فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية مواعيد الإجازات على مدارس القدس الفلسطينيّة، في إطار محاولاتها المستمرّة المهدّدة لهويّة التعليم الوطنيّة.
لا يجد زياد الشمالي، رئيس لجنة أولياء أمور تلاميذ المدارس التابعة لبلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس، تفسيراً لإجراءات البلدية وتعليماتها المتجددة القاضية بـفرض إجازات وعطل على تلاميذ مدارسها الفلسطينيين في القدس المحتلة، إلا أنّ بلدية الاحتلال ومعها وزارة المعارف الإسرائيلية تريدان طمس الهوية الوطنية للتعليم في القدس.
يأتي الإجراء الجديد بالتزامن مع محاولات البلدية والوزارة الإسرائيليتين الحثيثة لـفرض منهاج التعليم الإسرائيلي على تلاميذ هذه المدارس واستبدال امتحان التوجيهي الفلسطيني المعمول به منذ عقود بامتحان "بجروت" الإسرائيلي الذي يلغي الانتماء الوطني الفلسطيني في كل مواده، ويحاول تلقين التلاميذ في مراحل التعليم الأولى والوسطى معلومات لا تمتّ إلى تاريخهم وهويتهم بأي صلة.
يشير الشمالي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، إلى أنّ تعليمات بلدية الاحتلال الأخيرة حول إجازات مدارسها وعطلها، خصوصاً عطلة الربيع، هي المحاولة الثانية. هي حاولت في العام الماضي، لكنّ اتحاد أولياء الأمور وكذلك تلاميذ المدارس أحبطوها بعد رفضهم التعاطي معها. يقول: "اليوم يكررون المحاولة من جديد، والتعليمات الأخيرة التي تلقيناها تتعلق تحديداً بعطلة الربيع التي تبدأ في الأول من مارس/ آذار، ما يلزم المدارس بإغلاق أبوابها حتى أمام تلاميذ التوجيهي. وهؤلاء هم الأكثر تضرراً منها، إذ إنّهم في حاجة إلى الانتظام في الدوام لاستكمال المنهاج المقرّر في الامتحان".
وتغلق بلدية الاحتلال عامها الدراسي في الأول من يوليو/ تموز من كلّ عام، "الأمر الذي يمثّل عقبة أخرى أمام هؤلاء التلاميذ"، بحسب الشمالي، ويمنعهم من تقديم امتحاناتهم في مدارسهم، لانتظام مئات التلاميذ فيها. ويشرح أنّ "شروط تقديم الامتحان في أجواء هادئة ومناسبة تتطلب تخصيص قاعات بواقع 12-15 تلميذاً فقط".
ويؤكّد الشمالي على أنّ "المشكلة تأخذ كذلك بعداً آخر يتعلّق هذه المرة بالمدرّسين المكلفين بمراقبة تلاميذ التوجيهي أثناء امتحاناتهم. فهؤلاء المدرّسون سوف يتعذّر عليهم ترك صفوف التدريس الخاصة بهم والتفرّغ لمراقبة الامتحانات. بالتالي، تسعى البلدية إلى الضغط على الأهالي للقبول بامتحان بجروت والامتثال لتعليماتها في هذا الخصوص، من دون أن توحي بأنّها تفرض الامتحان والمنهاج الإسرائيليَين قسراً".
تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 15 مدرسة ثانوية في القدس المحتلة، من كفر عقب في الشمال حتى أم طوبا في الجنوب، تابعة لبلدية الاحتلال، تضمّ ما بين 2200 و2500 تلميذ توجيهي، من أصل 70 مدرسة تتبع للبلدية وتضمّ ما بين 65 ألفاً و70 ألف تلميذ. فيشكل هؤلاء ما نسبته 40 في المائة من تلاميذ مدارس القدس المحتلة الذين يراوح عددهم ما بين 110 آلاف و120 ألف تلميذ. يُذكر أنّ المدارس التي نجحت بلدية الاحتلال في فرض المنهاج الإسرائيلي على بعض صفوفها، لا يتجاوز عددها 13 مدرسة، فيما طُبّق المنهاج حتى الآن على نحو 1800 تلميذ فقط.
