14 نوفمبر 2024
أيهما أخطر.."الإخوان" أم "داعش"؟
لا يمكن أن تكون الاحتفالات الشعبية بالإيلام لرموز الحركة الإسلامية في الأردن عفوية، وغير مرتبة، لكنها مع ذلك ذات دلالة لا تخطئها العين. صحيح أن وراء كل حدث لافت "مُخرجاً" ذكياً متقناً لعمله. ولكن، لنقل أيضا إن هذا العمل لم يكن لينجح، لو لم يجد هوى في نفوس المحتفين، سواء أرادوا إغاظة الرسميين، أو لفت نظرهم، أو حتى الانتقام منهم. إلى هذا كله، من الظلم أيضا أن نحرم تلك "الرموز" من "مَعزّة" وحب الناس لها، وتقديرهم لها، بل احتضانهم لها ولما تمثله من "دعوة"، هي، في تعبيرها البسيط الشعبي، دعوة "إسلامية"، وفق المعيار المستقر في العقل الجمعي العربي البسيط: "لا تخاف من اللي بخاف ربه".
تلك الولائم التي نظمت، هنا وهناك، في المحافظات وفي معاقل "النظام" والولاء، لم تكن لتكون، إلا بعد أن مُنع حفل الإفطار المركزي إياه الذي كانت تنوي الحركة الإسلامية تنظيمه في بداية رمضان، ولو تم لما رأينا تلك الاحتفالات. وبهذا المعنى، يمكن أن نقول، في ميزان الربح والخسارة، إن المنع كان خيرا للحركة، وفي صالحها. وقد لاحظتُ أن كثيرين من أصحاب الرأي، والنخب المحلية، بدأت تتعاطف مع الحركة الإسلامية، التي بدت في لباس "المظلومية"، أكثر جذبا لهؤلاء، بل قرأت آراء في غاية الجذرية، بدأت تستشعر الاستهانة الرسمية بالكل، وعدم الاهتمام بمشاعر أحد، في ظل سيطرة الملفات الأمنية الثقيلة عليها، بعد قرار الكونغرس الأميركي رفع مستوى التعاون العسكري مع الأردن إلى مستويات قياسية، ما ينذر بإقبال الأردن على دراما عسكرية، من نوع ما، سيكون لها ظلال ثقيلة على كل ملفات البلد الأمنية وغير الأمنية.
قبل صدور القرار المصري الذي يحظر "الإخوان المسلمين" في مصر، كان صدر قبل هذا قرار عملي على الأرض، ولم يكن ينقص إلا صدوره "رسميا" من المحكمة، فالجماعة كانت محظورة فعلاً، وأعضاؤها كانوا ملاحقين، ومقراتها مغلقة أو مستباحة للبلطجية وأولاد الشوارع. والحقيقة أن ذلك القرار لم يجلب الاستقرار لمصر، لأن هذه الجماعة لم تستمد "شرعيتها" الفعلية، يوماً، من القوانين الوضعية، ولنتذكر أن اللازمة اللغوية التي التصقت باسم جماعة الإخوان في مصر، طوال سنوات، هي "المحظورة رسميا"، ومع ذلك، كانت ملء السمع والبصر، على الرغم من الحظر "الرسمي".
ليست جماعة الإخوان في مصر، أو في غيرها، تنظيما بالمعنى الحر في للكلمة، بل هي فكرة وحركة، والمنتمون فكريا لهذه "الفكرة" أضعاف أضعاف المنتمين لها تنظيمياً، وحظرها كتنظيم مؤثر ولا شك في البعد التنظيمي، لكنه، في البعد الفكري، لا أثر له على الإطلاق، بل سأجازف وأقول إن حظرها كتنظيم يفيدها أكثر بكثير من كونها تنظيماً فوق الأرض، وبمقرات وأنشطة علنية، لأن هذه الجماعة تتقن دور العمل بعيداً عن الأعين، أكثر بكثير من اتقانها العمل في رابعة النهار. وبتعبير آخر، الأخ المسلم يجيد دور الملاحق والمسجون والمحظور أكثر من إجادته دور حامل الشعار رسميا، وقد ثبت تاريخياً أن كل من "حظر" الجماعة ذهب واندثر، وبقيت الجماعة تنمو وتتوالد وتكبر. ولو حصرنا المحن والملاحقات والمطاردات التي تعرضت لها الجماعة في بلاد العرب، لكان حريا بها أن تختفي وتذوب، لكنها بقيت ورحل خصومها، ليس لأن أصحابها عباقرة وفطاحل، بل لأنها فكرة بسيطة، تستمد نسغ حياتها من بساطة الإسلام وفطرته. لذلك، يستحيل على أي نظام أن يشطبها من التاريخ، ولو كان ثمة من يجيد هذا الدور لما سبق أحد في هذا الأمر الجنرال بن علي في تونس، أو البكباشي عبد الناصر في مصر.
