أي مستقبل ينتظر اللاجئين الفلسطينيين في سورية؟
حذّرت وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين (أونروا)، مرات، من خطورة الوضع اللاإنساني الخطير الذي يواجهه اللاجئون الفلسطينيون في سورية، وذكرت في تقارير لها أن المجاعة والأوبئة تحاصرهم، وتحديداً في مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق. وفي هذا السياق، ونتيجة القصف العشوائي للمخيمات، اضطرت نسبة كبيرة من سكان المخيمات الفلسطينية في سورية للنزوح عنها، إلى مناطق أكثر أمناً في دمشق، أو إلى خارج سورية. حيث لم تفلح خطابات النأي بالنفس لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، منذ بداية الاحتجاجات في سورية، من منع دخول اللاجئين في أتون المعادلة السورية.
قدر اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في سورية في نهاية عام 2012 بنحو 525 ألفاً، بحسب مصادر "أونروا". كان يتركز 69% في العاصمة دمشق والمخيمات في ضواحيها، مثل اليرموك، سبينة، جرمانا، خان الشيح، السيدة زينب، ذانون، الرمدان، الحسينية، بحسب الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سورية، ويتوزع الباقون (31%) على المحافظات الأخرى، اللاذقية، حلب، حماه، حمص، درعا، والمخيمات فيها، مثل حندرات والنيرب في حلب، والرمل في اللاذقية، والعائدين في محافظتي حمص وحماة في وسط سورية.
بشكل عام، كان يتركز في عشرة مخيمات تعترف بها الوكالة في سورية نحو 30% من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين في سورية حتى نهاية عام 2012، وترتفع النسبة إلى 60% إذا أخذنا في الاعتبار سكان مخيم اليرموك من اللاجئين الفلسطينيين، والذي وصل مجموع سكانه إلى 152 ألف فلسطيني قبل ضربة جامع عبد القادر الحسيني بطيران الميغ يوم 16-12-2012، حيث فرّ غالبية سكان المخيم، ولم يبق سوى 15 ألفاً حتى بداية سبتمبر /أيلول الحالي، يتركزون بشكل رئيس في جنوب المخيم ووسطه، حيث استشهد نتيجة الحصار220 لاجئاً، غالبيتهم أطفال وشيوخ.
وتبعاً لاستمرار المعاناة في سورية بشكل عام، حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين (أونروا) من الوضع الإنساني الخطير للاجئين الفلسطينيين، وقالت إن المجاعة والأوبئة تحاصرهم في مخيم اليرموك. وقال مدير عمليات الوكالة في سورية، مايكل كنجزلي، مراتٍ، إن ما بين 15 ألفا و20 ألف لاجئ فلسطيني محاصرون في ظروف إنسانية خطيرة في المخيم. وأوضح أن وضعهم خطير للغاية، وتحاصرهم مجاعة وأوبئة، ودعا الحكومة السورية لتوفير الحماية اللازمة للاجئين الفلسطينيين، وأفاد بأن ثمانية من موظفي الوكالة قُتلوا أثناء تأديتهم عملهم، ويعتبر 19 موظفاً مفقودين. وتذكر تقديرات عديدة أن نحو 65% من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية، المقدر بنحو 540 ألفاً في صيف العام الحالي 2014، باتوا في عداد المهجرين داخل سورية وخارجها. وتؤكد إحصاءات أن أكثر من أربعين ألفا من اللاجئين لجأوا إلى لبنان التي يوجد فيها أصلاً أكثر من 300 ألف لاجئ فلسطيني منذ1948 ، في حين لجأ إلى مصر نحو ستة آلاف لاجئ فلسطيني لا تستطيع "أونروا" تقديم أي مساعدات لهم، لعدم وجود أي تمثيل لها هناك، ولاحقت رحلة الموت نحو مائتي لاجىء فلسطيني، فروا من سورية، وغرقوا في البحر المتوسط قبالة الشواطئ المصرية والليبية.
ويشار إلى أن مئات من فلسطينيي سورية الذين نزحوا عنها، تمّ وصولهم بزوارق إلى إيطاليا، ثم إلى السويد وغيرها من الدول الأوروبية التي منحتهم حق الإقامة ولم الشمل مباشرة، بعد رحلات الموت من شواطئ مصر وليبيا وتركيا في الشهور الماضية، فيما اغلقت الحدود الأردنية بوجه اللاجئين الفلسطينيين بشكل شبه كامل، ما استدعى مطالبة "أونروا" الدول كافة إبقاء حدودها مفتوحة في وجه الفلسطينيين الفارين من سورية.
وقد أعطى المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين صورة قاتمة عن وضع الفلسطينيين في فلسطين وفي دول الشتات. والخطير في قوله تغيير ما وصفها خارطة الشتات الفلسطيني في ظل التغييرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، ما يدفع إلى الاعتقاد أن حالة النزوح والتهجير ستطال مزيداً من اللاجئين الفلسطينيين في سورية ، وغيرها من الدول العربية. وعلى رغم رفع شعار النأي بالنفس، فإن الوضع الخطير والمتشعب في سورية أدى، في نهاية المطاف، إلى زج المخيمات في المعادلة السورية التي باتت أبعد من الجغرافية السياسية لحدود الدولة السورية. ولهذا، يبدو الحديث عن قرب التوصل إلى أي اتفاق لتحييد المخيمات عن المعادلة السورية، على رغم الزيارات المكوكية لقياديين من منطمة التحرير وحركة فتح لسورية، أمراً غير واقعي، لأسباب عديدة، في مقدمتها الانتشار الجغرافي للمخيمات الفلسطينية في المدن السورية، ناهيك من انحياز بعض الفصائل إلى أحد طرفي المعادلة السورية.
وتبعاً لاستمرار المشهد الدموي، واستهداف المخيمات وحصارها، وملاحقة الشباب الفلسطيني واعتقاله، يشهد المتابع عمليات فرار الى منافي قريبة وبعيدة، بعد أن ساهم اللاجئون الفلسطينيون في سورية منذ عام 1948 في ميادين الحياة كافة، في عملية الإعمار، وفي الرياضة، وفي التعلم والتعليم، والمسرح والتمثيل، والتعليم العالي أيضاً. والشواهد كثيرة. وفي هذا المعنى، كان اللاجىء الفلسطيني ذخراً لسورية، وليس عبئاً عليها، وساعدته في ذلك تركيبة الشعب السوري السمحة، في ظل تعدد الطوائف والقوميات.