بوشرت عملية خلق التوازن بين الجيش الأميركي وباقي الأطراف الأمنية في العراق، إثر كشف مسؤولين عراقيين في بغداد، أمس الثلاثاء، أن "الجيش الأميركي اتخذ إجراءات مشددة حول قواعده ومعسكراته في العراق، تتضمّن منع تواجد فصائل الحشد الشعبي في محيطها لمسافة لا تقل عن 20 كيلومتراً، وحصر تلك المهمة في قوات الجيش والشرطة المتشاركة أصلاً مع الجيش الأميركي في بعض القواعد، مثل عين الأسد في الأنبار وبلد في صلاح الدين".
جاء ذلك في ظلّ تصاعد التهديدات التي أطلقتها مليشيات الحشد وأحزاب سياسية يمينية مقربة من إيران، تجاه القوات الأميركية، مطالبة رئيس الوزراء حيدر العبادي، بـ"وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من البلاد". واعتبرت أن "تواجدها لم يعد له أي مبرر، بعد تحرير كامل الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم داعش".
في هذا السياق، ذكر موظف في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن "الجيش الأميركي شدّد من إجراءاته الأمنية حول قواعده ومعسكراته في البلاد، وأخذ تهديدات أطلقتها أخيراً فصائل من الحشد الشعبي على محمل الجد". وأكد أن "الجانب الأميركي وقوات أخرى موجودة في العراق ضمن عنوان التحالف الدولي لمحاربة داعش، اقتطعت ما يمكن اعتباره أرض حرام في محيط تواجدها، وأبلغت الحكومة بأن الحشد لن يكون باستطاعته الاقتراب منها، كونه يشكّل تهديداً أمنياً على حياة جنودها وعسكرييها". وأضاف أن "هذا الإجراء لا يشمل قوات الحشد العشائري أو حرس نينوى شمال العراق، المدعوم تركياً، كونه على تماسّ مباشر معها، وهناك أشبه ما يكون بتنسيق بين الطرفين".
واعتبر الموظف أن "عدم استماع المليشيات لطلبات العبادي بوقف تهديدها للقوات الأميركية في العراق، بات محرجاً بالنسبة للحكومة لدرجة كبيرة، خصوصاً أن تصريحات الحشد تتناسق مع تصريحات القادة الإيرانيين حول الموضوع ذاته. وكان آخرها تصريح مستشار قائد الثورة الإيرانية، علي أكبر ولايتي، الذي طالب بغداد بإخراج القوات الأميركية من العراق". وختم بالقول إن "الإجراء الأميركي يعني أنها ستستخدم القوة في حال استشعرت وجود خطر عليها من الحشد الشعبي".
وكان العبادي قد اعتبر، في لقاء مع محطة تلفزيون ألمانية، يوم الإثنين، أن "وجود القوات الأجنبية في بلاده بمثابة ضمان لعدم العودة إلى الوراء". وأكد أنه "لا يريد تكرار الخطأ الذي حدث نهاية عام 2011، حين انسحب الجيش الأميركي من العراق، ما أدى إلى دخول الإرهاب إلى بعض المناطق بعد عام وبضعة أشهر".
وأشار إلى أن "هذا الأمر مهّد لدخول تنظيم "داعش" الذي احتل مدنا بكاملها"، مبيناً أن "وجود القوات الأجنبية يضمن نجاح عمليات التدريب للقوات العراقية". وأشاد العبادي بالدعم اللوجستي والاستخباري المقدم من التحالف الدولي للقوات العراقية.
بدورها، هددت مليشيات النجباء والعصائب وحزب الله العراقي المرتبطة بمكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، العاملة ضمن "الحشد الشعبي" بـ"استهداف القوات الأميركية في العراق"، معتبرة خلال بيانات منفصلة صدرت عنها بالتزامن أن "تلك القوات محتلة وستتحول إلى أهداف شرعية كقوات احتلال في حال لم تنسحب من العراق".
مع العلم أن الحكومة العراقية اعتبرت أن "الجيش الأميركي ينفذ برنامج تدريب ودعم للقوات العراقية، ويقوم بإعادة بناء وحدات خاصة لمحاربة الإرهاب، فضلاً عن ترتيب المؤسسة العسكرية العراقية ودعم جهود تطوير سلاح الجو العراقي". وطالبت أوساط مدنية وكردية ببقاء أطول للقوات الأجنبية في العراق، وعلى رأسها الأميركية، خشية من الوجود الإيراني في العراق الذي اعتبروا أنه "أخذ شكلاً من أشكال الاحتلال التام للبلاد عبر السيطرة على قراره السياسي والعسكري والاقتصادي".
وحول ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، نيازي معمار أوغلو، إنه "لا يحق للقوات الأميركية إصدار قرارات منع أو تصريح من قبلها، خصوصاً فيما يتعلق بالقوات العراقية والحشد الشعبي المُصنّف من المؤسسات التابعة للحكومة العراقية". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى الآن ما نراه هو أن الجانب الأميركي مستمر في تدخله في العراق، ونجده غير مرتاح لوجود الحشد الشعبي فيه، خصوصاً بعد قرار دخوله الانتخابات".
من جهته، أفاد القيادي في التحالف الوطني الحاكم، كامل الزيدي، لـ"العربي الجديد"، أنه "من المفترض أن تكون القوات الأميركية قد أنهت عملها في العراق بعد هزيمة داعش، ويجب أن نفهم من الحكومة هل هذه القوات قتالية أم خبراء". وتابع أن "التهديدات والخطابات التي صدرت بخصوص القوات الأميركية لم تصل إلى مرحلة التحشيد والتلويح بالهجوم وموضوع اتخاذ الأميركيين إجراءات فيها مبالغة".
إلى ذلك، اعتبر العقيد محمد الدليمي في محافظة الأنبار، أن "الجيش الأميركي له إجراءات خاصة يتبعها ضمن سياقات عسكرية في أي مكان يتواجد فيه، وموضوع منعه الحشد غير جديد، فهو لا يتعامل إلا مع الجيش العراقي". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى بالنسبة لزعماء العشائر الذين يقاتلون تنظيم داعش، فيجب عليهم أخذ موافقة مسبقة قبل الدخول إلى منطقة تواجد القوات الأميركية، وهذا شيء معروف منذ مدة". وبيّن أن "ما حدث أخيراً هو تشديد القوات الأميركية تلك الإجراءات بعد التصريحات العدائية من قبل فصائل معينة داخل الحشد الشعبي".