12 نوفمبر 2024
إرهاب مشبوه في تونس
بعمليته، الليلة قبل الماضية، في قلب العاصمة تونس، وباستهدافه حافلة تقلّ قوات من الحرس الرئاسي، يكون الإرهاب في تونس قد لامس جانباً حساساً ومؤثراً على المشهد العام في البلاد، ولينتقل بصورة حادّة من عمليات الهامش، ليكون في صدارة الأحداث. وعلى الرغم من أن هذه العملية ليست الأولى، فقد سبقتها عملية متحف باردو والهجوم على الفندق السياحي في سوسة، فقد ظل الميسم العام للفعل الإرهابي في تونس مرتبطاً بصورة تلك المجموعات المتنقلة في الجبال والغابات، تستهدف الرعاة وبعض السكان القاطنين في القرى النائية، غير أن رمزية الحدث الإرهابي الجديد جاءت جامعةً جملة من العلامات، تتعلق بالمكان، ونعني به شارع محمد الخامس (شريان مركزي في وسط العاصمة)، واستهداف حافلة للأمن الرئاسي، وهو من وحدات النخبة.
ومن دون تحميل الحدث أكثر مما يحتمل، يمكن التأكيد أن الإرهاب الذي تعرفه تونس، وفي صوره المختلفة، بداية من أحداث مدينة سليمان سنة 2005، ومرورا بالعمليات المختلفة من اغتيال شخصيات سياسية وإعدام بعض الأمنيين والمواطنين، تندرج ضمن التمشي العام لجماعات الإرهاب والعنف التي تسعى الى نشر الفوضى وبث الرعب في النفوس. فالإرهاب لا يحمل، في ذاته، أي بديل سياسي، أو إيديولوجي فعلي، يمكن أن يشكل منهجاً خلاصياً مجتمعياً، بقدر ما يشكل محاولة لمنح الفرصة لبعض اليائسين، أو المعادين للمجتمع، لتحقيق ذواتهم من خلال الانتقام من البيئة التي ينتمون إليها. ومن هنا، لا يقاس الإرهاب بنتائج سياسية محددة، وإنما هو يقترب من العبثية، في أحيان كثيرة، حتى وإن بدت عبثية، ذات غلالة دينية، وموشاة بفتاوى فقهية، وتعبيرات شرعية. لقد فشل الإرهاب في تونس أن يكتسب حاضنة شعبية واسعة، تمده بشروط الانتصار، ولكنه استطاع فعلياً أن يستفيد من كثير من المعالجات الخاطئة التي منحته فرصة الحياة والاستمرارية، وبصورة أكثر يأساً ووحشيةً، فالإرهاب يخترق السياسة، ويكتسب فعاليته من زج المشهد السياسي في عدم الاستقرار ودفع البلاد نحو الفوضى، وهو في فعله هذا يتقاطع مع جهاتٍ كثيرةٍ مشبوهةٍ، لا تخفي رغبتها في إفشال المسار الديمقراطي التونسي، وتدمير حلم الحرية الذي يعيش عليه غالبية الشعب التونسي. يتقاطع الإرهابي بصورته الدينية المغالية مع الإرهابي صاحب الأجندة السياسية المرتبطة بالثورة المضادة، فكلاهما يدفع الشعب إلى اليأس، ويسعى إلى جعله يفقد الثقة في التحول الديمقراطي، ويكتفي بالصراخ، طلباً للأمن، بعيدا عن كل أشكال الحريات التي تم إقرارها بعد الثورة.
ويمكننا أن نقر بالتفوق الجزئي الذي يتمتع به الإرهاب في مواجهة الدولة والمجتمع، من خلال
لجوئه إلى المخاتلة والمباغتة، لضرب مفاصل الدولة، في الوقت الذي لا تتمكن فيه أبداً من القيام بمثل ذلك. فمن المستحيل أن نباغت، أو نمنع سلاح الإرهابي المتجسم في موته الشخصي، ورغبته في الانتحار، وقتل كل المحيط الذي تصل إليه شظاياه. فالإرهاب، بصورته الانتحارية، لا يمكن منعه تماماً، لأن القوى الأمنية لا يمكنها، مهما فعلت، أن تسيطر على موت الآخر، لأن هذا الإرهابي سبق وأن اختار الموت، وصمم عليه، وأصبح غاية لوجوده، من دون أن يحسب حساباً لعواقب فعله.
ومن هنا، تأتي أهمية بحث طرق التعامل مع ملف الإرهاب، في تعرجاته وتعقيداته المختلفة وتقاطعاته الكثيرة. فهذا الورم الاجتماعي السياسي يتواصل مع دهاليز التهريب، ويتداخل مع لوبيات السياسة والفساد الاقتصادي والتفاوت الاجتماعي والتهميش التنموي. وعلى الرغم من أهمية الإجراءات الأمنية التي تم الإعلان عنها (إقرار حالة الطوارئ وفرض حظر التجول مدة محددة)، فإن الوقائع تقول إنه من المستحيل التوقي بصورة تامة من الإرهاب وتوابعه المدمرة، حيث تحول إلى جزء من البنية المجتمعية، حتى وإن كان حضوره ضيقاً في صفوف الشعب، غير أنه يبقى صاحب حضور خفي، ويطل برأسه عندما تسنح له الفرصة. فالإرهاب في تونس، وفي الدول العربية، هو نتيجة سنوات من السياسات الفاشلة التي انتهجتها الأنظمة السياسية ما بعد الاستقلال، وليس صحيحاً أنها نتاج للثورات، على الرغم من أن هذه الأخيرة منحت الفرصة لقوى كثيرة، لكي تخرج من تحت العباءة السوداء للأجهزة الأمنية والمخابراتية العربية التي ساهمت في تخليقها، إما ببنائها تنظيمياً، أو من خلال دفع بعض الشباب إلى العنف والإرهاب عبر ممارساتها اللاإنسانية، وتجاوزاتها وانتهاكاتها كل الحقوق والحريات.
