إدارة حرب الشائعات بين داعش وبغداد

28 ديسمبر 2014

تدريب وحدة في الجيش العراقي قرب بغداد (26أكتوبر/2014/Getty)

+ الخط -

منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية قوة مركزية في الملف الأمني العراقي المعقد، وتحديداً عقب العاشر من يونيو/حزيران 2014، وسيل من الشائعات المتبادلة بين الحكومة العراقية المركزية في بغداد وإعلام التنظيم، يجري، بشكل متسارع، ليضع الرأي العام الدولي أولاً، ثم الرأي العام الإقليمي والمحلي ثانياً، أمام صور مضطربة، مرعبة، عن مآلات الأوضاع في العراق، وعن حقيقة ما يجري هناك فعلاً، ومخارج الدمار الذي أطاح محافظات ومدناً عراقية بالكامل، وتسبب بمقتل وتشريد آلاف العراقيين منها وفيها.

وواقعياً، فإن حكومات كثيرة حول العالم تلجأ لنشر الشائعات، بدافع التكتم على ما يجري من كوارث، أغلبها ذات طبيعة سياسية لأغراض عدة، منها تأخير ردة فعل الجماهير وغضبتها تجاه إهمال أو فساد أفضى إلى بلوغ الكارثة، كما هو الحال في العراق الذي تطغى فيه شائعات الملف الأمني، منذ أكثر من عشر سنوات، بغرض وضع الناس هناك في زاوية حرجة، تدفعهم بعيداً عن مساءلة الحكومة وحسابها هناك، عن ملفات الفساد المستشري بقوة وفي كل المجالات، أو من أجل كسب التأييد الشعبي لحملة أو إجراء ما، تريد الحكومة تحقيقه لبلوغ هدف يعنيها، كما فعلت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق، جورج بوش، ونائبه ديك تشيني، وكذلك حكومة رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، حينما اشتركتا في نشر شائعات كثيرة كاذبة متعلقة بالقوة (النووية والكيمياوية) العراقية، تمهيدا لتسيير حملة عسكرية لاحتلاله "دفاعاً عن النفس وبقية أمم العالم"!، كما قد تلجأ بعض دول وتنظيمات إلى تنظيم الشائعات ونشرها، إما للدفاع عن نفسها، كما فعلت الحكومة العراقية في فترة نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، أو لترويجها وقدراتها، كما تفعل التنظيمات الكبيرة والمثيرة للجدل، كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

ولأننا نعيش عصر تقنيات التواصل الاجتماعي، فإن موضوع الشائعات أصبح أكثر خطورة، وأكثر انتشاراً بين الناس، وقد تكون دقائق أو ساعات معدودة، كفيلة بإيصال خبر كاذب (إشاعة) إلى ملايين الناس في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى الجمهور الهدف، ولأن الشائعة مهمة، وليست بالسهولة التي يمكن تصورها على مستوى سياسات الدول والمنظمات والأحزاب، فإنها، ومنذ فترة طويلة جداً، كانت، وما زالت، جزءاً رئيساً من واجبات وأنشطة أقسام خاصة في دوائر المخابرات، حيث يذكر المختصون أنها في هذه الدوائر تمر بمراحل عديدة، بحسب رغبات صانع القرار وميوله، وبما يرونه في قسم (الإشاعة)، في حينها، مناسباً للحدث المعني وظرفه.

أما ما يجري بين الحكومة العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية من حرب شائعات، فقد جعلت الجميع غير مدرك حقيقة ما يجري، أو سيجري، على الأرض، وجعلت من تنظيم الدولة، حيناً، قوة لا تقهر، وقادرة على دخول بغداد في أي وقت، وفي وقت آخر، تنظيماً منهاراً يفقد قوته وأنصاره بشكل سريع في معظم المناطق... إلخ. وفي الحقيقة، فإن تنظيم الدولة الإسلامية استخدم الشائعات في كل عملياته في العراق، ومن قبله سورية، لكن الشائعة الكبرى كانت قبل العاشر من يونيو/حزيران الماضي؛ حيث أطلق التنظيم شائعته لإحداث انهيارات نفسية في صفوف الجيش، مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي وهواتف الضباط والجنود، وتفيد هذه الشائعة بذبح كل من يعترض تقدم قواته من القوات المسلحة العراقية في الموصل، وغيرها من مناطق العراق، وأن من سيخلع ملابسه العسكرية ويرتدي ملابس مدنية سينجو من الذبح، وهو ما جعل منتسبي الجيش هناك ينهارون قبل ساعة الصدام المسلح، فيخلعون ملابسهم المدنية، ويهربون بسرعة من مدن كبرى، كالموصل وتكريت، نزولاً إلى محيط بغداد. وفي المقابل، أطلقت الحكومة العراقية، بنصيحة إيرانية، شائعات تقول إن تنظيم الدولة يستهدف شيعة العراق، وإنه سيبيدهم عن بكرة أبيهم ذبحاً، إذا ما تمكن من الوصول إلى بغداد، والسيطرة على الحكم فيها، والغريب أن المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، نفسه، صدّق هذه الشائعة، فوافق على مشروع (الحشد الشعبي) الذي فتح الباب على مصاريعه لدخول قوات من الحرس الثوري بلباس هذا الحشد (الشيعي) المفترض!

