يؤكد معيقل الهواشلة، المسؤول الميداني للمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في الداخل المحتل ومدير العلاقات العامة في المجلس، أن 90 ألف فلسطيني موزعين على سبع وثلاثين قرية غير معترف بها، لم يتلقوا أي خدمات صحية في ظل انتشار فيروس كورونا في دولة الاحتلال، بما في ذلك إجراء فحوصات خاصة بالفيروس، وهو ما استدعى إنشاء غرفة طوارئ من قبل عدة مؤسسات أهلية لتقديم الخدمات لسكان هذه القرى.
ويشدد الهواشلة في إفادته لـ"العربي الجديد"، على أنه لا يوجد أحد يعلم ما إذا كان هناك مصابون بالفيروس في القرى غير المعترف بها أم لا، وأن الخطورة تكمن في أنه في حال وجود مصابين يتنقلون بشكل اعتيادي ويخالطون عائلاتهم وسكان قراهم، قد يتسبب الأمر في تفشي المرض بين سكان هذه القرى نظرا للاكتظاظ الشديد فيها.
لكن الدكتورة نهاية داود الباحثة في الصحة العامة ومؤسسة منظمة الصحة العامة في المجتمع العربي، تكشف أن عنصرية وزارة الصحة الإسرائيلية، شملت أيضا القرى والبلدات الفلسطينية "المعترف بها" وفق "القانون الإسرائيلي".
ثلاثة مظاهر من العنصرية
سجلت دولة الاحتلال 117 حالة وفاة من بين 11.868 إصابة مؤكدة بفيروس كورونا حتى 14 إبريل/نيسان وفقا لقاعدة بيانات جامعة جونز هوبكنز، وترصد العضو المؤسس في لجنة المتابعة القُطرية للصحة نهاية داود، ثلاثة مظاهر من العنصرية في التعامل مع فلسطينيي الداخل من قبل هيئات الصحة الإسرائيلية، ظهرت في سياق أزمة كورونا، أولها، أن الإرشادات حول الفيروس نُشرت باللغة العبرية، وهو ما خلق فجوة معلوماتية، وبالتالي بدأ كثيرون من فلسطينيي الداخل بالبحث عن المعلومات من خلال مصادر بعضها غير موثوق، الأمر الذي خلق أنماط سلوك ومعارف مضرة في ما يتعلق بالتعامل مع انتشار الفيروس. وهو ما أكده البروفيسور فهد حكيم، مدير مستشفى الناصرة، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن المستشفى بدأ بترجمة الإرشادات والنشرات لأن وزارة الصحة لم توفر ذلك.
أما المظهر الثاني، فهو حجب المعلومات المتعلقة بالمصابين الفلسطينيين بفيروس كورونا، مثل: الأماكن، التي زاروها، ومصدر العدوى، وهذا الحجب استمر حتى تاريخ 27 مارس/آذار الماضي رغم المطالبات المتكررة من قبل أعضاء الكنيست العرب. في المقابل، منذ الإعلان عن الإصابة الإسرائيلية الأولى بفيروس كورونا في 21 فبراير/شباط الماضي، تنشر وزارة الصحة الخريطة الوبائية لكل مصاب، ما يسمح بتحديد المخالطين بسهولة وحجرهم منزليا، وإجراء الفحوصات اللازمة لهم"، وفق الدكتورة داود، التي تؤكد أن نشر المعلومات بطريقته الحالية خلق نوعا من الفوضى داخل البلدات الفلسطينية في الداخل، إذ إن الوزارة تقوم بنشر أعداد المصابين في كل بلدة، لكنها لا تنشر الأماكن، التي كانوا فيها أو أسماءهم، ما خلق حالة من الهوس لدى سكان هذه البلدات، الذين أصبح همهم معرفة مصابي كورونا، للتأكد إن كانوا مخالطين لهم أم لا. وهو الأمر (حجب المعلومات) الذي يشير إليه البروفيسور حكيم بوصفه مشكلة كبيرة بحد ذاتها.
