18 نوفمبر 2024
إسرائيل تستغل الأزمة السورية لانتزاع شرعية دولية لضم الجولان
عقدت الحكومة الإسرائيلية، في السابع عشر من إبريل/ نيسان 2016، اجتماعها الأسبوعي في هضبة الجولان السورية المحتلة، للمرة الأولى منذ وقوعها تحت الاحتلال قبل 49 عامًا. واستهل نتنياهو الاجتماع بالقول إنّ هضبة الجولان ستبقى بيد إسرائيل "إلى الأبد"، وأنّ إسرائيل لن تنسحب منها تحت أي ظرف. فما هي الأسباب التي جعلت الحكومة الإسرائيلية تعقد هذه الجلسة الاستفزازية في الجولان، وما هي الرسائل التي أراد نتنياهو إيصالها؟
"فرصة تاريخية"
سنّ الكنيست الإسرائيلي قانون ضم الجولان السوري المحتل للسيادة الإسرائيلية في الرابع عشر من ديسمبر/ كانون أول 1981 باقتراحٍ من حكومة مناحيم بيغن. وقد أثار ذلك الضم معارضةً عربيةً ودوليةً شديدةً، ولم تعترف به أيّ دولة أو هيئة دولية. وعلى الرغم من ضم الجولان، أجرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مفاوضاتٍ علنيةً وسريةً، مباشرةً وغير مباشرةٍ، مع النظام السوري، بشأن الانسحاب من الجولان وإعادته إلى سورية مقابل توقيع اتفاق سلامٍ شاملٍ بين سورية وإسرائيل، وتطبيع العلاقات بينهما. وقد فشلت هذه المفاوضات، في كل مرّة، بسبب تعنّت إسرائيل ورفضها الانسحاب إلى خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967.
وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 2010، سنّ الكنيست الإسرائيلي، بمبادرة من حكومة نتنياهو، "قانون الاستفتاء العام"، بغرض وضع العراقيل أمام أيّ انسحابٍ من أراضٍ تخضع للسيادة الإسرائيلية، وكان المقصود بذلك الجولان والقدس الشرقية المحتلة. وأكّد هذا القانون أنّ كلّ انسحابٍ إسرائيلي من منطقةٍ تقع تحت السيادة الإسرائيلية يحتاج إلى أغلبيةٍ في استفتاءٍ عام، وقد أيّد القانون 61 عضواً في الكنيست من بين مجموع أعضائه البالغ عددهم 120 عضوًا.
وعند انطلاق الثورة السورية في عام 2011، واختيار النظام السوري تحويلها إلى حربٍ أهلية، اتخذت إسرائيل موقفاً يهدف إلى إطالة أمد هذه الحرب، وإضعاف سورية إلى أقصى درجةٍ ممكنة. ومنذ عام 2014، ولا سيما بعد ظهور تنظيم الدولة (داعش)، أخذ قادة إسرائيل ومنظّروها يروّجون مقولة إنّ سورية التي كانت قائمةً قد انتهت، ولم يعد بالإمكان إعادة تشكيلها، وأنّ التقسيم على أسسٍ طائفية وإثنية وجهوية بات أمراً واقعاً. وعلت أصواتٌ تدعو إلى استثمار الحرب في سورية، ليس لدفع خيار تقسيمها فحسب، وإنما أيضاً من أجل مطالبة المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي، للاعتراف بضم إسرائيل هضبة الجولان السورية المحتلة، ومنح هذا الضم شرعيةً دوليةً.
