات، كتابها من ذوي الوزن الثقيل في المجالات العسكرية والأمنية في إسرائيل، وهم يحرّضون على غزة، ويخوّفون الإسرائيليين من مخاطر الأنفاق، وتزايد التجارب الصاروخية. وتطرح هذه الأجواء الإسرائيلية المشحونة بالتحريض على غزة أمام الفلسطينيين أسئلة حول: توقيت الهجوم، وماذا سيشمل، وهل سيكون مقلصاً أو واسعاً، في ضوء تسريبات إسرائيل المتزايدة بأنها قد تذهب إلى حرب ضد غزة في حال تحقق أمر من ثلاثة:
عملية مسلحة كبيرة داخل إسرائيل، يكون الرد عليها في غزة. أو تنفيذ ضربة استباقية ضد أنفاق حماس الهجومية. وهناك تقدير تتداوله الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية يشير إلى عزم إسرائيلي بضرب شخصية، أو شخصيات فلسطينية قيادية كبيرة في غزة.
يعاود الإسرائيليون مجدداً تجريب المجرّب، فقد هربوا من أزمة المستوطنين الثلاثة الذين اختطفوا في الخليل أواسط 2014، إلى افتعال حرب غزة الثالثة، على الرغم من تحذير الجميع، حينها، بأن التهديدات ضد غزة قد تجرّ المنطقة إلى مربع ملتهب، لأن إسرائيل تهرب إلى الأمام، وتقفز في الهواء، وما علمت أن امتلاكها قرار البدء بالتصعيد، لا يعني أنها تمتلك وقفه، وحروب غزة خير مثال. وفي الوقت نفسه، قد تدفع الأزمة الأمنية التي أعقبت استمرار انتفاضة القدس في الضفة الغربية وداخل إسرائيل حكومة الاحتلال للمناورة بين أمرين:
غضب الجمهور الإسرائيلي من قصورها عن وقف هذه العمليات الفردية، والقضاء على شبح الخوف الذي يطارد الإسرائيليين في قلب مدنهم "الآمنة" وداخل غرف نومهم، والضغوط السياسية من داخل الجناح اليميني في الائتلاف من أجل رد فعل شديد. وتدهور الوضع لمواجهة عنيفة وواسعة مع حماس في غزة، واضطرار الجيش لبلورة سلسلة ردود فعل، تثبت أنه ما زال قوياً مقابل الحركة، من دون الانجرار لورطة عسكرية متواصلة، لأن من شأن احتكاك كهذا أن يشعل ناراً كبيرة، والثورات في العالم العربي جعلت الشارع عاملاً غير مستقر، وقابلاً للاشتعال بصورة غير متوقعة، وعلى الرغم من دعوات إسرائيلية إلى تحطيم البنى التحتية لحماس في غزة. لكن، لا ينبغي جعل حكمها في غزة ينهار، لأن البدائل أسوأ.
مع ذلك، يبدو أنه يتوفر لدى الحكومة الإسرائيلية شبه توافق بين سدنتها بوجوب توجيه ضربة عسكرية ما لحماس، وتصفية الحساب معها بشن حربٍ بلا هوادة فيها على قادتها وبنيتها التحتية في غزة، مع التحذير من عملياتٍ غير منضبطة، تفقد دولة الاحتلال تعاطف العالم معها. ولذلك، تنافس الوزراء والمعارضون في إطلاق الوعيد للفلسطينيين من حرب واسعة، والعودة إلى سياسة الاغتيالات، وتدمير البنية التحتية، وترحيل كبار الناشطين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة. وقد اتضح ذلك من جملة تصريحاتٍ إسرائيلية متتالية أشارت إلى المطالبات التالية:
ضرورة ردع المنظمات الفلسطينية عن قتل الإسرائيليين. جباية ثمن باهظ من القيادة الفلسطينية كلها. التوعد بأن يكون الرد الإسرائيلي أقسى مما يتصوره أحد، حتى أن وزيراً زعم أنه لا يدري كم من قادة حماس سيبقون على قيد الحياة. مواصلة الجيش جولاته العسكرية على حدود غزة، بزعم ملاحقة واضعي العبوات الناسفة التي تستهدف الدوريات العسكرية. البدء باتخاذ سلسلة إجراءات وخطوات إزاء مواصلة إطلاق الصواريخ، وأمام احتمالات أخرى تؤخذ بالحسبان، ويستعد لإمكانية التصعيد، على الرغم من مزاعمه بأن الحشود العسكرية على حدود غزة لأغراض دفاعية، وليس استعدادًا للدخول في حرب موسعة ضدها.
