إدلب: مؤشرات لتفاهمات تركية روسية جديدة لمصلحة النظام

26 ديسمبر 2019
معرة النعمان شبه فارغة من السكان(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
اضطر عناصر المعارضة السورية المسلحة إلى الانسحاب من مناطق قرب معرة النعمان كانوا قد طردوا قوات النظام منها، وذلك خوفاً من تعرضهم للحصار، فيما اتهم "الجيش الوطني" السوري، المدعوم من تركيا، "هيئة تحرير الشام" (جبة النصرة سابقاً)، بعرقلة وصول تعزيزاته إلى جبهات القتال، وسط ترقب لموعد وقف إطلاق النار الذي أعلنت تركيا، أول من أمس الثلاثاء، أنها حصلت على وعد روسي بتطبيقه خلال ساعات، وهو ما سيؤدي، كما حصل سابقاً، إلى تثبيت قوات النظام سيطرتها على المناطق التي تقضمها.

وقالت مصادر ميدانية إن فصائل المعارضة أخلت بعض المناطق، التي كانت قد استعادت السيطرة عليها، خشية تعرضها للحصار من جانب قوات النظام، التي سيطرت على قريتي بابولين وصهيان وجسر بلدة حيش، جنوب مدينة معرة النعمان. وأوضحت أن الفصائل انسحبت أيضاً من قريتي العامرية وموقة، إلا أن قوات النظام لم تدخلها حتى الآن. كما اضطرت للانسحاب من قرية فروان، شرق معرة النعمان، بعد استردادها من قوات النظام، فيما باءت محاولاتها للتقدم إلى بلدة جرجناز الاستراتيجية بالفشل، بسبب القصف الكثيف من قبل قوات النظام ومليشيات تابعة لروسيا وإيران، بإسناد من سلاح الجو الروسي الذي يتبع سياسة الأرض المحروقة، لفتح الطريق أمام تقدم قوات النظام.

وقال مصدر عسكري من المعارضة السورية، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الحملة الأخيرة لقوات النظام، بدعم روسي، جنوب إدلب، تأتي ضمن تطبيق اتفاق سوتشي بين رئيسي تركيا رجب طيب أردوغان وروسيا فلاديمير بوتين، الموقع في سبتمبر/ أيلول 2018، والقاضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح حول إدلب، مشيراً إلى أن "الروس، ومعهم النظام، يفسرون هامش المنطقة المنزوعة السلاح على طريقتهم، ويحاولون تطبيق الاتفاق بالقوة، في حين أنهم لم يلتزموا بباقي بنود الاتفاق من إيقاف القصف على قرى وبلدات بالريفين الجنوبي والشرقي لإدلب". وأشار إلى أن "الروس والنظام، إذا كانوا يريدون فعلاً تطبيق الاتفاق، فإنهم سيتوقفون قبل معرة النعمان، لا سيما قبل بلدات حيش وكفرسجنة والركايا من جهة الجنوب، وعند تلمنس والغدفة ومعصران شرقها، ولن يكون هناك دخول إلى مدينة معرة النعمان، إذا ضغط الأتراك على الروس".

إلا أن النظام يواصل، عبر وسائل إعلامه، الترويج لأهمية سيطرته على معرة النعمان، كبرى مدن إدلب من جهة الجنوب، ووصول قواته إلى الأوتوستراد الدولي الذي يمر فيها، والمشار إليه بطريق "إم 5". وذكرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، أمس الأربعاء، أنه واستكمالاً "لتحقيق الأهداف التي وضعها نصب عينيه منذ بدء المعركة على الإرهاب، واصل الجيش السوري سلسلة تقدمه في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وبسط سيطرته على مزيد من القرى والبلدات، وباتت كيلومترات قليلة تفصله عن مدينة معرة النعمان الاستراتيجية على الطريق الدولي حلب – دمشق". ونقلت الصحيفة عن عضو "لجنة المصالحة الوطنية" عمر رحمون قوله إن "الفصائل الإرهابية الموجودة في معرة النعمان، رفضت حتى الآن الانخراط بأي مصالحة، رغم الرغبة العارمة من قبل الأهالي والمدنيين بإجرائها". واعتبر رحمون أنه "بعدما أصبحت المصالحة شبه مستحيلة، فإن المعارك مستمرة حتى استعادة معرة النعمان"، متهماً تركيا "بالدفع لاستمرار القتال بهدف تهجير السكان، ونقلهم لاحقاً إلى مناطق أخرى، واستثمارهم في مشروع التغيير الديمغرافي الذي تسعى إليه"، على حد مصطلحاته.


