أيها الغبيّ.. صفِّق "بحرارة"

28 أكتوبر 2014

لا أحبك ميتاً، صفّق يا صديقي (Getty)

+ الخط -

(إلى صديق "اشتراكي" من خريجي سجون الأسد)     

صديقي عليّ، أيها "الاشتراكي" البائس، كفاك تحسّساً لعنقك، فلن يشفع لك تاريخك النضالي، إذا اقترب سيف "داعش" من رقبتك المحنية كغصن في الخريف العربي الأجرد.

لا تلمني إذا وجدتني أكاد أنفرط، الآن، قهقهة على "شرّ البلية" الذي أوصلك إلى لحظة فارقة، تساوى فيها رأسك مع رأس "النظام" الذي كان قد سامك سوء القمع في أرض الشام، على الرغم من أنك "اشتراكي" مثله، لا لشيءٍ سوى لأنك لم تكن تصفق بـ"حرارة" لتمجيد "القائد الأول"، و"المعلم الأول"، و"العامل الأول"، و"المطرب الأول".

هي ليست نكتة يا صديقي، وعليك أن تحمد الله لأنك نجوت من حبل المشنقة، لقاء هذا الجرم الفظيع في بلد "اشتراكي"، وإلا لكان مصيرك مطابقاً لمصير رفيقك الأممي، الكوري الشمالي، جانج سونج ثايك، زوج عمة الزعيم، والذي قضت محكمة عسكرية في بلده بإعدامه، بتهم عدة، منها أنه "لم يكن يصفق بحرارة في المؤتمرات الحزبية"، علماً أنه كان يعدّ الرجل "الثاني" في كوريا الشمالية، وربما لهذا السبب تحديداً، تم الإجهاز عليه، خشية أن يصبح "الأول". أما درجة "الحرارة" المطلوبة للتصفيق، فالشيطان وحده أعلم بها على مقياس "الرفاق".

وأشهد أنك تحمّلت صنوفاً رهيبة من العذاب في سجون النظام السوري، لكنك أبداً ما تخليت عن حب الشام، ولا فقدت إيمانك بمبادئك؛ على الرغم من أنك كنت "اشتراكياً" من طرف واحد، تعطي ولا تأخذ، وجيبك مفتوح دوماً للآخرين، من دون أن يفتح لك أحد جيبه في المقابل. وكنت جسداً قابلاً للتضحية عند أدنى اختبار وطني حقيقي، في وقت يلوذ فيه "الرفاق" بأثداء الغانيات ومؤخرات الراقصات.

أما اليوم، فمطلوب منك أن تكون "اشتراكياً" مع النظام الذي أثكلك وعذبك وأفقرك في مواجهة "الدواعش". ومطلوب منك أن تقدم عنقك، قبل عنقه، فداء للوطن. ولن يشفع لك نقاؤك، وعدم تصفيقك "بحرارة" للنظام المحتضر، عند سيف "داعش"، لأنك في نظر هذا التنظيم، القادم من كهوف التاريخ، جزء من النظام "الملحد".   

ومما يزيدني ضحكاً حدّ البكاء، أنك حين قررت، قبل سنوات، النجاة بيديك غير المصفقتين، وارتأيت أن تستجير بنار نظام عربي آخر، هرباً من رمضاء نظام بلدك، ألقي القبض عليك، وعانيت مرارة سجون أخرى، لأنك رفضت "التصفيق بحرارة"، أيضاً، للنظام الجديد.

ولعلك، يا علي، تمثل رمزاً للمعارضات العربية النقية التي ترفض المساومة على مبادئها، وتؤثر السجن والفقر والجوع على "التصفيق". لكن، يا صديقي، أراك متعباً وأرثي لحالك، وأنت صاحب أحلام كبيرة لم يبق منها ما يدثّر جسدك في البرد، أو يسد رمق أطفالك في السَّغب. والأهم أنها لن ترد عنك سيف "داعش" الذي بات أقرب إليك من سوط الجلادين الذين تناوبوا على جسدك، منذ عهد المدّ القومي، إلى عهد "الجزر" القُطْري.

هل كان صعباً أن تصفق "بحرارة"، ولو مرة واحدة يا عليّ؟ دعني من كل عباراتك الساخرة حين كنت تقول لي: "كلما حاولت التصفيق لزعيم صفعتني يداي"، وربما كان الأجدى أن تكون من المعارضات المتقلبة التي قد تصفع مؤخراتها إذا مرّ يوم لم تصفق فيه لأي زعيم، أو تتعمد أداء الصلوات في "البارات" لإرباك مخبري الأنظمة العربية، من مختلف التلاوين والاتجاهات، فتكون "إسلامياً" عند الأنظمة التي تدّعي الإسلام، وشيوعياً عند أخرى تزعم "الاشتراكية".

صديقي علي: لا أحبك ميتاً. صفق يا صديقي، وعش مثلنا، صفق بحرارة، صفق للأنظمة كلها، وصفق لداعش إذا لزم الأمر، لأن كل المتحالفين ضدها اليوم سيكونون أول من يصفق لها غداً إذا أصبحت نظاماً عربياً كالأنظمة الأخرى. صفق بحرارة أيها الغبي.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.