وثمّة مؤشرات حول تشجيع إسرائيل دولاً أخرى من أجل تقاسم سورية؛ ليكون احتلالها جزءاً من تقاسمٍ إقليمي لأراضيها. فقد دعا تسفي هاوزر، المقرّب من نتنياهو والذي شغل منصب سكرتير الحكومة في السنوات 2009-2013، في مقالٍ له بعنوان "فرصة تاريخية في الجولان"، إلى استغلال الظروف الجديدة التي نجمت عن الحرب في سورية، وانهيار الدولة السورية والتغييرات في الشرق الأوسط، للعمل، بكل جهدٍ، من أجل أن يعترف العالم بضم إسرائيل الجولان، ومنحه شرعية دولية. وحاجج هاوزر أنه يتعين على إسرائيل، التي عجزت عن إفشال توصّل الدول الكبرى إلى "اتفاق سيء" مع إيران بشأن ملفها النووي، أن تبذل الجهد للحصول على تعويضٍ إستراتيجي ملائمٍ من الولايات المتحدة. وطالب بألا يقتصر هذا التعويض الأميركي على تقديم الأسلحة النوعية الحديثة لإسرائيل، وإنما يشمل اعتراف الولايات المتحدة بضرورة بقاء الجولان السوري تحت السيادة الإسرائيلية، عبر وعدٍ رئاسي من البيت الأبيض وقانون من الكونغرس. وأشار هاوزر إلى أنّ الجولان السوري المحتل، بخلاف المناطق الفلسطينية المحتلة، لا يشكل مشكلةً ديموغرافية لإسرائيل، لأنه يوجد به 24 ألف سوري فقط مقابل21 ألف مستوطن يهودي. والمعروف أنّ إسرائيل شرّدت أهالي الجولان في حرب عام 1967، وكان عددهم حينها نحو 130 ألف نسمة، وقد أقام أكثرهم في أحياء قريبة من العاصمة دمشق، مثل جديدة عرطوز والحجر الأسود وغيرها. وكان هؤلاء الذين وصل عددهم إلى نحو 600 ألف أول من ثار على النظام السوري، مطلع عام 2011؛ ما أدى إلى تشريدهم مرة أخرى. ولكن، على يد نظامهم "المقاوم" هذه المرة.
وفي لقائه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في التاسع من نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، طرح بنيامين نتنياهو رغبة إسرائيل في بحث موقف الولايات المتحدة من ضم إسرائيل الجولان في ضوء تطورات الحرب في سورية. وذكرت المصادر الإسرائيلية أنّ نتنياهو طرح هذا الموضوع على أوباما باقتضابٍ في أثناء مداولاتهما، وأنّ نتنياهو أشار إلى أنه يشك كثيرًا في إمكانية إعادة توحيد سورية، ما يُوجب تفكيراً مختلفًا بشأن مستقبل الجولان. ولم يردّ الرئيس أوباما على ما قاله نتنياهو بشأن الجولان.
وفي لقائه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في التاسع من نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، طرح بنيامين نتنياهو رغبة إسرائيل في بحث موقف الولايات المتحدة من ضم إسرائيل الجولان في ضوء تطورات الحرب في سورية. وذكرت المصادر الإسرائيلية أنّ نتنياهو طرح هذا الموضوع على أوباما باقتضابٍ في أثناء مداولاتهما، وأنّ نتنياهو أشار إلى أنه يشك كثيرًا في إمكانية إعادة توحيد سورية، ما يُوجب تفكيراً مختلفًا بشأن مستقبل الجولان. ولم يردّ الرئيس أوباما على ما قاله نتنياهو بشأن الجولان.
نحو إفشال أي تسوية في سورية
أثار جهدُ الولايات المتحدة وروسيا، في الشهور الأخيرة، للدفع باتجاه التوصّل إلى حلٍ سياسيٍ للصراع الدائر في سورية خشيةَ نتنياهو من أن يسفر ذلك عن حلٍ يحافظ على وحدة سورية. وقد استشاط نتنياهو غضباً عندما اطّلع على مسودة ورقة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، للحل في سورية، والتي جاءت في 12 بندًا، ونصّ الأول فيها على: "احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ من الأراضي الوطنية ... وأنّ الشعب السوري مازال ملتزماً استعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية". وقد أدرك نتنياهو من هذه المسودة أنّ هذا البند لا يعبّر فقط عن موقفي المعارضة والنظام السوري بشأن استعادة سورية للجولان المحتل فحسب، وإنما يعبّر أيضاً عن موقف الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي. وقد اختار نتنياهو أن يردّ على ذلك بوسيلتين: الأولى، بتكثيف اتصالات إسرائيل مع كلٍ من روسيا والولايات المتحدة، فقد قام بترتيب زيارة هي الثالثة له إلى موسكو خلال الشهور السبعة الأخيرة. والثانية، بالقيام بحملة إعلامية، تؤكد مكانة إسرائيل ودورها الإستراتيجي في المنطقة ومصالحها الحيوية. وتؤكد، من ناحية أخرى، أنّ هضبة الجولان السورية المحتلة باتت جزءًا من إسرائيل التي لن تنسحب منها تحت أي ظرف، وأنّ أي حلٍ للصراع في سورية يجب أن يقرّ بذلك.