شائعات كثيرة بين الطرفين، يتعلق بعضها بالمعنويات المرتبطة بالمقاتلين من الطرفين، كالأخبار الوهمية عن سقوط مناطق و"تحرير" أخرى، وأخرى مرتبطة بالحاضنات المفترضة لمقاتلي تنظيم الدولة، حيث صممت شائعات تتناسب والتركيبة العقائدية العشائرية في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، كتلك التي تتعلق بالاعتداء على النساء وبيعهن، وجديدها إعلان القيادي في فيلق بدر، محمد البياتي، وزير حقوق الإنسان في حكومة حيدر العبادي، أن تنظيم الدولة قتل 150 امرأة فلوجية، بينهن فتيات باكرات وحوامل، لرفضهن جهاد النكاح، وهو ما يشكل إساءة لا يمكن محوها لعشائر هذه المدينة، وسواها في كل الأحوال، بما يدفعهم إلى نبذ تنظيم الدولة، وقتاله لاحقاً، إلى جانب القوات الحكومية، في حين أن الخبر لم تؤكده أي عائلة من عوائل الفلوجة، شبه الخالية من سكانها بسبب استمرار كل أنواع القصف على أحيائها منذ أكثر من سنة، كما بينّ شيوخ عشائر من المدينة نفسها، أنهم لم يبلغوا بقتل 150 امرأة على يد التنظيم، وهددوا بمقاضاة الوزارة في حال عدم ثبوت صحة ذلك!

شائعة تنظيم الدولة التي أخذت مجالها بين صفوف الجيش وقوات الأمن العراقية، والتي تقول إن الحكومة العراقية ستسحب كل أجهزة الهواتف المحمولة التي يمتلكها عناصر الجيش وقوى الأمن، كما حجب مواقع التواصل الاجتماعي، كما تذكر وسائلهم أن هناك خلافاً عميقاً بين الحكومة العراقية والإدارة الأميركية حول شن هجوم الموصل، لأن الإدارة الأميركية تعتقد أن هذا الجيش سيباد بكامله، في حالة تنفيذه الهجوم على المدينة، هو وقوات الحشد الشعبي، وأن المعركة ستكون أشبه بمعارك الفلوجة عام 2004.

هي حرب الشائعات، إذن، وحرب المعنويات، التي تجري، حتى هذه اللحظة، لصالح تنظيم الدولة، وذلك لتماسك عقيدة مقاتليه، فيما يعاني طرف الحكومة المركزية من تشتت عقائد مقاتليه، وعدم وجود ثقة أكيدة بالحكومة العراقية من بعض قيادات الجيش العراقي الحالي، إضافة إلى زعامة وقيادات إقليم كردستان الذي يعوّل كثيراً على مشاركة قواته (البشمركة) في القتال إلى جانب الجيش الاتحادي لتحرير المناطق التي يسطر عليها تنظيم الدولة، وخصوصاً الموصل. لذلك، تبقى المهمة القتالية لكل الأطراف في العراق صعبة جداً، ذاك أن طرفاً على الأرض يعرف تماماً ماذا يريد ويخطط إعلاميا بكفاءة متقدمة ومستريحة، فيما الطرف الآخر يجهل ويتخبط، فيما يمكن أن يحققه أو يحتفظ به. ولعل مرد هذا الجهل هو فقدانه القدرة على جمع شمل مواطنيه على أساس المواطنة، معولاً، بدل ذلك، على الاعتماد، بشكل كامل، على نصائح خارجية (ملزمة)، لا تتعدى الولايات المتحدة وإيران.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن