إديت بياف: مئوية ساطعة

23 ابريل 2015
الفنانة الفرنسية في نيويورك عام 1950
+ الخط -

ما هو القاسم المشترك بين إيف مونتان وأماندين بورجوا؟ بين لويس أرمسترونغ وسيرج غينسبور؟ بين مارلين ديتريش وجان كوكتو؟ بين جان لوي بارو وتينو روسّي؟ بين فرنسواز جيرو ورولان بارت؟ المغنية الفرنسية إديت بياف (1915 ــ 1963).

الأربعة الأُوَل أنشدوا بعضاً من أغانيها؛ ديتريش وكوكتو كانا صديقين لها؛ بارو صوّر معها فيلم "مونمارتر سور سين"، وروسّي شاركها بطولة فيلم "باريس تغنّي دائماً"؛ جيرو كانت من بين أول من كتب عنها، وبارت قدّم أول محاضرة حولها. أما نحن فنعرف معظم أغانيها ويمكننا بلا مشقّة إنشاد "حين يأخذني بين ذراعيه".

إلى إعادة اكتشاف جميع هذه المحطات من مسيرة الفنانة، يدعونا معرض "بياف" الذي تنظّمه حالياً "المكتبة الوطنية" في باريس، بمناسبة حلول مئوية ولادتها، عبر إمساكه بخيط القدر الاستثنائي لتلك الفنانة التي بدأت تغني في الشوارع، في طفولتها، قبل أن تصبح نجمة عالمية، وعبر تسليطه الضوء بالتتابع على "بياف المرأة البسيطة"، "بياف الصوت"، "بياف العاشقة"، "بياف الأسطورة".

ولأن "المكتبة الوطنية" تبقى مرجعاً للثقافة الشعبية أيضاً، تبدو قادرة على منحنا بسهولة مادة هذه "السردية"، من خلال الأسطوانات والصور الفوتوغرافية والملصقات والمدوّنات الموسيقية والمخطوطات التي بحوزتها، وأيضاً بفضل أرشيف بياف وأغراضها المؤتمنة عليها.

فعلى صورة الثوب الأسود الصغير الذي يحتل موقعاً مركزياً داخل سينوغرافيا المعرض، معظم القطع التي تعرضها المكتبة هي أشياء بسيطة لكن مشحونة بقيمة عاطفية كبيرة، مثل صورة بياف الأولى التي التُقطت لها في سن العاشرة ــ وكانت قد أصبحت ظاهرة صوتية ــ أو رسائل المعجبين بها، أو الدفاتر التي كانت تدوّن فيها ملاحظات شخصية حول طريقة تقديم أغانيها في حفلاتها، أو التسجيلات السبعة المجهولة التي اكتُشفت عام 2003.

وتوقّع هذا السفر في حياة بياف مقتطفات من أفلام وبرامج إذاعية وتلفزيونية خُصّصت لها، منذ الفيلم الترويجي الأول عام 1935 الذي يكشف عن مغنية بكل نضارتها تتمتع بموهبة إنشادية فريدة، وحتى فيلم "الطفلة" الذي ستؤدّي ماريون كوتييار دور بياف فيه.

يتوقف المعرض أيضاً عند اللقاءات التي ستلعب دوراً في مسيرة الفنانة، كلقائها في طفولتها بلويس لوبليه الذي ستسمّيه "بابا لوبليه"، ثم بريمون أسّو الذي سيُبعدها عن رفاقها في حيّ "بيغال" ويدرّبها على الغناء ويكتب لها مجموعة من الأغاني حول المغامرين وبنات الهوى والشبّان الأشرار.

كما يتوقف خصوصاً عند معجزة صوتها الذي يتميّز برجّة تحمل الشغف والعذاب وكل ما نختبره حين نعيش في الشارع ونعرف سوء المعاملة. صوتٌ طبعته إذاً هذه التجارب التي عاشتها بياف ليس فقط في مراهقتها، بل أيضاً في طفولتها، حين كان والدها يتنقل بها من ساحة إلى أخرى ويطلب منها أن تغني كي يجني قليلاً من المال.

ولا يهمل منظّمو المعرض المبالغات والأكاذيب التي تدخل في أسطورة بياف، ولم تنكرها الفنانة، مثل قصة ولادتها في الشارع، غير الصحيحة، أو تصريحها مرةً: "كنتُ ضريرة بين الرابعة والثامنة من عمري"، في حين أنها عانت فقط من مشكلة في عينيها أجبرتها على تضميدهما لفترة؛ أو قصّة تألّمها من موت "حبيب عمرها"، الملاكم مرسيل سيردان، التي ستساهم في أسطورتها، علماً أن عدداً من رسائلها تكشف أن علاقتها بسيردان كانت بحكم المنتهية حين توفي.

ولأن كل شيء يبدأ وينتهي بأغنية، يحظى كل زائر للمعرض بتجهيز سمعي فردي يلعب دور الدليل ويسمح للزائر بالإصغاء، على طول زيارته، إلى صوت بياف، وأيضاً إلى نخبة من أغانيها بأصوات مغنّين كبار أعادوا تسجيل هذه الأعمال ضمن أنواع موسيقية مختلفة، كالجاز والروك والديسكو والراي والراب.
المساهمون