هذا الإرهاب المشبوه الذي يحاول ضرب بنى المجتمع، ودفع الوضع السياسي نحو الفوضى، وصولاً إلى ما تسميها أدبياتهم "حالة التوحش"، وهو ما يمهد الطريق إلى إقامة كياناتهم وإماراتهم العنيفة، لا ينبغي أن يدفع الشعب في تونس، وفي كل المنطقة العربية، إلى اليأس من المستقبل، والحنين إلى زمن الاستبداد، فليس خيار الشعوب أن تجد نفسها بين وحشية الاستبداد ورعب الإرهاب، وإنما هي تندفع نحو المستقبل، على أمل بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.
ومن دون تحميل الحدث أكثر مما يحتمل، يمكن التأكيد أن الإرهاب الذي تعرفه تونس، وفي صوره المختلفة، بداية من أحداث مدينة سليمان سنة 2005، ومرورا بالعمليات المختلفة من اغتيال شخصيات سياسية وإعدام بعض الأمنيين والمواطنين، تندرج ضمن التمشي العام لجماعات الإرهاب والعنف التي تسعى الى نشر الفوضى وبث الرعب في النفوس. فالإرهاب لا يحمل، في ذاته، أي بديل سياسي، أو إيديولوجي فعلي، يمكن أن يشكل منهجاً خلاصياً مجتمعياً، بقدر ما يشكل محاولة لمنح الفرصة لبعض اليائسين، أو المعادين للمجتمع، لتحقيق ذواتهم من خلال الانتقام من البيئة التي ينتمون إليها. ومن هنا، لا يقاس الإرهاب بنتائج سياسية محددة، وإنما هو يقترب من العبثية، في أحيان كثيرة، حتى وإن بدت عبثية، ذات غلالة دينية، وموشاة بفتاوى فقهية، وتعبيرات شرعية. لقد فشل الإرهاب في تونس أن يكتسب حاضنة شعبية واسعة، تمده بشروط الانتصار، ولكنه استطاع فعلياً أن يستفيد من كثير من المعالجات الخاطئة التي منحته فرصة الحياة والاستمرارية، وبصورة أكثر يأساً ووحشيةً، فالإرهاب يخترق السياسة، ويكتسب فعاليته من زج المشهد السياسي في عدم الاستقرار ودفع البلاد نحو الفوضى، وهو في فعله هذا يتقاطع مع جهاتٍ كثيرةٍ مشبوهةٍ، لا تخفي رغبتها في إفشال المسار الديمقراطي التونسي، وتدمير حلم الحرية الذي يعيش عليه غالبية الشعب التونسي. يتقاطع الإرهابي بصورته الدينية المغالية مع الإرهابي صاحب الأجندة السياسية المرتبطة بالثورة المضادة، فكلاهما يدفع الشعب إلى اليأس، ويسعى إلى جعله يفقد الثقة في التحول الديمقراطي، ويكتفي بالصراخ، طلباً للأمن، بعيدا عن كل أشكال الحريات التي تم إقرارها بعد الثورة.
ويمكننا أن نقر بالتفوق الجزئي الذي يتمتع به الإرهاب في مواجهة الدولة والمجتمع، من خلال
ومن هنا، تأتي أهمية بحث طرق التعامل مع ملف الإرهاب، في تعرجاته وتعقيداته المختلفة وتقاطعاته الكثيرة. فهذا الورم الاجتماعي السياسي يتواصل مع دهاليز التهريب، ويتداخل مع لوبيات السياسة والفساد الاقتصادي والتفاوت الاجتماعي والتهميش التنموي. وعلى الرغم من أهمية الإجراءات الأمنية التي تم الإعلان عنها (إقرار حالة الطوارئ وفرض حظر التجول مدة محددة)، فإن الوقائع تقول إنه من المستحيل التوقي بصورة تامة من الإرهاب وتوابعه المدمرة، حيث تحول إلى جزء من البنية المجتمعية، حتى وإن كان حضوره ضيقاً في صفوف الشعب، غير أنه يبقى صاحب حضور خفي، ويطل برأسه عندما تسنح له الفرصة. فالإرهاب في تونس، وفي الدول العربية، هو نتيجة سنوات من السياسات الفاشلة التي انتهجتها الأنظمة السياسية ما بعد الاستقلال، وليس صحيحاً أنها نتاج للثورات، على الرغم من أن هذه الأخيرة منحت الفرصة لقوى كثيرة، لكي تخرج من تحت العباءة السوداء للأجهزة الأمنية والمخابراتية العربية التي ساهمت في تخليقها، إما ببنائها تنظيمياً، أو من خلال دفع بعض الشباب إلى العنف والإرهاب عبر ممارساتها اللاإنسانية، وتجاوزاتها وانتهاكاتها كل الحقوق والحريات.
هذا الإرهاب المشبوه الذي يحاول ضرب بنى المجتمع، ودفع الوضع السياسي نحو الفوضى، وصولاً إلى ما تسميها أدبياتهم "حالة التوحش"، وهو ما يمهد الطريق إلى إقامة كياناتهم وإماراتهم العنيفة، لا ينبغي أن يدفع الشعب في تونس، وفي كل المنطقة العربية، إلى اليأس من المستقبل، والحنين إلى زمن الاستبداد، فليس خيار الشعوب أن تجد نفسها بين وحشية الاستبداد ورعب الإرهاب، وإنما هي تندفع نحو المستقبل، على أمل بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.