إسبانيا: فشل راخوي بتشكيل الحكومة يحيي سيناريو عودة اليسار

04 سبتمبر 2016
حصل راخوي على 170 صوتاً فقط (بيدرو أرمستري/فرانس برس)
+ الخط -
راوحت الأزمة السياسية في إسبانيا مكانها وصار من الوارد أن تتجه البلاد نحو تنظيم انتخابات تشريعية جديدة هي الثالثة في غضون عام واحد. فقد رفض النواب الإسبان، أول من أمس الجمعة، تماماً مثلما فعلوا الأربعاء الماضي، منح رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي المنتهية ولايته الثقة لتشكيل حكومة جديدة. ولم يحصل راخوي إلا على 170 صوتاً أثناء التصويت على الثقة، أي ستة أصوات أقل من الأغلبية المطلقة البالغة 176 من أصل 350 نائباً، في حين صوت 180 نائباً ضده.

ويمنح هذا التصويت مهلة شهرين فقط لاختراع سيناريو جديد يقود إلى تشكيل حكومة جديدة وإلا فإنه سيتم حل البرلمان آلياً في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وتتعيّن الدعوة لانتخابات جديدة، بحسب مقتضيات الدستور الإسباني، ومن المفترض مبدئياً أن تتزامن مع أعياد الميلاد، أي قبل أيام من نهاية العام الحالي. وشهدت إسبانيا تنظيم انتخابات تشريعية مرتين بسبب عدم توافق الأطراف السياسية على تشكيل حكومة جديدة.

ولم يتمكن لا الحزب الشعبي المحافظ بزعامة راخوي ولا الحزب الاشتراكي بزعامة بيدرو سانشيز من الفوز بالغالبية. ووصل راخوي في التصويت الأخير إلى أعلى سقف يستطيع الحصول عليه، أي دعم 170 نائباً، منهم 137 من حزبه ونواب حزب ثيوديدانوس الليبرالي الوسطي بزعامة ألبيرت ريفرا ونائبة من جزر الكناري.

وكان من المفترض أن يتمكن راخوي دستورياً من تقلّد رئاسة الحكومة شرط امتناع المعارضة الاشتراكية عن التصويت، وهذا ما كان راخوي يتمنى حصوله في الدقائق الأخيرة لكن من دون جدوى. ولا يزال الحزب الاشتراكي، وهو ثاني قوة سياسية في البلاد ولديه 85 مقعداً، يرفض قطعياً استمرار راخوي في الحكم أربعة أعوام أخرى، ويلقي اللوم عليه في فضائح الفساد وسياسة تقشف قاسية عبر الاقتطاعات الكبيرة في الإنفاق العام.

إذاً، تبقى إسبانيا في عنق الزجاجة ومن دون حكومة منذ ديسمبر/ كانون الأول 2015 متخبطة في فراغ حكومي غير مسبوق بسبب سانشيز وحساباته الشخصية التي تتجاوز عدم الرغبة في مد يد العون إلى راخوي. فهو يريد بالأساس الحفاظ على منصبه كزعيم للحزب الاشتراكي خلال المؤتمر المقبل للحزب، خصوصاً أن القاعدة الاشتراكية تكن عداءً كبيراً للحزب الشعبي المحافظ.







كما أن سانشيز يعتبر أن حزبه في موقع المعارضة القوية بعد حلوله ثانياً في الانتخابات. ولضمان مصداقيته كمعارضة وألا يترك حزب بوديموس الراديكالي يسرق منه هذا الدور، عليه أن يمتنع عن دعم راخوي بأي شكل من الأشكال حتى ولو تعلق الأمر فقط بالامتناع عن التصويت. ويرى مراقبون أن سانشيز يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، إذ إنه يتعرض لانتقادات شديدة باعتباره المسؤول عن عدم حل الأزمة السياسية.

غير أن فشل راخوي لمرتين في الحصول على دعم لحكومته سيفتح الباب مجدداً لمحاولة تطبيق سيناريو آخر يقوم به الاشتراكي هذه المرة بدور القاطرة ويفتح الباب أمام احتمال عقد تحالف بين الاشتراكي وبوديموس يقود إلى الحصول على غالبية مريحة تضمن عودة اليسار إلى الحكم. لكن هذا السيناريو لا يملك مفاتيحه سوى بوديموس وزعيمه الشاب بابلو إيغليسياس الذي غيّر، أخيراً، من لهجته العدائية تجاه الاشتراكي وحثّ في مداخلته البرلمانية، الجمعة الماضي، سانشيز على "اتخاذ قرار تاريخي" يتيح لليسار قيادة البلاد.

وسيكون على سانشيز، إن أراد استمالة بوديموس، أن يتفاوض مرة أخرى حول الشروط القاسية التي يطالب بها إيغليسياس وهي ذاتها التي لم تتغيّر منذ فشل المفاوضات بينهما في الربيع الماضي. ويصّر إيغليسياس على أن يتمتع بوديموس بنصف الحقائب الوزارية في حكومة ائتلاف يساري وأن يشغل هو نفسه منصب نائب رئيس الحكومة. ورفض سانشيز هذا الطلب، واعتبر أن "بوديموس لا يريد المشاركة في حكومة ائتلاف، بل يريد في الواقع إقامة حكومتين متوازيتين ومتناقضتين في الحكومة ذاتها".

وبالإضافة إلى هذا الشرط الذي يستطيع الطرفان أن يتفاوضا حوله مجدداً، هناك شرط آخر أكثر تعقيداً ويتعلق بدعم بوديموس للانفصاليين في إقليم كاتالونيا وتأييده لمبدأ تنظيم استفتاء في الإقليم حول الاستقلال قد تذهب نتائجه نحو إقرار انفصال الإقليم عن الدولة المركزية، وهذا ما يعارضه بشدة الحزب الاشتراكي الذي يرى في وحدة إسبانيا خطاً أحمر لا يمكن التساهل معه.

هكذا يبدو الطريق معقداً، وإن لم يكن مستحيلاً، ليتوصل الاشتراكي وبوديموس إلى صيغة تتيح الخروج من الأزمة وتضمن لليسار الحكم لأربع سنوات وتطبيق سياسة اجتماعية واقتصادية تلبي مطالب الناخبين المتعاطفين مع اليسار. يبقى أن الأزمة الإسبانية لن تشهد حراكاً حاسماً في الأسابيع المقبلة، لأن الطبقة السياسية بكل أطيافها ستنتظر نتيجة الانتخابات الإقليمية التي ستجرى بشكل متزامن في إقليمَي الباسك وغاليسيا في 25 سبتمبر/ أيلول الحالي. وستتجه الأنظار بقوة إلى نتائجها لمعرفة الانتماءات السياسية للنواب الذين سينجحون فيها، لأن موازين القوى في البرلمان دقيقة وهشة ويمكن لستة أصوات فقط أن تقلب الكفة لصالح أحد الحزبين الشعبي أو الاشتراكي.