ونفت مصادر في معرة النعمان وريفها وفي الفصائل المقاتلة، لـ"العربي الجديد"، مصداقية طرح رحمون فكرة المصالحة خلال الأيام الماضية. وأشارت المصادر إلى أن "معرة النعمان باتت شبه فارغة من السكان بعد الحملة الجوية والصاروخية العنيفة التي شنها الروس والنظام عليها خلال الأسابيع الأخيرة"، موضحة أنه "لا يوجد أحد في المدينة للتفاوض معه إلا العسكريين". وقالت "هذا الأمر محض افتراء، وهو غير مقبول، لا من المدنيين ولا العسكريين".

وجاءت التطورات الميدانية في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة إرسال مقاتلين من "الجيش الوطني"، المدعوم من تركيا، إلى جبهات القتال في إدلب. وقال وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة اللواء سليم إدريس، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إنهم "أعدوا الخطط للمشاركة في التصدي للحملة الغاشمة على إدلب"، موضحاً أن "قوات من الجيش الوطني بدأت بالفعل التحرك نحو جبهات القتال في ريف إدلب الجنوبي الشرقي". وأشار إلى أن "ألف مقاتل من الجيش الوطني، هم طليعة مؤازرة القوات المدافعة في منطقة إدلب ضد الهجمة الشرسة لنظام (بشار) الأسد بتغطية جوية روسية غير مسبوقة". وقال إدريس إنه "تم تشكيل خلية أزمة لهذا الأمر، وهي في حال انعقاد دائم". وأضاف أن "موضوع إرسال التعزيزات الإضافية في حال الحاجة إليها سيُعرض على خلية الأزمة لاتخاذ القرارات المناسبة، والتي لن تكون إلا لصالح دعم صمود الجبهات".

وبحسب المعلومات الميدانية في جبهات القتال في إدلب، فإن أياً من تعزيزات "الجيش الوطني" لم يصل إلى المنطقة. وقالت مصادر في "الجيش الوطني" إن "أكثر من ألف مقاتل يحتشدون عند معبر الغزاوية بريف عفرين، الفاصل بين ريفي حلب وإدلب، ينتظرون الدخول إلى جبهات القتال في إدلب، إلا أن عناصر هيئة تحرير الشام يمنعونهم من ذلك". وقال نائب وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة العميد عدنان الأحمد إن "فيالق الجيش الوطني الثلاثة جاهزة بسلاحها الثقيل والمتوسط لدخول المعركة، لكن تحرير الشام تمنع عبور القوات". وأضاف الأحمد، أثناء تظاهرة أمام مبنى الحكومة المؤقتة في بلدة الراعي بريف حلب، الثلاثاء الماضي، أن "الجيش الوطني يفاوض تحرير الشام منذ ثلاثة أيام، لكنهم لم يسمحوا إلا لعناصر فصائل جيش الشرقية وأحرار الشرقية والجبهة الشامية بالدخول إلى إدلب".

في مقابل ذلك، نفى المتحدث باسم الجناح العسكري في "هيئة تحرير الشام" أبو خالد الشامي اتهامات "الجيش الوطني"، وقال إن "تحرير الشام لم تمنع أحداً من الدخول إلى إدلب، إلا أن الهيئة اشترطت أن تكون وجهة القوات أرض المعركة". وأضاف الشامي، بحسب ما نقلت عنه وكالة "إباء" المقربة من "الهيئة"، أن "جبهات قوات النظام تمتد على محاور الجيش الوطني في ريف حلب، فلماذا المزايدات الفارغة؟ فليقوموا بفتح جبهات تعد أقرب لهم باتجاه إدلب من جهة الباب وغيرها".