تفويت الفرصة
ربما تعلم تل أبيب أنه ليس من مصلحتها تعميق الصراع مع غزة، بل الاكتفاء ببث الرعب أمام حماس، لأن توصية جهاز الأمن للمجلس الوزاري هي استعراض القوة والاستعداد، من دون "تحطيم الأواني". ولذلك، جاءت إعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي على حدود القطاع بالذخيرة والمعدات، وتكثيف وجود سفن سلاح البحرية قبالة سواحله، وتحليق مكثف للطائرات في أجواء غزة. فيما حذرت حماس الحكومة الإسرائيلية من مغبة اختبار صبرها، في خطابٍ يحاكي خطاباً إسرائيلياً مماثلاً، وتعهدت في حال فرضت أي معركة عليها أنها ستكشف للجميع مدى هشاشة العدو الإسرائيلي، ويعني ذلك أن حماس تأخذ تهديدات الاحتلال على محمل الجد، ولا تأمن غدره.
وقد تم اتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة في غزة، على الرغم من أن قوى المقاومة الفلسطينية غير معنية بتصعيد الأمور، لكنها أعلنت، مراتٍ في الأيام الأخيرة، أن العهد الذي تخطط فيه القيادة الإسرائيلية متى وأين وكيف تبدأ المعركة وتنتهي قد مضى، فالمعادلة تغيّرت، والزمن لا يرجع إلى الوراء، فقد تملك إسرائيل قرار البدء في المعركة، لكنها قطعاً لن تستطيع تقدير حجمها ومسارها ومجرياتها ومآلاتها، لأن لدى المقاومة من الخطط ما يمكّنها من إدارة المعركة بالطريقة التي لا يرغبها الإسرائيليون، ولا يتمنونها.
وقد شهدت الأيام القليلة الماضية ارتفاعا في وتيرة التصريحات الصادرة عن حماس، ساستها وعسكرها، مفادها بأنه إذا قدّر للحركة أن تكشف عما لديها، فسيفاجأ العدو والصديق، وإن تهديدات الاحتلال لا تعني في قاموسها سوى اقتراب ساعة الانتقام منه، وتلقينه دروساً قاسية، وتهديداته لا تخيفها ولا تربكها، ولن تدفعها سوى إلى تحضير بنك أهدافها استعداداً للحظة الصفر، والمعارك السابقة للعدو في غزة ستكون نزهة بالنسبة لما أعدته له كتائب القسام للمعركة المقبلة.
أخيراً.. صحيح أن ساحة المواجهة القائمة اليوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي الضفة الغربية والقدس وإسرائيل، فيما يقتصر دور غزة على الدعم السياسي والإعلامي، كما هو ظاهر، لكن ذلك، على ما يبدو، لا يقنع صناع القرار الإسرائيلي بمغادرة التفكير القديم الجديد بتهديد غزة، وترجمة تهديداتهم إلى سلوك عدواني دامٍ، وهم يحاولون، بين حين وآخر، انتهاز فرصةٍ هنا واستغلال حدث هناك، لتصدير إخفاقاتهم الكارثية وفشلهم الأمني في مواجهة سكاكين المطابخ الفلسطينية التي كشفت عن مدى هشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، نحو مواجهة عسكريةٍ قاتلةٍ، تستعرض فيها إسرائيل آلتها العسكرية الفتاكة.
يتطلب ذلك كله من صناع القرار الفلسطيني نزع أي ذريعة من إسرائيل، ومحاولة تأجيل أي مواجهةٍ قد تفرض على الفلسطينيين، وتفويت الفرصة على حالة الهستيريا التي تعيشها إسرائيل، وهي ترى ظهرها مكشوفاً طوال أكثر من مائة يوم.