تزامنت الخلافات الحادة التي ضربت جسد جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وما نتج عنها من تراشق إعلامي بين أطراف النزاع، مع حدوث انشقاقات كبرى في تنظيم الإخوان المسلمين بالأردن، ما يدفع إلى التساؤل حول القواسم المُشتركة التي تجمع بين انشقاقات الإخوان المسلمين في الأردن، والخلافات المتصاعدة بين أقطاب جماعة الإخوان بمصر.
المحاور الأربعة
أولاً: تتمحور الانشقاقات التي أصابت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومصر حول سلامة الإجراءات الإدارية الداخلية، مثل مدى الالتزام بتطبيق آلية الشورى في الحالة المصرية، وموقف الجماعة القانوني في المملكة الهاشمية، وتقنين وضعها هناك، وتحديد من يحق له الاستحواذ على الترخيص دون غيره في الجماعة؛ فالخلافات بين الإخوان في مصر والأردن عنوانها الأبرز هو التنازع حول (الرخصة في الأردن واللائحة في مصر).
اقرأ أيضاً: "عقيدة الصدمة".. عصا السيسي السحرية لتمرير قوانينه وقراراته
ثانياً: يمكن القول إن الوضع السياسي هو المُتسبب الأساسي في ارتفاع حدة الخلافات الداخلية بين الإخوان بالأردن ومصر؛ فمع حدوث الانقلاب العسكري في مصر يوم 3 يوليو/تموز 2013، ومعاداة النظام للجماعة بشكل حاد في داخل مصر وخارجها، وقيام تحالف عربي حريص على محاصرة نشاط الجماعة في العديد من الأقطار العربية؛ فتحت العديد من القضايا المؤجلة داخل الجماعة في الأردن ومصر؛ فبرزت قضية طبيعة وضع الجماعة القانوني في الأردن من حيث ما هي طبيعة العلاقة بين الجماعة في الأردن والتنظيم العالمي للإخوان؟؟ وهل هي جماعة أردنية أم هي فرع لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، كما هو موجود في أوراق الترخيص القديمة. وفي مصر ومع ارتفاع وتيرة سقوط الشهداء والمصابين من أبناء الجماعة في التظاهرات ضد النظام بدأ العديد من كوادر الإخوان المسلمين في مصر مناقشة قضايا حادة ومركزية مثل هل الإخوان المسلمون يؤمنون بالثورة والتصعيد الثوري أم هم إصلاحيون بالأساس، وما هو موقف الإمام حسن البنا من الثورة في رسائله، وما هي العلاقة التنظيمية بين قيادات الإخوان في خارج مصر وجسد التنظيم بالداخل، كل هذا قاد إلى زيادة حدة الخلاف ووصوله للفضاءات الإعلامية المتعددة.
ثالثاً: لا يوجد طرح مستقبلي أو فكرة مركزية جديدة واعدة تقدم شيئاً جديداً للحياة السياسية والمجتمع في كلا الحالتين؛ فالأجنحة الإخوانية المتصارعة في مصر صرحوا بأنهم ليسوا في خلاف فكري جوهري مع أفكار ومبادئ الجماعة وإنما سر خلافهم متركز حول مراجعة سلامة ودقة الأمور الإدارية الداخلية من احترام آلية الشورى بشكل جاد، وكذلك الحال في الأردن فالفريق الذي حصل على الترخيص القانوني حديثاً يحمل نفس اسم الجماعة التاريخي "جمعية الإخوان المسلمين" والفريق القديم المُعارض لهم يحمل نفس الاسم، وبين الفريقين سجال قانوني في ساحات المحاكم الأردنية حول الأحقية في امتلاك المقرات والمؤسسات التابعة للجمعية في الأردن.
اقرأ أيضاً: كل الطرق لم تكن تؤدي إلى 3 يوليو
رابعاً: قدم تاريخ الخلافات والانشقاقات بين الإخوان في مصر والأردن؛ فالأمر ليس وليد الظرف الراهن؛ إذ انشقت حركة "شباب محمد" عن الإخوان في مصر عام 1940، وانشق الأستاذ أحمد السكري وكيل إمام الإخوان المسلمين وأسس جمعية "الإخوان المجاهدون الأحرار"، وفي عام 1947، وفي عهد المرشد/ الهضيبي وقع صدام عنيف بينه وبين عبد الرحمن السندي مسؤول التنظيم الخاص، وانتهى الأمر بفصل السندي من الجماعة، وشهدت فترة المرشد الخامس مصطفى مشهور في يناير/كانون الثاني عام 1996 وقوع انشقاق آخر حينما تقدم أبو العلا ماضي عضو مجلس شورى الجماعة، بطلبٍ للجنة شؤون الأحزاب لإنشاء "حزب الوسط". وكذلك وقعت لجماعة الإخوان بالأردن عدة أزمات داخلية أبرزها عام 1997، عندما قدمت قيادات بارزة استقالاتها من الجماعة احتجاجا على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية، وفي عام 2007 أعلنت قيادة الجماعة حل نفسها إثر خسارة فادحة منيت بها في الانتخابات التشريعية، وكذلك وقعت خلافات حادة في الأعوام 2009 و2010 على خلفية قضايا تنظيمية من بنيها مطالبات بفصل ما عرف بالمكاتب الإدارية الخارجية للجماعة المرتبطة بعلاقة تنظيمية بين إخوان الأردن وحركة حماس.
في ضوء المُشتركات الأربعة السابقة بين طبيعة الخلافات بين الإخوان في الأردن ومصر يتضح لنا أن مسار تطور رؤية واستراتيجيات جماعة الإخوان المسلمين وخاصة مقاربتها للعمل السياسي والدعوي وعلاقتها بالقوى الفاعلة في المجتمع المصري والأردني سيكون طريقاً شاقاً وسيأخذ ردحاً من الزمن؛ فالخلافات الدائرة بين أجنحة الجماعة في كلتا الحالتين غارقة في مشاكل تنتمي للتاريخ لا للمستقبل، للماضي لا للحاضر؛ فلم يقدم أي فريق أو جناح متصارع سواء كان قديماً أو حديثاً، شباباً أو شيوخاً، رؤية وطرحاً جديداً منفتحاً على المستقبل.
-------
اقرأ أيضاً:
"باعة العذريّة" في الأردن.. أطباء ضدّ القانون