وكانت أنقرة قد أعلنت، أول من أمس، تلقيها وعداً من موسكو بتطبيق وقف إطلاق نار على جبهات إدلب خلال 24 ساعة. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن: "ينبغي وقف الهجمات على إدلب بأسرع وقت، وننتظر حدوث ذلك عبر اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، وهذا هو تطلعنا الأساسي من الجانب الروسي". وأكد أن "أنقرة تحث الأطراف المعنية على اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية المدنيين في إدلب وتفعيل المسار السياسي". وأشار إلى أن "تركيا بعثت برسالة واضحة إلى الجانب الروسي بشأن الانتهاكات الحاصلة في إدلب"، وأن "الرئيس التركي دعا نظيره الروسي، في محادثة هاتفية، للدفع باتجاه وقف لإطلاق النار، لكن لسوء الحظ لم يتم اتخاذ أي خطوة ملموسة في هذا الاتجاه حتى الآن". وأوضح أن "تركيا تتابع عن كثب عملية وقف الهجمات، ونتوقع أن تتوقف في أقرب وقت ممكن، وسيتم تنفيذها بوقف جديد لإطلاق النار وجدول زمني محدد".

ويقرأ محللون سماح تركيا لـ"الجيش الوطني" بإرسال تعزيزات إلى جبهات القتال في إدلب، إن تم، بمحاولتها نشر مقاتلين تابعين لها عند خطوط التماس عند توقف هجمات النظام. إلا أن المدنيين في إدلب وحولها يخشون استئناف النظام لهجماته، في حال توقفها، بعد أن تكون قواته أخذت قسطاً من الراحة، بحسب سياساته العسكرية المتبعة في المعارك السابقة، ومن ثم إعادة التقدم لقضم ما تبقى من مناطقهم في منطقة "خفض التصعيد".

وعن موقف تركيا حيال ما يحدث جنوب إدلب، لا سيما أنها تعد ضمن الأطراف الضامنة لـ"منطقة خفض التصعيد" التي تضم كامل إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالي، وحلب الغربي، واللاذقية الشرقي، أشار المحلل السياسي التركي هشام غوناي إلى أن "الأتراك لم يؤدوا واجبهم كدولة ضامنة بإيقاف الهجوم على المدنيين في إدلب، وهذا الشيء كان متوقعاً، لأننا شهدنا السيناريو ذاته في مناطق أخرى، رغم أنها كانت محددة كمناطق خفض التصعيد، مثل الغوطة وغيرها، والتي من المفترض أن تكون مناطق آمنة للمعارضة، لكنها تعرضت لهجمات من النظام وروسيا للسيطرة عليها. وهذا المشهد يتكرر في إدلب".

وأعرب غوناي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "حسابات تركيا تغيرت، إذ إنها الآن بدأت تولي أهمية لسيطرتها على منطقة شرق الفرات على حساب الوضع في إدلب. وتصريحات المسؤولين الأتراك حول إدلب تأتي فقط لإرضاء المعارضة التي كانت تعول على دور تركي إيجابي في هذا الإطار، وأيضاً لإرضاء المجتمع التركي الذي ينتظر من حكومته أن تقوم بإجراءات لوقف الهجمات على المدنيين، والحد من قدوم مزيد من اللاجئين. لكن يبدو أن لتركيا القليل من الخيارات لإيقاف الهجوم، وبالتالي فإن النظام، بدعم روسي، سيعيد الكرة وسيسيطر على إدلب، في خضم اختلاط الأوراق في الأزمة السورية في الوقت الراهن". واعتبر أن "حماية إدلب ليست مسؤولية تركية فقط، وإنما على الأوروبيين والمجتمع الدولي القيام بتحركات حقيقية في هذا الإطار، في ظل تمادي الروس والنظام". وتابع "من أهم الأسباب التي تجعل موقف تركيا ضعيفاً هو وجودها في شرق الفرات وشمال حلب بحجة مكافحة الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي، وهذه الذريعة ذاتها التي يقدمها النظام وحليفه الروسي خلال الهجوم على إدلب، وبالتالي فإن روسيا ستواجه تركيا بهذه الورقة في حال طلبت الأخيرة إيقاف الهجوم على إدلب".

يشار إلى أن المعارك، التي بدأت منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أدت إلى نزوح نحو 300 ألف مدني من ريف إدلب، أكثر من 70 ألفاً منهم خرجوا من مدينة معرة النعمان وحدها. ويبدو أن النظام يسعى للسيطرة على معرة النعمان والوصول إلى الطريق الدولي "إم 5" كمرحلة أولى، ومن ثم التمدد نحو مدينة سراقب، التي تعد عقدة بين الطريقين "إم 4" و"إم5" في مرحلة ثانية.