وفي هذا السياق، قام نتنياهو بخطوتين استعراضيتين؛ تمثّلت الأولى بزيارة هضبة الجولان السورية المحتلة في أثناء قيام الجيش الإسرائيلي بتمرين عسكري فيها، فأعلن من هناك أنّ الجيش نفّذ عشرات الهجمات ضد أهداف في سورية خلال الفترة الأخيرة، بخلاف السياسة الإسرائيلية المتبعة التي دأبت، طوال السنوات الماضية، على عدم الإعلان عن عمليات إسرائيل العسكرية في سورية. وقد عدّ محللون إسرائيليون أنّ نتنياهو وجّه تصريحه هذا أساسًا إلى القيادتين، الأميركية والروسية، بغرض تذكيرهما بضرورة أخذ مصالح إسرائيل في الحسبان، في أيّ حلٍ سياسيٍ للحرب في سورية، ولا سيما في ما يخص مطلب إسرائيل الاحتفاظ بالجولان المحتل. أما الخطوة الثانية التي جاءت، بعد نحو أسبوع من خطوته الأولى، فكانت عقد اجتماعٍ للحكومة الإسرائيلية في الجولان، صرّح فيها أنّ هضبة الجولان ستبقى بيد إسرائيل "إلى الأبد"، وأضاف أنه هاتف، في الأسبوع الماضي، وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وقال له إنه يشكّ في قدرة سورية على العودة إلى ما كانت عليه، نظرًا إلى ما ادّعاه من "وجود أقلياتٍ مضطهدةٍ فيها مثل المسيحيين والدروز والأكراد" إلى جانب وجود "جهات إرهابية، وفي مقدمتها داعش وإيران وحزب الله وجهات أخرى". وأضاف نتنياهو "قلت لوزير الخارجية الأميركي إننا لا نعارض التسوية في سورية، بشرط ألا تأتي على حساب أمن دولة إسرائيل". وأكّد نتنياهو لكيري أنّه "آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعترف بحقيقتين أساسيتين: الأولى، إنه بصرف النظر عما يحدث في الطرف الآخر من الحدود، فإنّ الخط الحدودي لن يتغيّر. والثانية، أنّ هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد".
وقد قام نتنياهو، في 21 إبريل/ نيسان الجاري، بزيارةٍ خاطفةٍ إلى موسكو، استكمالاً لجهده أعلاه، ولإفشال أيّ حلٍ سياسيٍ، يحافظ على وحدة أراضي الدولة السورية، ويعيد الجولان المحتل إليها، ولرفع مستوى التنسيق العسكري والأمني بين إسرائيل وروسيا، بخصوص نشاطهما العسكري في سورية. وفي مستهل اجتماعه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي دام ثلاث ساعات، حرص نتنياهو على التأكيد أمام وسائل الإعلام أنّ هضبة الجولان السورية المحتلة خطٌ أحمرَ بالنسبة إلى إسرائيل، وأنّ إسرائيل لن تنسحب منها، سواء في حالة التوصّل إلى حلٍ للأزمة السورية أو في غيابه.
