وما أضفى إثارة على الجدل الداخلي بشأن حلول هذه الذكرى، قرار وزارة الحرب الإسرائيلية، الإفراج عن عشرات الآلاف من الوثائق المتعلقة بقرار تدشين المنطقة، والجهد الحربي الذي استمر خلال تلك الفترة. ونقل موقع "واللا" عن الصحافية عدنا حشمونائي، قولها يوم الخميس، إن "الاحتفاظ بالحزام الأمني أفضى إلى تآكل قوة الردع الإسرائيلية، وتراجع مكانة تل أبيب الدولية، فتدشين الحزام الأمني لم يحل دون قيام إسرائيل بتنفيذ حملتين عسكريتين، وهما: الحساب والعقاب في 1993 وعناقيد الغضب في 1996".
وتابعت "أفضت الخسائر البشرية في صفوف المدنيين اللبنانيين إلى حملة انتقادات دولية غير مسبوقة على إسرائيل، كبّدتها خسائر عدة جراء الاحتفاظ بهذه المنطقة، وأحدثت شرخاً عميقاً في المجتمع الإسرائيلي، وشكّلت أداة ضغط على دوائر صنع القرار في تل أبيب لتعجيل الانسحاب من المنطقة بأي ثمن".
من جهتها تقول الباحثة أورنا شمعوني، إحدى مؤسسات منظمة "الأمهات الأربع"، التي كانت تطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، إنها "قامت بدراسة واقع ظروف عمل الجيش في جنوب لبنان، وتأكدت أن أقصى ما قام به الجيش هناك على مدى 15 عاماً هو الدفاع عن ذاته فقط".
اقرأ أيضاً: نصر الله بين خطابين: ما لا تستطيع إيران قوله
وينقل "واللا" عن شمعوني، التي فقدت نجلها الضابط في لواء "غولاني" في هذه المنطقة، أن "معظم الجنود لم يُقتلوا خلال عمليات بادر الجيش لتنفيذها، بل في كمائن نصبها حزب الله لهم عند عودتهم للمواقع". وتجزم أن "رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، أقدم على أهم عمل قام به زعيم إسرائيلي في هذا الجيل، عندما قام بسحب قوات الجيش في عملية سرية".
من ناحيته يقول القائد السابق للواء "غولاني"، الجنرال تيشكو تامير، إن "إسرائيل شنّت حرب لبنان الأولى عام 1982، على أمل أن تنجح في تغيير الواقع الأمني في المستوطنات الشمالية، عبر القضاء على قواعد منظمة التحرير في جنوب لبنان".
واستدرك قائلاً "تمكن الجيش من إبعاد منظمة التحرير عن المنطقة، لكن جلب عملياً حزب الله، وهو أخطر منها". وفي كتابه "حرب بلا أثر"، الذي صدر حديثاً، يلفت تامير، الذي قاد وحدات خاصة عدة عملت في جنوب لبنان، الأنظار إلى أن "الجيش تورّط في المستنقع اللبناني، لأنه خشي أن يفضي الانسحاب من الحزام الأمني إلى استئناف عمليات إطلاق الصواريخ والتسلل".
وكشف أن "الثمن الذي دفعه الجيش من أجل الاحتفاظ بالحزام الأمني، كان أكبر بكثير من الثمن الذي كان يمكن دفعه جراء عمليات إطلاق الصواريخ والتسلل". وأشار تامير إلى أنه "لم يكن في حسبان القيادة الإسرائيلية أن يفضي التورط في لبنان، إلى منح كل من سورية وإيران الفرصة لاستنزاف إسرائيل من دون أن تخاطرا بدفع ثمن مباشر على ذلك".
ويشير تامير إلى أن "ما ساعد إيران وسورية على تحقيق أهدافهما، هو التحول الكبير والمفاجئ على دور الطائفة الشيعية وتأثيرها في لبنان، لا سيما أواخر ثمانينيات القرن الماضي. ويؤكد أن "تشكّل حركة أمل وانطلاق حزب الله مثّل نقطة تحول فارقة، لم تحسب لها إسرائيل أي حساب".
وأوضح أنه "لم يتضح لإسرائيل حجم تصميم إيران على تصدير ثورتها إلى لبنان"، مشيراً إلى أن "سورية التي كانت تسيطر على لبنان سمحت لحزب الله بتطوير قدراته العسكرية من دون حدود، في الوقت الذي حرصت فيه على تفكيك بقية التنظيمات". ويستنتج تامير أن "إسرائيل اكتشفت سريعاً بأن الحزام الأمني تحوّل من ذخر إلى عبء كبير".
وفي السياق، أعرب العقيد المتقاعد أورن فكوتا، الذي خدم كضابط في منطقة "الحزام الأمني" عن إحباطه لأنه فقد عدداً كبيراً من زملائه من أجل الاحتفاظ بالحزام الأمني، من دون مقابل. ويلفت فكوتا إلى أن "منطقة الحزام الأمني لم تحل دون وقوع عدد من العمليات الموجعة، التي أثرت على الوعي الجماعي الإسرائيلي، مثل أسر مساعد الطيار رون أراد عام 1986، وعملية التسلل إلى قاعدة عسكرية بالقرب من مستوطنة "كريات شمونا" عام 1987، والتي أسفرت عن مقتل ستة جنود، ومقتل قائد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان الجنرال أيرز غيرشتاين، في كمين نصبه حزب الله عام 1999.
وأضاف فكوتا "قُتل في عام 1999 أيضاً، 11 ضابطاً من وحدة الكوماندوس البحري في كمين نصبه حزب الله". ويشير إلى أن "إسرائيل ارتكبت خطأً فادحاً عندما أقدمت على اغتيال زعيم حزب الله عباس الموسوي عام 1992، بعد انطلاقها من فرضية مفادها أن تصفية الموسوي ستُفضي إلى ردع حزب الله وتجبره على تقليص عملياته، في حين أن ما حدث كان العكس تماماً".
وفي السياق، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي الخميس، أن الاحتفاظ بمنطقة الحزام الأمني انطوى على دفع ثمن اقتصادي باهظ. وأشارتت الإذاعة إلى أن الجيش الإسرائيلي اضطر للاحتفاظ بعشرات المواقع العسكرية، وكان مطالباً بدفع رواتب للآلاف من عناصر مليشيا "جيش لبنان الجنوبي" المتعاون مع إسرائيل.
اقرأ أيضاً: "السر المدفون" فيلم لبناني إيراني عن "مقاومة إسرائيل"