يمكن منع الإخوان من "عزيمة" الناس، والإيلام لهم. ولكن، من يمكنه منع الناس من "عزيمتهم" والخروج لاستقبالهم على ظهور الخيل، كما فعل أهل الكرك، جنوب الأردن، حينما استقبلوا رموز الحركة الإسلامية الأردنية بالمواكب التي لا تنظم إلا لكبار القوم؟
ما يدور في أوساط بعض النخب الأردنية سؤال على جانب كبير من الأهمية، هو: كيف تنجح الدولة في حربها على الجماعات الجهادوية "المتطرفة"، وهي تعلن الحرب على جماعة إسلامية، كانت ولم تزل، غاية في الاعتدال. وكانت أيضا على الدوام جزءا من النظام السياسي الأردني، وشاركت بفاعلية في الحياة السياسية، ووصل حجم هذه المشاركة، ذات يوم، إلى أن تكون في الوزارة؟ من يقنع الشباب المسلم المتحمس، بعد استهداف الحركة الإسلامية، الأكثر اعتدالا، بجدوى العمل الدعوي "السلمي"، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والمشاركة في "اللعبة الديمقراطية"؟
لعب "الإخوان المسلمون" في الأردن، وفي غيره من البلاد العربية، دور "الإسفنجة" الماصة للطاقات الشبابية، فكانت ملاذا للمتحمسين للعمل الدعوي، وكلما لوحق "الإخوان"، وأغلقت مقارهم، في أي بلد عربي، فُتحت الفرصة لتأسيس جماعات توصف بالتطرف والغلو والشطط، وما تجربة مصر بعيدة. واليوم، حين يُمنع هؤلاء من العمل الإسلامي العلني، ويُضيّق عليهم (وقد يُشطبون من الوجود الرسمي) لصالح جماعة بديلة، جرى الترخيص لها لتحل محل الإخوان المسلمين، ولا تحظى بأي مصداقية شعبية أو جماهيرية، أين يذهب كل هؤلاء الشباب؟ أليست مثل هذه الملاحقات دعاية مجانية للحركات الجهادوية "المتطرفة"، ودعوة مفتوحة لتيئيس الشباب من أي عملٍ، يتسم بالشراكة مع مؤسسات المجتمع الرسمية؟
الاستقبال الاحتفالي لرموز الإخوان المسلمين في الكرك على ظهور الخيل، رسالة بالغة الأهمية، لكنها على الأغلب لن تصل إلى صناع القرار الذين بدا أنهم ماضون في خياراتهم الملتبسة، مهما كان الثمن الذي سيدفعه الأردن، شعباً ونظاماً.
قبل صدور القرار المصري الذي يحظر "الإخوان المسلمين" في مصر، كان صدر قبل هذا قرار عملي على الأرض، ولم يكن ينقص إلا صدوره "رسميا" من المحكمة، فالجماعة كانت محظورة فعلاً، وأعضاؤها كانوا ملاحقين، ومقراتها مغلقة أو مستباحة للبلطجية وأولاد الشوارع. والحقيقة أن ذلك القرار لم يجلب الاستقرار لمصر، لأن هذه الجماعة لم تستمد "شرعيتها" الفعلية، يوماً، من القوانين الوضعية، ولنتذكر أن اللازمة اللغوية التي التصقت باسم جماعة الإخوان في مصر، طوال سنوات، هي "المحظورة رسميا"، ومع ذلك، كانت ملء السمع والبصر، على الرغم من الحظر "الرسمي".