وقد تمحورت المحادثات بين بوتين ونتنياهو حول موضوعين أساسيين: أولهما تعزيز التنسيق العسكري - الأمني بينهما، لتجنّب حدوث تصادمٍ بين الطائرات الإسرائيلية والطائرات الروسية، خصوصاً في ظل احتفاظ روسيا بمنظومة الصواريخ إس 400 المتطوّرة في سورية. وثانيهما الرؤية الروسية بشأن وقف إطلاق النار في سورية ومساعيها مع الولايات المتحدة، للتوصّل إلى حلٍ سياسيٍ للحرب في سورية. وقد اتفق نتنياهو وبوتين على عقد اجتماعٍ آخر بينهما في يونيو/ حزيران المقبل، بمناسبة مرور 25 عاماً على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
إجماع دولي على الرفض
سارعت دول عديدة، بما فيها الصديقة لإسرائيل، إلى الإعلان عن رفضها تصريحات نتنياهو بشأن الجولان السوري المحتل. وكانت ألمانيا أولى هذه الدول؛ إذ أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية أنّ ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل يتناقض مع القانون الدولي، ومع ميثاق الأمم المتحدة، وأشار إلى أنّ المبدأ الأساسي في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يؤكد أنه لا يحقُّ لأيّ دولةٍ ضم مناطق تابعة لدولة أخرى. كما أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية أنّ الإدارة الأميركية لا تعترف بأنّ الجولان جزءٌ من إسرائيل، وأنّ سياسة الولايات المتحدة الأميركية بشأن الجولان ثابتة، تحت مختلف الإدارات، ديمقراطيةً كانت أم جمهورية، وأنّ مصير الجولان ينبغي أن يُحدَّد بواسطة مفاوضات بين إسرائيل وسورية. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أنّ ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل، واستمرار احتلالها له، يتناقضان مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وقد استنكر كلٌّ من النظام السوري والمعارضة السورية عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها في الجولان السوري المحتل، وأكدا، في تصريحاتٍ عديدةٍ لهما، رفضهما أقوال نتنياهو جملةً وتفصيلًا. وأكّد رياض حجاب، منسق الهيئة العليا للمفاوضات عن المعارضة، رياض حجاب، في مؤتمر صحافي له، أنّ الجولان أرضٌ سورية محتلة، وأنّ هذه الأرض ستعود حتماً إلى سورية. وطالبت وزارة الخارجية السورية الأمم المتحدة ومجلس الأمن التنديد بتصريحات نتنياهو وبتنفيذ قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل. أما جامعة الدول العربية فقد عقدت جلسة خاصة على مستوى المندوبين الدائمين فيها في 21 إبريل/ نيسان الجاري، ودانت عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها في الجولان المحتل، ورفضت، في بيانٍ لها على لسان أمينها العام، أقوال نتنياهو، وأكدت أنّ الجولان السوري المحتل أرضٌ عربية سورية محتلة، ينبغي إعادتها إلى سورية.
خاتمة
على الرغم من محاولات إسرائيل المستمرة استثمار الحرب في سورية، من أجل تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها الحصول على شرعيةٍ دوليةٍ لضمها الجولان السوري المحتل، فإنها فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق ذلك. فلم تعترف أيّ دولةٍ، أو أيّ هيئةٍ دوليةٍ بهذا الضم. من جهة أخرى، لا يجب أن يصرف انشغال سورية والسوريين بأزمتهم الداخلية الدامية انتباههم، أو يقلّل من إصرارهم على استعادة أرضهم المحتلة، كما يجب ألا يكون صراعهم ضد الاستبداد سبباً في ضياع البوصلة؛ فإسرائيل تبقى عدوهم، وهي تفعل ما تستطيع لإطالة أمد أزمتهم وإضعاف وطنهم وتمزيقه، في محاولةٍ للظفر بجزءٍ منه. وفضلاً عن ذلك، يجب ألا يقود العنف غير المسبوق الذي يستخدمه النظام السوري ضد شعبه إلى استصغار الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة السورية والفلسطينية، أو أن يقود ذلك إلى التطبيع مع إسرائيل بذرائع وحجج واهية. قضية الجولان المحتل وطنية سورية، وهي أيضاً قضية عربية. فهضبة الجولان أرضٌ عربية احتُلت في سياق حرب عربية - إسرائيلية عام 1967. وتتحيّن الدولة الصهيونية الفرص، لكي يسلّم العرب والعالم بضم الجولان والقدس للسيادة الإسرائيلية. ويجب أن يتذكّر ذلك كلُّ من يتهاون في مسألة التطبيع مع إسرائيل.