وتشير داود، إلى أن المظهر الثالث للتمييز، كان في الخدمات الصحية. وهو موجود باستمرار، ولكن أزمة كورونا أخرجته بشكل مختلف، وأضافت أن مراكز الفحص كانت في البداية تقتصر على المدن والبلدات اليهودية، كما أن المكلف من قبل وزارة الصحة بإجراء فحوصات كورونا هي منظمة "نجمة داود الحمراء"، وهي في الغالب لا تقدم خدمات في البلدات، التي يسكنها الفلسطينيون منذ أحداث أكتوبر عام 2000 (انتفاضة الأقصى)، مع الإشارة إلى أن مراكزها موجودة فقط في المدن والبلدات اليهودية، واليوم يقوم موظفو شركات خاصة بإجراء الفحوصات لفلسطينيي الداخل، كما أن الوزارة أجرت تدريبات على إجراء الفحوص لـ "نجمة داود الحمراء" فيما لم تجر تدريبات للشركات الخاصة، وهو ما أكد عليه مدير مستشفى الناصرة، موضحا أن إدارة المستشفى أجرت التدريبات اللازمة لطواقمها للتعامل مع موضوع كورونا، وليس وزارة الصحة.
عسكرة أزمة كورونا
يتفق البروفيسور حكيم والدكتورة داود وعضو الكنيست السابق عن التجمع الوطني الديمقراطي نيفين أبو رحمون، على أن وجود الهيئات الأمنية الإسرائيلية، الشاباك والموساد ومكتب الأمن القومي وجيش الاحتلال، في الهيئات العليا للجنة الطوارئ المكلفة بمعالجة أزمة كورونا في دولة الاحتلال، انعكس على السياسات المتخذة بحق البلدات، التي يسكنها الفلسطينيون، وكان لها إسقاطات مهمة على موضوع الصحة، وهو ما دفع لتشكيل لجان طوارئ محلية لفلسطينيي الداخل. محذرين من زيادة أعداد المصابين بكورونا بشكل كبير بين فلسطينيي الداخل نتيجة هذه الإسقاطات.
طبيعة دولة الاحتلال عسكرية، وهو ما ينعكس على طريقة عملها في أزمة كورونا كما يقول البروفسيور حكيم، موضحا أن الأمر خلق نوعا من الصعوبة في التكيف والتعامل مع حالة الطوارئ المعلنة، التي تديرها الهيئات العسكرية والأمنية، لأن فلسطينيي الداخل لا يريدون بكل الأحوال أن يكونوا في هذه الهيئات، ويجدون صعوبة أيضا في التعامل معها. وفي السياق، اعتبرت أبو رحمون أن العقلية الأمنية العسكرية، التي تدير أزمة كورونا، هي نفسها، التي تدير السياسات الأمنية والعسكرية في الحروب، والتي تسعى بكل قوة لحماية المكوّن "الإسرائيلي" على حساب أي مكون آخر، حيث تُعلي الجانب الأمني والعقائدي على الجانب الإنساني، مضيفة: "هذا لا يعني أن وزارة الصحة بريئة، فهي في النهاية جزء من حكومة يمينية، أهملت القطاع الصحي لدى فلسطينيي الداخل".
تمييز في توزيع فحوصات الفيروس
مظاهر التقصير بحق فلسطينيي الداخل شملت كثافة فحوصات كورونا وتوفيرها، إذ تم توفير العيادة المتنقلة في البداية في "المجتمع اليهودي" ولم تكن متوفرة في المجتمع الفلسطيني في الداخل، ليجري توفيرها بعد عملية ضغط ومطالبات، بحسب تأكيد أحمد الشيخ، مدير الجمعية القُطرية العربية للبحوث والخدمات الصحية (أهلية)، والذي قال لـ"العربي الجديد":"هناك تقصير في عملية إخلاء المصابين بالفيروس للمستشفيات أو الفنادق، خاصة أنه لم تكن هناك أماكن مهيأة للحجر في البلدات الفلسطينية في الداخل في بداية الأزمة، مقارنة بـ"البلدات اليهودية"، وكذلك توزيع المساعدات الغذائية "ونحن نقاتل من أجل هذه القضايا لأن 40% من مجتمعنا عاطل عن العمل وهناك تفاقم مخيف في حجم البطالة". مضيفا: "بكل تأكيد بالنسبة للدولة فإن اليهودي في المكان الأول، وبالتالي هناك فروق".