ليست جماعة الإخوان في مصر، أو في غيرها، تنظيما بالمعنى الحر في للكلمة، بل هي فكرة وحركة، والمنتمون فكريا لهذه "الفكرة" أضعاف أضعاف المنتمين لها تنظيمياً، وحظرها كتنظيم مؤثر ولا شك في البعد التنظيمي، لكنه، في البعد الفكري، لا أثر له على الإطلاق، بل سأجازف وأقول إن حظرها كتنظيم يفيدها أكثر بكثير من كونها تنظيماً فوق الأرض، وبمقرات وأنشطة علنية، لأن هذه الجماعة تتقن دور العمل بعيداً عن الأعين، أكثر بكثير من اتقانها العمل في رابعة النهار. وبتعبير آخر، الأخ المسلم يجيد دور الملاحق والمسجون والمحظور أكثر من إجادته دور حامل الشعار رسميا، وقد ثبت تاريخياً أن كل من "حظر" الجماعة ذهب واندثر، وبقيت الجماعة تنمو وتتوالد وتكبر. ولو حصرنا المحن والملاحقات والمطاردات التي تعرضت لها الجماعة في بلاد العرب، لكان حريا بها أن تختفي وتذوب، لكنها بقيت ورحل خصومها، ليس لأن أصحابها عباقرة وفطاحل، بل لأنها فكرة بسيطة، تستمد نسغ حياتها من بساطة الإسلام وفطرته. لذلك، يستحيل على أي نظام أن يشطبها من التاريخ، ولو كان ثمة من يجيد هذا الدور لما سبق أحد في هذا الأمر الجنرال بن علي في تونس، أو البكباشي عبد الناصر في مصر.
يمكن منع الإخوان من "عزيمة" الناس، والإيلام لهم. ولكن، من يمكنه منع الناس من "عزيمتهم" والخروج لاستقبالهم على ظهور الخيل، كما فعل أهل الكرك، جنوب الأردن، حينما استقبلوا رموز الحركة الإسلامية الأردنية بالمواكب التي لا تنظم إلا لكبار القوم؟
ما يدور في أوساط بعض النخب الأردنية سؤال على جانب كبير من الأهمية، هو: كيف تنجح الدولة في حربها على الجماعات الجهادوية "المتطرفة"، وهي تعلن الحرب على جماعة إسلامية، كانت ولم تزل، غاية في الاعتدال. وكانت أيضا على الدوام جزءا من النظام السياسي الأردني، وشاركت بفاعلية في الحياة السياسية، ووصل حجم هذه المشاركة، ذات يوم، إلى أن تكون في الوزارة؟ من يقنع الشباب المسلم المتحمس، بعد استهداف الحركة الإسلامية، الأكثر اعتدالا، بجدوى العمل الدعوي "السلمي"، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والمشاركة في "اللعبة الديمقراطية"؟
لعب "الإخوان المسلمون" في الأردن، وفي غيره من البلاد العربية، دور "الإسفنجة" الماصة للطاقات الشبابية، فكانت ملاذا للمتحمسين للعمل الدعوي، وكلما لوحق "الإخوان"، وأغلقت مقارهم، في أي بلد عربي، فُتحت الفرصة لتأسيس جماعات توصف بالتطرف والغلو والشطط، وما تجربة مصر بعيدة. واليوم، حين يُمنع هؤلاء من العمل الإسلامي العلني، ويُضيّق عليهم (وقد يُشطبون من الوجود الرسمي) لصالح جماعة بديلة، جرى الترخيص لها لتحل محل الإخوان المسلمين، ولا تحظى بأي مصداقية شعبية أو جماهيرية، أين يذهب كل هؤلاء الشباب؟ أليست مثل هذه الملاحقات دعاية مجانية للحركات الجهادوية "المتطرفة"، ودعوة مفتوحة لتيئيس الشباب من أي عملٍ، يتسم بالشراكة مع مؤسسات المجتمع الرسمية؟
الاستقبال الاحتفالي لرموز الإخوان المسلمين في الكرك على ظهور الخيل، رسالة بالغة الأهمية، لكنها على الأغلب لن تصل إلى صناع القرار الذين بدا أنهم ماضون في خياراتهم الملتبسة، مهما كان الثمن الذي سيدفعه الأردن، شعباً ونظاماً.