"فرصة تاريخية"
سنّ الكنيست الإسرائيلي قانون ضم الجولان السوري المحتل للسيادة الإسرائيلية في الرابع عشر من ديسمبر/ كانون أول 1981 باقتراحٍ من حكومة مناحيم بيغن. وقد أثار ذلك الضم معارضةً عربيةً ودوليةً شديدةً، ولم تعترف به أيّ دولة أو هيئة دولية. وعلى الرغم من ضم الجولان، أجرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مفاوضاتٍ علنيةً وسريةً، مباشرةً وغير مباشرةٍ، مع النظام السوري، بشأن الانسحاب من الجولان وإعادته إلى سورية مقابل توقيع اتفاق سلامٍ شاملٍ بين سورية وإسرائيل، وتطبيع العلاقات بينهما. وقد فشلت هذه المفاوضات، في كل مرّة، بسبب تعنّت إسرائيل ورفضها الانسحاب إلى خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967.
وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 2010، سنّ الكنيست الإسرائيلي، بمبادرة من حكومة نتنياهو، "قانون الاستفتاء العام"، بغرض وضع العراقيل أمام أيّ انسحابٍ من أراضٍ تخضع للسيادة الإسرائيلية، وكان المقصود بذلك الجولان والقدس الشرقية المحتلة. وأكّد هذا القانون أنّ كلّ انسحابٍ إسرائيلي من منطقةٍ تقع تحت السيادة الإسرائيلية يحتاج إلى أغلبيةٍ في استفتاءٍ عام، وقد أيّد القانون 61 عضواً في الكنيست من بين مجموع أعضائه البالغ عددهم 120 عضوًا.
وعند انطلاق الثورة السورية في عام 2011، واختيار النظام السوري تحويلها إلى حربٍ أهلية، اتخذت إسرائيل موقفاً يهدف إلى إطالة أمد هذه الحرب، وإضعاف سورية إلى أقصى درجةٍ ممكنة. ومنذ عام 2014، ولا سيما بعد ظهور تنظيم الدولة (داعش)، أخذ قادة إسرائيل ومنظّروها يروّجون مقولة إنّ سورية التي كانت قائمةً قد انتهت، ولم يعد بالإمكان إعادة تشكيلها، وأنّ التقسيم على أسسٍ طائفية وإثنية وجهوية بات أمراً واقعاً. وعلت أصواتٌ تدعو إلى استثمار الحرب في سورية، ليس لدفع خيار تقسيمها فحسب، وإنما أيضاً من أجل مطالبة المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي، للاعتراف بضم إسرائيل هضبة الجولان السورية المحتلة، ومنح هذا الضم شرعيةً دوليةً.