ويرى الشيخ أن الوضع الحالي في القدس أكثر كارثية مما يجري في الداخل المحتل، وذلك في ظل إهمال الأطراف كافة، خاصة حكومة الاحتلال الإسرائيلي، للفلسطينيين من سكان المدينة. وهو يتفق بذلك مع الدكتور فؤاد أبو حامد، مدير مركز بيت صفافا الطبي بالقدس، الذي حذر من أن الوضع بين الفلسطينيين من سكان المدينة سيصبح كارثيا أكثر إذا ما استمر الإهمال الممنهج من قبل الصحة الإسرائيلية، التي تجاهلت المقدسيين من فحوصات كورونا لأسابيع، وهو ما منع تشخيص المصابين وزاد من أعداد المخالطين.
إخفاء إحصاءات مصابي كورونا المقدسيين
يشير أبو حامد في مقابلة مع "العربي الجديد"، إلى أن الصحة الإسرائيلية تخفي الإحصاءات المتعلقة بمصابي كورونا من المقدسيين، وإلى أنه ومجموعة من الأطباء يحاولون تتبع المصابين وجمع المعلومات عنهم من خلال الأطباء والمراكز الطبية لنشرها، في ظل عدم قيام الصحة الإسرائيلية بأي بحث وبائي بخصوص المصابين المقدسيين، لتحديد مصدر العدوى والأماكن، التي زارها المصابون. في المقابل تقوم بنشر خريطة وبائية للمصابين اليهود من سكان القدس، وذلك لتحذير المخالطين، ودفعهم لإجراء فحوصات كورونا.
ويكشف المدير التنفيذي العام لمستشفى المطلع، وأمين سر شبكة المستشفيات الفلسطينية في القدس وليد نمور، أن هناك 22 جهاز تنفس اصطناعي في المستشفيات الفلسطينية في القدس، وهي بحاجة إلى ما لا يقل عن 200 جهاز، أي أن المتاح نسبته تقريبا 10% من اللازم والضروري.
وأوضح في إفادته لـ "العربي الجديد"، أن شبكات مستشفيات القدس قررت أن يفتتح مستشفى المطلع 22 سريرا لمرضى كورونا، والمستشفى الفرنسي 28 سريرا، ورغم وعود الصحة الإسرائيلية بدفع مليوني شيقل (571400 دولار) لكل مستشفى، إلا أنهم حتى اللحظة لم يلتزموا بتوفير كامل المبلغ. مضيفا أن دور الصحة الإسرائيلية في الأحياء الفلسطينية في القدس دعائي بحت، فهي تقدم خدمات ضئيلة جدا من أجل الاستهلاك الإعلامي فقط، وأنه تواصل مع وزيرة الصحة الفلسطينية مي كيلة يوم 14 فبراير/شباط الحالي ووعدته بتقديم المساعدات للمستشفيات المقدسية.
ويجمع أبو حامد ونمور ومازن الجعبري، مدير مؤسسة تنمية الشباب في جمعية الدراسات العربية في القدس على أن السياسة الإسرائيلية تجاوزت الإهمال الممنهج إلى استهداف الهيئات الشعبية الفاعلة في محاربة انتشار كورونا في القدس، مؤكدين أنه تم اعتقال أعضاء في لجان الطوارئ كانوا ينظمون تطبيق الإجراءات الصحية في المدينة، كما صادر الاحتلال شاحنة مساعدات قادمة من الداخل المحتل لسكان حي صور باهر جنوب شرقي القدس.