إزاحة السعودية للحريري... ما هي فرص الحرب المحتملة وتداعياتها؟

11 نوفمبر 2017
صور للحريري رُفعت في بيروت (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
أسبوع مرّ على إعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، السبت الماضي، استقالته من العاصمة السعودية الرياض، ولا تزال التساؤلات تطرح حول أبعادها، لا سيما مع عدم عودته إلى بيروت، وترقب انعكاسها على الأرض، وسط شد الحبال السعودي - الإيراني.

وبينما جاءت الاستقالة ضمن سلسلة أحداث طبعت التراشق بين المملكة وإيران، الأسبوع الماضي، خصوصاً مع إطلاق الحوثيين في اليمن (أنصار الله) صاروخاً باليستياً على الرياض، يتخوّف مراقبون من أن تكون إزاحة الحريري مقدّمة لحرب إقليمية، مستعرضين في الوقت نفسه فرص هذه الحرب المحتملة وتداعياتها.

وترصد التحليلات سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي قام الأسبوع بحملة اعتقالات بحق أمراء سعوديين ووزراء سابقين ورجال أعمال، محاولة قراءة أي ترابط بين هذه الأحداث كافة، وبقاء الحريري "محتجزاً" في الرياض، مع مراقبة المشهد الميداني المحيط بلبنان.

وبينما اتهم الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصرالله، صراحة، السعودية بدفع إسرائيل لشنّ حرب على لبنان، تدور تساؤلات حول فرص اندلاع مثل حرب كهذه، ومدى الرغبة الإسرائيلية في الذهاب بعيداً وراء خيار مهذا.

ووسط انسداد أفق المواجهة السعودية الإيرانية في المنطقة، قال دبلوماسي أوروبي لوكالة "رويترز"، "يبدو أنّ السعوديين قرّروا أنّ أفضل طريقة لمواجهة إيران البدء من لبنان".

ويعتقد خبراء، وفق ما تورد "بيزنس إنسايدر"، اليوم السبت، أنّه من خلال إجبار الحريري على الاستقالة يمكن للسعودية أن تصنّف لبنان على أنّه "بؤرة إيرانية" يسيطر عليها "حزب الله".

وحول ذلك، تستشهد المجلة الأميركية بما كتبه حسين إبيش، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، بمقال مؤخراً، عن التنافس السعودي الإيراني في لبنان.

وقال إبيش إنّ "إزالة الحريري، هي في الواقع، نوع من الفخ لحزب الله، وتحديه لتبيان مدى سلطته وهيمنته في لبنان، وتحميله المسؤولية الكاملة عن الدولة اللبنانية، والتي من وجهة نظر سعودية يسيطر عليها الحزب بشكل فعال على أي حال".

وأضاف إبيش أنّ "الخطوة التالية هي أن يعاني حزب الله ولبنان نفسه من عواقب، مع وصفهما تماماً، بما يُعتبر على نطاق واسع، منظمة إرهابية دولية".

ويبدو أنّ المفتاح لأي مواجهة سعودية إيرانية في المنطقة، هي إسرائيل، فبينما لا قدرة للمملكة على رسم السياسة العسكرية لإسرائيل، تظهر إشارات على سعيها لتهيئة المشهد لمثل نوع من هذا الصراع.

وما يعزّز هذا الاعتقاد هي رغبة إسرائيل، والتي قادت سابقاً حرباً على لبنان في يوليو/ تموز 2006، في الحد من قوة "حزب الله" ودوره في سورية، أو على الأقل توجيه رسالة من خلفه إلى إيران.

وفي هذا الإطار، كتب روبرت مالي، نائب رئيس السياسة في "مجموعة الأزمات"، في مقال بصحيفة "ذي أتلانتيك"، قائلاً "منذ أشهر عدة، وإسرائيل تدق جرس الإنذار حول بصمة حزب الله وإيران المتزايدة في سورية، وعلى الأخص حول قدرة الحركة اللبنانية (قد تحصل عليها قريباً) على إنتاج صواريخ موجهة بدقة محلياً، في تطور يراه مسؤولون إسرائيليون على أنّه نقطة تحول محتملة، يجب إجهاضها".

وفي السياق، قال دان شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل والزميل في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إنّه "بإزاحة الحريري يمكن للمملكة العربية السعودية أن تُثير ردّاً إسرائيلياً وتوجه لكمة دامية لحزب الله".

ولاحقاً أوضح شابيرو، في تغريدة على "تويتر"، أنّ إسرائيل قد تستجيب، إذا أطلق فراغ السلطة الذي خلّفته استقالة الحريري، شرارة تحرّك من قبل "حزب الله".


وبدوره توقّف المحلل والكاتب الأميركي توماس فريدمان، في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عند الأحداث الأخيرة بالسعودية، محذّراً من أن يتم دفع بن سلمان، من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلى حرب في الخارج والداخل.

ولفت فريدمان، بمقال في "نيويورك تايمز"، الثلاثاء الماضي، إلى أنّ "بن سلمان، ولمواجهة إيران، دفع رئيس الوزراء اللبناني السني سعد الحريري للاستقالة، يوم السبت، خلال زيارته الرياض، متهماً إيران وحلفاءها الشيعة بجعل لبنان غير قابل للحكم، فضلاً عن تلقّي بلاده هجوماً صاروخياً من اليمن".