وثمّة مؤشرات حول تشجيع إسرائيل دولاً أخرى من أجل تقاسم سورية؛ ليكون احتلالها جزءاً من تقاسمٍ إقليمي لأراضيها. فقد دعا تسفي هاوزر، المقرّب من نتنياهو والذي شغل منصب سكرتير الحكومة في السنوات 2009-2013، في مقالٍ له بعنوان "فرصة تاريخية في الجولان"، إلى استغلال الظروف الجديدة التي نجمت عن الحرب في سورية، وانهيار الدولة السورية والتغييرات في الشرق الأوسط، للعمل، بكل جهدٍ، من أجل أن يعترف العالم بضم إسرائيل الجولان، ومنحه شرعية دولية. وحاجج هاوزر أنه يتعين على إسرائيل، التي عجزت عن إفشال توصّل الدول الكبرى إلى "اتفاق سيء" مع إيران بشأن ملفها النووي، أن تبذل الجهد للحصول على تعويضٍ إستراتيجي ملائمٍ من الولايات المتحدة. وطالب بألا يقتصر هذا التعويض الأميركي على تقديم الأسلحة النوعية الحديثة لإسرائيل، وإنما يشمل اعتراف الولايات المتحدة بضرورة بقاء الجولان السوري تحت السيادة الإسرائيلية، عبر وعدٍ رئاسي من البيت الأبيض وقانون من الكونغرس. وأشار هاوزر إلى أنّ الجولان السوري المحتل، بخلاف المناطق الفلسطينية المحتلة، لا يشكل مشكلةً ديموغرافية لإسرائيل، لأنه يوجد به 24 ألف سوري فقط مقابل21 ألف مستوطن يهودي. والمعروف أنّ إسرائيل شرّدت أهالي الجولان في حرب عام 1967، وكان عددهم حينها نحو 130 ألف نسمة، وقد أقام أكثرهم في أحياء قريبة من العاصمة دمشق، مثل جديدة عرطوز والحجر الأسود وغيرها. وكان هؤلاء الذين وصل عددهم إلى نحو 600 ألف أول من ثار على النظام السوري، مطلع عام 2011؛ ما أدى إلى تشريدهم مرة أخرى. ولكن، على يد نظامهم "المقاوم" هذه المرة.
وفي لقائه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في التاسع من نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، طرح بنيامين نتنياهو رغبة إسرائيل في بحث موقف الولايات المتحدة من ضم إسرائيل الجولان في ضوء تطورات الحرب في سورية. وذكرت المصادر الإسرائيلية أنّ نتنياهو طرح هذا الموضوع على أوباما باقتضابٍ في أثناء مداولاتهما، وأنّ نتنياهو أشار إلى أنه يشك كثيرًا في إمكانية إعادة توحيد سورية، ما يُوجب تفكيراً مختلفًا بشأن مستقبل الجولان. ولم يردّ الرئيس أوباما على ما قاله نتنياهو بشأن الجولان.
وفي لقائه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في التاسع من نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، طرح بنيامين نتنياهو رغبة إسرائيل في بحث موقف الولايات المتحدة من ضم إسرائيل الجولان في ضوء تطورات الحرب في سورية. وذكرت المصادر الإسرائيلية أنّ نتنياهو طرح هذا الموضوع على أوباما باقتضابٍ في أثناء مداولاتهما، وأنّ نتنياهو أشار إلى أنه يشك كثيرًا في إمكانية إعادة توحيد سورية، ما يُوجب تفكيراً مختلفًا بشأن مستقبل الجولان. ولم يردّ الرئيس أوباما على ما قاله نتنياهو بشأن الجولان.
نحو إفشال أي تسوية في سورية
أثار جهدُ الولايات المتحدة وروسيا، في الشهور الأخيرة، للدفع باتجاه التوصّل إلى حلٍ سياسيٍ للصراع الدائر في سورية خشيةَ نتنياهو من أن يسفر ذلك عن حلٍ يحافظ على وحدة سورية. وقد استشاط نتنياهو غضباً عندما اطّلع على مسودة ورقة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، للحل في سورية، والتي جاءت في 12 بندًا، ونصّ الأول فيها على: "احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ من الأراضي الوطنية ... وأنّ الشعب السوري مازال ملتزماً استعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية". وقد أدرك نتنياهو من هذه المسودة أنّ هذا البند لا يعبّر فقط عن موقفي المعارضة والنظام السوري بشأن استعادة سورية للجولان المحتل فحسب، وإنما يعبّر أيضاً عن موقف الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي. وقد اختار نتنياهو أن يردّ على ذلك بوسيلتين: الأولى، بتكثيف اتصالات إسرائيل مع كلٍ من روسيا والولايات المتحدة، فقد قام بترتيب زيارة هي الثالثة له إلى موسكو خلال الشهور السبعة الأخيرة. والثانية، بالقيام بحملة إعلامية، تؤكد مكانة إسرائيل ودورها الإستراتيجي في المنطقة ومصالحها الحيوية. وتؤكد، من ناحية أخرى، أنّ هضبة الجولان السورية المحتلة باتت جزءًا من إسرائيل التي لن تنسحب منها تحت أي ظرف، وأنّ أي حلٍ للصراع في سورية يجب أن يقرّ بذلك.