من جهته، يقول الباحث المتخصص في شؤون التعليم في القدس راسم عبيدات، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القرار يأتي بعد جملة قرارات سابقة للسيطرة على العملية التعليمية، من قبيل ربط التمويل وعمليات ترميم المدارس في القدس بتدريس المنهاج الإسرائيلي. كذلك كان قرار بجعل شعار العام الدراسي الحالي شعار توحيد القدس، أي مرور خمسين عاماً على احتلالها. واليوم، يُفرض جدول الإجازات الإسرائيلية على المدارس العربية في القدس الشرقية".
ويلفت عبيدات إلى أنّ "امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) تجري في العادة حين تكون المدارس خالية من التلاميذ، ليسمح بتوزيع المتقدّمين إلى الامتحانات على غرف الصفوف، فلا يزيد عددهم في كلّ غرفة عن 15 تلميذاً. أضف إلى ذلك أنّ المدرّسين جميعاً يتفرّغون لمراقبة الامتحانات". يتابع: "وفي حال لم يُصَر إلى ذلك، تُسجّل فوضى وإرباك في المدارس حيث قاعات الامتحانات، إذ يكون تلاميذ الصفوف الأخرى فيها. وهذا ما يعني عدم تركيز وتشتيت جهد وعدم قدرة على ضبط الأوضاع في القاعات".
ويتوقّع عبيدات أن "يُنفَّذ في وقت لاحق القرار الإسرائيلي في المدارس الرسمية التي تشكل نحو 42.8 في المائة من مدارس القدس الشرقية، وذلك في محاولة لتطبيق الجدول الإسرائيلي على المدارس غير الرسمية أيضاً التي تضمّ نحو 40 في المائة من تلاميذ القدس الشرقية".
وحول دور السلطة الفلسطينية في مواجهة هذا القرار، يقول عبيدات إنّ "دورها هامشيّ جداً في هذا الإطار. فالمدارس التي سوف يطبق عليها قانون الإجازات، هي مدارس ثانوية تشرف عليها بلدية الاحتلال ودائرة معارفه. بالتالي، الدور الأساسي هو للجان أولياء الأمور والأهالي. هي القوة الحاسمة التي تستطيع التصدّي لمثل هذا المشروع الخطير وإسقاطه". ويشدّد على أنّه لا يعوّل على السلطة الفلسطينية، "إذ أدوات ضغطها وقدرتها على المواجهة محدودة في القدس".
إلى ذلك، تؤكّد سوسن الصفدي، وهي مديرة العلاقات العامة والدولية والإعلام التربوي في مديرية التربية والتعليم في دائرة الأوقاف العامة في القدس، ما سبق وصرّح به رئيس لجنة أولياء الأمور، فتقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "القرار ليس جديداً، بل هو من المحاولات المستمرة التي بدأت في العام الماضي وتصدّت لها لجنة أولياء الأمور، ليُصار إلى التخلي عنها من قبل البلدية الاحتلالية بعد لقاء عقدته مع اللجنة في ذلك الحين". وتشدّد الصفدي على أنّ "الخطر يكمن في ما يخططون لتطبيقه، ليس عبر التدخّل في مواعيد العطل والإجازات، إنّما عبر التدخل في أجندة تلاميذ التوجيهي. فهؤلاء لن يتمكنوا من تقديم امتحاناتهم وفق الشروط المناسبة وفي أجواء تؤمّن الراحة النفسية والهدوء".
وتتخوّف الصفدي من "محاربة امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، إذ هو امتحان فلسطيني، وبالتالي محاربة المنهاج الفلسطيني. فيأتي ذلك كرسالة موجّهة لتلاميذ التوجيهي لاعتماد امتحان بجروت الإسرائيلي بديلاً من الامتحان الفلسطيني". وتأمل في أن "تُفشِل لجان أولياء الأمور هذا العام المحاولة الجديدة لبلدية الاحتلال. فهي الأقدر على مواجهته والاحتجاج عليه".
تأكيد على الصمود
اجتمع أولياء أمور تلاميذ مدارس بلدية الاحتلال أخيراً مع وزير التربية والتعليم الفلسطيني صبري صيدم ومدير تربية القدس المحتلة، سمير جبريل، ووضعوهما في صورة التعليمات الإسرائيلية الجديدة. فكان تأكيد على صمود أولياء الأمور والتلاميذ وتصديهم لمحاولات البلدية الاحتلالية وإفشالها كما حدث العام الماضي. كذلك تواصلوا مع منظمات حقوقية مختلفة.