وذكّر فريدمان بأنّ "لبنان، والذي أقام توازناً مستقراً نسبياً بين السنة والمسيحيين والشيعة، بات مهزوزاً. كذلك قاد بن سلمان جهود الخليج لعزل قطر، بزعم أنّها مقرّبة جداً من إيران، ولسحق نفوذ إيران في اليمن، وبالتالي سحق اليمن أثناء هذه العملية".

وقال في هذا الإطار "إنّ كل ذلك من قبل سلمان يُعد إفراطاً، ويبدو أنّه لا يوجد هناك أحد حوله يقول له هذا".

وأعرب فريدمان عن قلقه من أنّ "أولئك الذين يحثّون بن سلمان على أن يكون أكثر عدوانية في مواجهة إيران (التي يحتاج نفوذها الإقليمي الخبيث إلى موازنة)، مثل الولايات المتحدة، ترامب، جاريد كوشنر وبنيامين نتنياهو، سيدفعونه إلى حرب في الخارج وفي الداخل في الوقت ذاته، ويمكن حينها أن نرى السعودية والمنطقة كلها تدور خارج نطاق السيطرة في الوقت ذاته"، خاتماً بالتحذير "كما قلت... أنا قلق".


هل الأطراف التي قد تتحارب تريد الحرب فعلاً؟

ومع أنّ التحليلات لا تستبعد إمكانية اندلاع حرب بين إسرائيل، مدفوعة بالسعودية والولايات المتحدة، و"حزب الله" في لبنان مدعوماً بإيران، تتوقّف عند رغبة هذين الطرفين الخفية، وقدرتهما على فتح مثل جبهة كهذه حالياً.

وحول ذلك، تنقل صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن عوفر زالزبرغ، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية في القدس، قوله، اليوم السبت، "هناك الآن في المنطقة أولئك الذين يريدون أن تذهب إسرائيل إلى الحرب مع حزب الله، وخوض حرب سعودية حتى آخر جندي"، مضيفاً "لا توجد مصلحة في ذلك هنا".

وعلى الرغم من أنّ المساعي السعودية لمواجهة النفوذ الإيراني في لبنان، تلقى ترحيباً من قبل نتنياهو، يرى بعضهم في إسرائيل أنّ التصرّفات الجامحة لولي العهد السعودي، قد تجرّ إلى حرب لا تريد خوصها.

وحول ذلك، قال دان شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، نفسه، إنّ "إسرائيل والسعودية تسعيان لتحقيق أهداف مماثلة، بسرعات ومستويات من الكفاءة مختلفة تماماً".

وتابع، في مقابلة، "لست متأكداً من أنّهما متحالفان بشكل تكتيكي"، مضيفاً أنّ "الأمير محمد يبدو مستعجلاً فعلاً لإشعال المواجهة".

وتوقف محللون عند وجود أي مؤشرات على استعدادات للحرب في إسرائيل، والتي لا تحشد قواتها على الجبهة الشمالية أو تستدعي الاحتياط، كما لم يعط نتنياهو أي إشارة على أنّه يرى أنّ هناك صراعاً وشيكاً.

وعلاوة على ذلك، يتوقع مخططو الحرب الإسرائيليون، بحسب "نيويورك تايمز"، أنّ الحرب المقبلة لإسرائيل مع "حزب الله" قد تكون كارثية، خاصة إذا استمرت أكثر من بضعة أيام، مشيرة إلى أنّه لدى "حزب الله" الآن أكثر من 120 ألف قذيفة وصاروخ، وفق تقديرات إسرائيلية، ما يكفي لتجاوز مضاداتها الصاروخية.

صورة لنصرالله ببلدة عدشيت جنوبي لبنان (محمد زيات/ فرانس برس) 






من جهته، لا يبدو "حزب الله" مرتاحاً بالضرورة لخوض معركة مع إسرائيل، لا سيما مع أخذ خسائره في سورية بعين الاعتبار.

وفي هذا الإطار، تنقل "نيويورك تايمز"، عن جيورا إيلاند، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، قوله إنّ "حزب الله لا يزال يحارب في سورية، حيث يدعم حكومة الرئيس بشار الأسد، ويُستنزف بالتكاليف الطبية لمقاتليه الجرحى، وتعويضات لأسر قتلاه".

وتابع إيلاند أنّ "حزب الله كمنظمة يعاني أزمة اقتصادية عميقة جداً حالياً"، مضيفاً "لكن في الوقت نفسه، كلما كان الحزب أضعف، يصبح أكثر اعتماداً على المساعدات الإيرانية، ما يتعيّن عليه الامتثال بالتالي لتعليمات إيران".

وفي الداخل الإسرائيلي، يرى بعضهم أنّ التوجّه هو للعمل على تأجيل اندلاع أي صراع، من دون استبعاد وقوعه في الوقت عينه.

ونقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، عن عوفر شيلح عضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي قوله، "قد نضطر إلى مواجهة حزب الله عاجلاً أم آجلاً"، مضيفاً "لكن الجميع يريد تأجيل هذه المواجهة".

وتوازياً قال آموس هاريل، المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، "إنّ الوضع خطير الآن. لا يستغرق الأمر سوى استفزاز واحد، ورد فعل آخر، ويمكن أن تذهب الأمور فجأة خارج السيطرة تماماً. وإذا ما أضيف السعوديون الذين يريدون كما يبدو مهاجمة إيران، ويبحثون عن تنفيذ ذلك، يصبح الأمر أكثر تعقيداً".

(إعداد ــ هناء نخال)

المساهمون