وفي هذا السياق، قام نتنياهو بخطوتين استعراضيتين؛ تمثّلت الأولى بزيارة هضبة الجولان السورية المحتلة في أثناء قيام الجيش الإسرائيلي بتمرين عسكري فيها، فأعلن من هناك أنّ الجيش نفّذ عشرات الهجمات ضد أهداف في سورية خلال الفترة الأخيرة، بخلاف السياسة الإسرائيلية المتبعة التي دأبت، طوال السنوات الماضية، على عدم الإعلان عن عمليات إسرائيل العسكرية في سورية. وقد عدّ محللون إسرائيليون أنّ نتنياهو وجّه تصريحه هذا أساسًا إلى القيادتين، الأميركية والروسية، بغرض تذكيرهما بضرورة أخذ مصالح إسرائيل في الحسبان، في أيّ حلٍ سياسيٍ للحرب في سورية، ولا سيما في ما يخص مطلب إسرائيل الاحتفاظ بالجولان المحتل. أما الخطوة الثانية التي جاءت، بعد نحو أسبوع من خطوته الأولى، فكانت عقد اجتماعٍ للحكومة الإسرائيلية في الجولان، صرّح فيها أنّ هضبة الجولان ستبقى بيد إسرائيل "إلى الأبد"، وأضاف أنه هاتف، في الأسبوع الماضي، وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وقال له إنه يشكّ في قدرة سورية على العودة إلى ما كانت عليه، نظرًا إلى ما ادّعاه من "وجود أقلياتٍ مضطهدةٍ فيها مثل المسيحيين والدروز والأكراد" إلى جانب وجود "جهات إرهابية، وفي مقدمتها داعش وإيران وحزب الله وجهات أخرى". وأضاف نتنياهو "قلت لوزير الخارجية الأميركي إننا لا نعارض التسوية في سورية، بشرط ألا تأتي على حساب أمن دولة إسرائيل". وأكّد نتنياهو لكيري أنّه "آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعترف بحقيقتين أساسيتين: الأولى، إنه بصرف النظر عما يحدث في الطرف الآخر من الحدود، فإنّ الخط الحدودي لن يتغيّر. والثانية، أنّ هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد".
وقد قام نتنياهو، في 21 إبريل/ نيسان الجاري، بزيارةٍ خاطفةٍ إلى موسكو، استكمالاً لجهده أعلاه، ولإفشال أيّ حلٍ سياسيٍ، يحافظ على وحدة أراضي الدولة السورية، ويعيد الجولان المحتل إليها، ولرفع مستوى التنسيق العسكري والأمني بين إسرائيل وروسيا، بخصوص نشاطهما العسكري في سورية. وفي مستهل اجتماعه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي دام ثلاث ساعات، حرص نتنياهو على التأكيد أمام وسائل الإعلام أنّ هضبة الجولان السورية المحتلة خطٌ أحمرَ بالنسبة إلى إسرائيل، وأنّ إسرائيل لن تنسحب منها، سواء في حالة التوصّل إلى حلٍ للأزمة السورية أو في غيابه.
