إحسان أوغلو... الحصان الأخير للمعارضة التركية

18 يونيو 2014
إحسان أوغلو الإسلامي (GETTY)
+ الخط -
أعاد قرار رئيسي حزبي المعارضة الرئيسيين في تركيا، "الشعب الجمهوري"، كمال كليجدار أوغلو، و"الحركة القومية"، دولت بهتشلي، تسمية الرئيس السابق لمنظمة التعاون الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلو، مرشحاً توافقياً للانتخابات الرئاسية التركية المقررة في العاشر من أغسطس/ آب المقبل، خلط الأوراق في البلاد، وأضفى إثارة كبيرة لما سيكون لهذه الخطوة من أبعاد وتداعيات، ولما تحمله شخصية إحسان أوغلو من عناصر إشكالية.

ووفقاً لصحيفة "ميلييت"، فإن اقتراح اسم إحسان أوغلو، جاء بتوصية من وزير المال السابق، "الليبرالي جداً"، كمال درويش، نائب رئيس مؤسسة "بروكينيغز" الأميركية، المحسوب على "الشعب الجمهوري"، والذي يحمّله كثُر مسؤولية "الخراب الاقتصادي الكبير" في أواخر تسعينيات القرن الماضي.
 
ليس الاتفاق على مرشّح توافقي بالأمر الجديد في السياسة التركية؛ ففي العام 2000، اتفقت مجموعة من الأحزاب على اسم نجدت سيزار، كمرشح توافقي لمنصب رئاسة الجمهورية، الأمر الذي حصل أيضاً في الانتخابات البلدية الأخيرة، عندما اتفق كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية على منصور يواش كمرشح توافقي لمنصب رئاسة بلدية أنقرة. لكن الجديد في الأمر اليوم، هو ما فعله حزب الشعب الجمهوري، إذ للمرة الأولى في تاريخه، ينحاز بشدة نحو اليمين، في نقلة نوعية، وذلك بقبوله بمرشح لا علاقة له بالأيديولوجيا العلمانية "اليسارية" التي يتبناها الحزب، بل ويقف على الجانب الآخر، مما أثار غضباً كبيراً في جناح كبير من "الشعب الجمهوري".

وقد أثار ترشيح إحسان أوغلو انقساماً واضحاً في صفوف الحزب المعارض الأكبر، الذي أسسه مصطفى كمال، ذلك أن عدداً قليلاً من القيادات الحزبية، إضافة لزعيم الحزب، كلجدار أوغلو، كانوا على علم بأمر ترشيح إحسان أوغلو، الأمر الذي كان واضحاً في تصريحات "الحرس القديم" في الحزب، التي أظهرت حساسية واضحة ضد هذه الخطوة، رافضة الاعتراف بالخيار الرسمي للحزب، والذي أطلقت عليه "مرشح كلجدار أوغلو".

وفي السياق، أعرب الرئيس السابق للحزب، النائب عن أنطاليا، دينيز بايكال، عن دهشته لاختيار إحسان أوغلو، كما وصف النائب "الجمهوري" عن مدينة أنطاليا، إحسان بولوت، إحسان أوغلو بـ"عدو أتاتورك". وتحدثت بعض الشائعات عن نية مجموعة من الرافضين في الحزب جمع التوقيعات للتقدم بمرشح خاص بهم.

يُعتبَر ترشيح إحسان أوغلو لمنصب الرئاسة عن أحزاب المعارضة، حدثاً كبيراً؛ فللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية، سيختار الأتراك بين مرشحَين يمينيَّين إسلاميَّين، مما يلخص الصراع الحقيقي الذي يدور في الوسط السياسي التركي بين وجهين من وجوه التيار الإسلامي المحافظ. فعندما يصبح مرشح الحزب المغالي في علمانيته، إحسان أوغلو، خريج الأزهر ورئيس منظمة المؤتمر الإسلامي وابن محمد إحسان أفندي، أحد علماء الدين المعروفين أثناء الدولة العثمانية، وهو الحزب الذي سبق أن منع الآذان بالعربية، وألغى التعليم الديني، وعارض تولي عبد الله غول الرئاسة فقط لأن زوجته محجبة، فهذا لا يعني بأن حزب الشعب الجمهوري يحاول أن يتصالح مع تاريخه، لكن يعني ذلك أن الحزب يتناقض بشكل كبير مع تاريخه، قاضياً على تسعين عاماً من تاريخ الكمالية العلمانية، مما يعيد التساؤل حول وجود التيار العلماني كفاعل حقيقي في السياسة التركية، وكحامٍ للعلمانية الكمالية كما يدّعي، بل ويطرح قيم الجمهورية الكمالية للنقاش مرة أخرى.

لقد كان إحسان أوغلو مقرباً من خط حزب الحركة القومية السياسي في السبعينيات، وإن كان هذا التاريخ البعيد لا يعني الكثير، لكن مع التوافق مع حزب الشعب الجمهوري، تحول إحسان أوغلو إلى المرشح الوحيد القادر على الوقوف بوجه رجب طيب أردوغان، وإن لم يعلن حزب العدالة والتنمية اسم مرشحه بعد، لكن جميع التوقعات تشير إلى أنه سيكون أردوغان، الأمر الذي قد يُكسبه دعم الكثير من أحزاب اليسار الصغيرة أيضاً، مما دفع بالكثير من المراقبين الأتراك إلى إطلاق لقب "مرشح الدولة العميقة" على إحسان أوغلو.

بحسب معظم استطلاعات الرأي غير الحزبية، يبدو أن أردوغان سيحصل على ما بين 44 إلى 45 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى، إلا أن أكمل الدين إحسان أوغلو كمرشح منافس، منح الأحزاب المحافظة، كحزب السعادة، وحزب الوحدة الكبرى، إضافة إلى "حركة الخدمة" (جماعة الداعية فتح الله غولن) فرصة لـ"معاقبة" أردوغان، من دون الاضطرار للخروج عن فكرها الإسلامي، مما قد يسحب الكثير من الأصوات من الأخير، بحسب محللين، ويبعد احتمال حسم الانتخابات من جولتها الأولى.
أردوغان، ومن ورائه حزب العدالة والتنمية، لا يقف وحيداً في هذه الانتخابات، فقد صدر الكثير من الإشارات من قبل الأحزاب الكردية الموالية لحزب العمال الكردستاني، كحزب السلام والديمقراطية وحزب الشعوب الديمقراطية، التي تفيد بأنها ستدعم أردوغان بالفعل، خصوصاً في ظل ما يتردد عن أن ترشح أردوغان ليس إلا حطوة أولى نحو جمهورية جديدة بنظام رئاسي، يمنح صلاحيات واسعة للأقاليم، مما يحقق الحكم الذاتي الذي يسعى إليه حزب العمال الكردستاني.
المساهمون