وقد أتى ردّ فعل اليوتيوب (غوغل)، بعد التداول الإعلامي المكثّف، بداية من صحيفة التايمز في 17 مارس 2017، لظهور إعلانات الحكومة البريطانية في فيديوهات تتضمّن محتويات تروّج لليمين المتطرف والعنف، أي أن الحكومة البريطانية كانت تموّل بشكل غير مباشر مجموعات متطرّفة.
كان ردّ رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي سريعًا. وتلاها مباشرة، إعلان العديد من كبريات الشركات العالمية على غرار البنك الملكي الاسكتلندي و "بي.بي.سي" و "فيريزون" و"لوريال" التوقيف المؤقّت لنشر إعلاناتها عبر اليوتيوب. تفاعلت شركة غوغل بسرعة مع هذه القرارات، وباشرت استهداف كل الفيديوهات التي يمكن أن تمسّ مواضيع حساسة بحذف الإشهارات منها.
تتمثل الإجراءات الجديدة التي حدّدتها منصّة يوتيوب في استثناء الفيديوهات التي تتطرّق في محتواها أو توصيفها للمواضيع التالية من الاستفادة من المداخيل الإشهارية:
1- الكلام الحساس ويشمل خطاب الكراهية والألفاظ النابية.
2- العنف، ويشمل الحروب الحديثة (حتى في حالة التحدّث عن الأمر بشكل موضوعي ومحترم) وقضايا الإرهاب والقتل (حتى في ألعاب الفيديو حين تكون الصور مؤثرة) وكذا العنف على الحيوانات.
3- الترويج لاستخدام المخدرات.
3- الجنس والعري.
4- كل المواضيع الحساسة التي يتمّ التطرق لها بشكل مثير للجدل على غرار الانتحار والإجهاض وحقوق الأقليات الجنسية والإثنية والأديان والعنصرية والخطاب المتطرّف.
يجدر التنبيه أن منصة يوتيوب لم تقرّر حذف هذه الفيديوهات، مستخدمة تبرير أنها منصّة نشر وليست مسؤولة عن المحتوى. بل إن الإجراء يستهدف بالأساس عدم إمكانية الاستفادة من عوائد الإشهار.
من جانبها، عبّرت الشركات الناشرة عن ارتياحها لهذه الإجراءات. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه الشركات لا يمكن أن تستغني عن يوتيوب ولذا أعلنت منذ البداية أن التوقّف مؤقت إلى غاية اتضاح الصورة لا غير.
ولكن أكبر المتضرّرين من هذا التغيير تمثلوا في ناشري الفيديوهات وأصحاب القنوات (اليوتيوبرز) وأغلبهم من فئة الشباب الذين تمثل العوائد التي توزّعها عليهم منصة يوتيوب من الإشهارات مصدر دخل رئيسي لهم. وقد كانت بداية تضرّرهم في شهر سبتمبر 2016، حيث انخفضت عوائدهم بنسبة 50% لأن الفيديوهات لم تعد تصل كما كانت سابقًا إلى 100% من منخرطيهم. ثم كانت الضربة الموجعة الثانية التي تلقوها خلال شهري إبريل ومايو 2017، حين انخفضت هذه النسب كثيرًا مجددًا بعد إقصاء كل الفيديوهات التي يمكن أن تندرج ضمن المواضيع الحساسة. وقد أثار ذلك الهلع بين أصحاب تلك القنوات على المنصّة، حيث انتشرت فيديوهات لمشاهير اليوتيوب في كندا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبلدان أخرى، يعبّرون فيها عن تذمرهم من هذه الوضعية.
وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك وتأكيدهم أن استمرار الوضع على حاله سيدفعهم إلى التوقّف عن هذا العمل والبحث عن عمل آخر. للإشارة، فإن نشر الفيديوهات عبر بعض القنوات في اليوتيوب بغرض الحصول على مشاهدات كبيرة وعوائد مالية صار مهنة كاملة الأوصاف تستهلك كامل وقت العاملين فيها. وتدر على أصحابها عوائد تتراوح بين بضع مئات من الدولارات وعدة آلاف في الشهر. وقد دفعت العوائد الكبيرة بعض ناشري الفيديوهات إلى تأسيس شركات صغيرة وتوظيف مصورين وكتاب مواضيع محترفين.
أمام هذه الوضعية، لجأ بعض اليوتيوبرز لاستخدام كيفية أخرى للتمويل، كانت رائجة في بدايات يوتيوب، تتمثل في افتتاح طلبات تمويل من مشاهدي الفيديوهات، حيث يرسل المشاهدون مبالغ صغيرة تتراوح بين 2 و 5 دولارات، تمثل مصدر دخل لهم.
ولكن تجدر الإشارة هنا أيضًا إلى أن انخفاض العوائد وهذا الهلع قد مس فئة معينة فقط من ناشري الفيديوهات، وهي القنوات المتوسطة. أما القنوات التي تضم أعدادًا هائلة من المنخرطين والمتابعين تقدر بالملايين فإنها لم تتأثر كثيرًا بهذه الوضعية. وإن كانت قد شهدت نفس انخفاض العوائد المتأتية من إشهارات اليوتيوب، فإن مصدر الدخل الأساسي لهذه القنوات الكبيرة يبقى الإشهار المباشر لبعض المنتجات. حيث تتصل بهم الشركات مباشرة وتطلب منهم الظهور بمنتج لها أو نشر فيديو عن منتجاتها، أي أن مصدر دخلهم المباشر لن يتأثر.
بين هذا وذلك، لا تزال منصة اليوتيوب تباشر التغييرات، ولا نعرف بشكل محدد متى ستنتهي من وضع البرامج التي ستتولى كشف هذه المحتويات واستثناءها. على غرار جميع ظواهر الإنترنت التي تبرز بسرعة حتى يعتاد عليها الجميع ثم تختفي بسرعة فائقة هل سنرى تراجعا لظاهرة ناشري الفيديوهات. فبعد ظواهر المنتديات وماي سبايس وغرف سكايب الحوارية، هل سنشهد انحسار، وربما، اختفاء مهنة اليوتيوبر؟