وقد تمحورت المحادثات بين بوتين ونتنياهو حول موضوعين أساسيين: أولهما تعزيز التنسيق العسكري - الأمني بينهما، لتجنّب حدوث تصادمٍ بين الطائرات الإسرائيلية والطائرات الروسية، خصوصاً في ظل احتفاظ روسيا بمنظومة الصواريخ إس 400 المتطوّرة في سورية. وثانيهما الرؤية الروسية بشأن وقف إطلاق النار في سورية ومساعيها مع الولايات المتحدة، للتوصّل إلى حلٍ سياسيٍ للحرب في سورية. وقد اتفق نتنياهو وبوتين على عقد اجتماعٍ آخر بينهما في يونيو/ حزيران المقبل، بمناسبة مرور 25 عاماً على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
إجماع دولي على الرفض
سارعت دول عديدة، بما فيها الصديقة لإسرائيل، إلى الإعلان عن رفضها تصريحات نتنياهو بشأن الجولان السوري المحتل. وكانت ألمانيا أولى هذه الدول؛ إذ أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية أنّ ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل يتناقض مع القانون الدولي، ومع ميثاق الأمم المتحدة، وأشار إلى أنّ المبدأ الأساسي في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يؤكد أنه لا يحقُّ لأيّ دولةٍ ضم مناطق تابعة لدولة أخرى. كما أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية أنّ الإدارة الأميركية لا تعترف بأنّ الجولان جزءٌ من إسرائيل، وأنّ سياسة الولايات المتحدة الأميركية بشأن الجولان ثابتة، تحت مختلف الإدارات، ديمقراطيةً كانت أم جمهورية، وأنّ مصير الجولان ينبغي أن يُحدَّد بواسطة مفاوضات بين إسرائيل وسورية. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أنّ ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل، واستمرار احتلالها له، يتناقضان مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وقد استنكر كلٌّ من النظام السوري والمعارضة السورية عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها في الجولان السوري المحتل، وأكدا، في تصريحاتٍ عديدةٍ لهما، رفضهما أقوال نتنياهو جملةً وتفصيلًا. وأكّد رياض حجاب، منسق الهيئة العليا للمفاوضات عن المعارضة، رياض حجاب، في مؤتمر صحافي له، أنّ الجولان أرضٌ سورية محتلة، وأنّ هذه الأرض ستعود حتماً إلى سورية. وطالبت وزارة الخارجية السورية الأمم المتحدة ومجلس الأمن التنديد بتصريحات نتنياهو وبتنفيذ قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل. أما جامعة الدول العربية فقد عقدت جلسة خاصة على مستوى المندوبين الدائمين فيها في 21 إبريل/ نيسان الجاري، ودانت عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها في الجولان المحتل، ورفضت، في بيانٍ لها على لسان أمينها العام، أقوال نتنياهو، وأكدت أنّ الجولان السوري المحتل أرضٌ عربية سورية محتلة، ينبغي إعادتها إلى سورية.
خاتمة
على الرغم من محاولات إسرائيل المستمرة استثمار الحرب في سورية، من أجل تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها الحصول على شرعيةٍ دوليةٍ لضمها الجولان السوري المحتل، فإنها فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق ذلك. فلم تعترف أيّ دولةٍ، أو أيّ هيئةٍ دوليةٍ بهذا الضم. من جهة أخرى، لا يجب أن يصرف انشغال سورية والسوريين بأزمتهم الداخلية الدامية انتباههم، أو يقلّل من إصرارهم على استعادة أرضهم المحتلة، كما يجب ألا يكون صراعهم ضد الاستبداد سبباً في ضياع البوصلة؛ فإسرائيل تبقى عدوهم، وهي تفعل ما تستطيع لإطالة أمد أزمتهم وإضعاف وطنهم وتمزيقه، في محاولةٍ للظفر بجزءٍ منه. وفضلاً عن ذلك، يجب ألا يقود العنف غير المسبوق الذي يستخدمه النظام السوري ضد شعبه إلى استصغار الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة السورية والفلسطينية، أو أن يقود ذلك إلى التطبيع مع إسرائيل بذرائع وحجج واهية. قضية الجولان المحتل وطنية سورية، وهي أيضاً قضية عربية. فهضبة الجولان أرضٌ عربية احتُلت في سياق حرب عربية - إسرائيلية عام 1967. وتتحيّن الدولة الصهيونية الفرص، لكي يسلّم العرب والعالم بضم الجولان والقدس للسيادة الإسرائيلية. ويجب أن يتذكّر ذلك كلُّ من يتهاون في مسألة التطبيع مع إسرائيل.