لم تعد الأعياد فرصة للمّ شمل السورين ولقاء الأسر كما جرت العادة لعقود من الزمن، فالحرب غيّرت العادات وجعلت الظروف أكثر صعوبة، وتتحول إجازة عيد الأضحى في الشمال السوري فسحة للقاء العوائل لإتمام الفرحة أو جزء منها.
وبهذا الخصوص يوضح سمير طلال (46 عاما) بقوله: "اعتدنا أن نجتمع في كل عيد ببيت العائلة عند أبي، حيث نؤدي صلاة العيد ونعايد من نصادف بطريقنا في الشارع، ثم نذهب لبيت العائلة، حيث يكون الملتقى، فيجتمع أشقائي وشقيقاتي والأحفاد ونتبادل المباركات، واعتدنا على أن تكون القهوة العربية حاضرة دائما في بيت الوالد، والتي يكون لها رونق خاص وطعم ممزوج بروحانية العيد".
ويخبر طلال "العربي الجديد" أنه "بعد سنوات من الدمار والتهجير، انتقلت إلى تركيا حيث أعمل بالتجارة وأتردد إلى سورية بزيارات متقطعة، لكن لا أستطيع إدخال عائلي، وقبل عامين نزح أهلي من ريف إدلب الجنوبي باتجاه بلدة الدانا واستقروا هناك، فقررت مع أخي الذي يقيم مع عائلته في تركيا أن نتوجه لزيارة الأهل في الدانا، وبالفعل اجتمعنا مع والدي ووالدتي وبقية الأشقاء والشقيقات هناك، كون إجازة العيد هي فرصة لا تعوض لجمع الشتات".
ويضيف "مهما كانت الأمور جيدة في تركيا والحياة ميسرة لكن كنا نفتقد لهذا الشعور عندما نجتمع مع الأهل، ولم نكن نشعر بالعيد كما في السابق بل كان يمر كغيره من الأيام العادية".
أما بالنسبة لفاطمة مصطفى (40 عاما) فإن فرصة العودة إلى سورية أمر لا يفوت، وتقول لـ"العربي الجديد": "منذ أربع سنوات نقيم في مدينة إسطنبول، وفي هكذا مدينة كبيرة تصبح الحياة صعبة والروابط الأسرية تسير نحو الجمود والتكلس، الأولاد يذهبون منذ السابعة للعمل يعودون عند الثامنة ليلا، يتناولون طعامهم ثم يذهب كل منهم لغرفته، ليقضوا ما تبقى من وقتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي العيد نجتمع في الساعة الأولى بعد صلاة العيد فقط، ليفترق الجميع ويذهب كل منهم مع أصدقائه، وهكذا أصبح العيد مجرد اجتماع مدته ساعة تقريبا، ثم تزول كل البهجة".
وعن هذا العام توضح فاطمة قائلة "اتخذنا قرارا بالذهاب لسورية، والخروج من هذا الجو وقضاء العيد مع الأهل والأحباء، عل الأولاد يستعيدون شيئا من الروحانية التي فقدوها في مدينة إسطنبول المزدحمة، ويزورون أعمامهم وعماتهم، وأخوالهم وخالاتهم، ويمضون وقتا طيبا هناك، إنه أمر رائع".
وتردف فاطمة "شعور لا يوصف، منذ وصولنا رحب الجميع بنا، وبعدها شاركت أخواتي بصنع حلويات العيد من الكعك والمعمول، وأتممنا التحضيرات لليوم الأول كنت افتقدتها منذ سنوات، وأدعو الله أن تعود هذه الفرحة علينا وعلى جميع المهجرين والنازحين".
أما العشريني كريم عمر يوضح لـ"العربي الجديد" أن "إجازة العيد فرصة لزيارة الأهل، والعطلة الممنوحة لي من العمل هي أسبوعان فقط، وأتغيب أسبوعين آخرين، فأقضي شهرا كاملا مع أمي وأخوتي". ويتابع "والدي توفي منذ عشرة أعوام، وأخي الكبير مع عائلته في سورية أما أنا فأعمل في تركيا، وأستغل هذه العطلة لأزورهم وأقضي وقتي معهم، فهم فرحتي في هذه الحياة خصوصا أولاد أخي، الذين أحضر لهم أجمل ما أجد من الثياب".
ويقول محمود "العيد هو لم شمل الأسرة واجتماع الكل معاً، ونتبادل الحديث عن أحوالنا، متطلعين لأيام أفضل لنا، ونرجو أن تكون الأيام القادمة أفضل وأجمل".
بدوره يستغل يحيى إسماعيل (38 عاما) إجازة العيد للذهاب إلى سورية كما يفعل كل عام. ويشرح لـ"العربي الجديد" أنه كان يذهب وحده في إجازة من عمله مدتها 15 يوما، لكنه هذا العام ترافقه عائلته، وهذا يبعث الفرح لقلب والده المريض، الذي يسر كثيرا برؤيته ورؤية أحفاده.
ووصل آلاف السوريين إلى مناطق الشمال السوري قادمين من تركيا لقضاء إجازة العيد عبر معبري كليس الذي يصل تركيا بريف حلب الشمالي، ومعبر باب الهوى الذي يصلها بمحافظة إدلب. في حين لم تصدر إلى الآن أية أرقام عن أعداد السوريين الذين دخلوا سورية من تركيا لقضاء العيد، والذين تقول التقديرات إنهم تجاوزوا المائة ألف مواطن سوري.