أين روسيا حامية "الممانعة"؟

06 اغسطس 2014

بوتين ونتنياهو في لقاء لهما في الكرملين (نوفمبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -


لم يُرَ دور لروسيا، حتى في سياق المحاولات الحذرة والخجولة، لوقف المجازر التي تقترفها إسرائيل في غزة. والمفارقة ترتسم، حين نتذكر أن المقاومة دون سواها هي الجذع السميك، الذي يُفترض أن يتصل به ذلك الفرع العجيب الأجرد الذي لم يورق ويسمونه "ممانعة". الروس، في سائر الأيام التي لا تتخللها مجازر، يساندون بقوة هذه "الممانعة" المفترضة. معنى ذلك حُكماً، إن لم تكن هناك مساندة روسية للمقاومة؛ ينبغي، على الأقل، أن تكون هناك خطوات روسية تجعل مجازر المحتلين الإسرائيليين الوحشية، مكلفة عليهم سياسياً واقتصادياً (وحتى اجتماعياً بحكم وجود مئات آلاف اليهود ومن منتحلي اليهودية الروس في إسرائيل). فلو ظلت روسيا، في كل يوم، على مدار شهر المذابح، تُصدر بيانات إدانة قوية، مع الإعلان عن خطواتٍ تتعلق بسفر مجرمي الحرب الموسومين، من العسكريين، إلى روسيا، أو بوقف التعاون في أبسط القضايا؛ لكان ذلك إضافة مهمة للضغوط الدولية على الوحش المنفلت!

أين هذا "الكبير" العنيد، الذي كان سبباً رئيساً في استمرار المقتلة اليومية الفظيعة للشعب العربي السوري؟ أين هذا "المستنير" و"العلماني" و"خصم الظلامية الأصولية" من عربدة الظلاميين الأصوليين الصهاينة، ومن ممارستهم قتل الأطفال والنساء بالجملة في كل يوم؟ أين هذا الغيور على "الجيش العربي السوري"، وعلى وحدة سورية، إن كان هذا الجيش حقاً قد أعد للقتال ضد المحتلين؟ فالمحتلون هم الذين يُقتلون في غزة وفي الضفة. وكيف يقنعنا الروس بأنهم ضد الإرهاب، وأصحاب شكاية من الإرهابيين، بينما إرهابيو الأطراف في حدود روسيا لم يقتلوا، في تاريخهم كله، عدداً يساوي ضحايا أبرياء سقطوا في يوم واحد، بيد الإرهاب الصهيوني؟

نعلم أن الترفق بإسرائيل بات من مقتضيات السياسة الروسية، في سعيها إلى إحداث ثغرة في حصار الغرب لروسيا على أي صعيد. ونعلم أن بوتين يحافظ على نقطة الالتقاء الحميمة مع الأميركيين، هي الغرام بإسرائيل. ونعلم أن إسرائيل هي العضو المدلل في رابطة المتكلمين بالروسية "راسوفون". ونعلم أن في روسيا أكبر الجاليات الإسرائيلية في الخارج (80 ألفاً)، ولهم مراكزهم المؤثرة في الحياة الاجتماعية والثقافية الروسية. ونعلم أن هناك 60 رحلة جوية أسبوعية بين موسكو وتل أبيب. ونعلم أن روسيا وإسرائيل اتفقتا في العام 2004 على عقد قران التصنيع العسكري الروسي مع التقنية الإسرائيلية، وأبرمتا بالشراكة، مثلاً، عقداً مع الهند، لتزويدها برادار متطور، محمول على طائرة من نوع "اليوشن"، وقبضتا معاً ملياراً ومائة مليون دولار من الهنود. ونعلم أن روسيا، منذ العام 2009 بدأت في شراء الطائرات بدون طيار، ودفعت لإسرائيل مقابل هذه السلعة وحدها 553 مليون دولار، ثم أصبح الإنتاج مشتركاً، في العام 2012، وصار السلاح معتمداً في الجيش الروسي، نُقل بعضه للدفاع عن "الممانعة" في سورية، ما يجعلنا نسأل: ما علاقة ذلك كله بهذه "الممانعة"، وما علاقته بالعدالة وبالدور الدولي النظيف الذي تطمح إليه روسيا، وهي تعمّق وتوسع الشراكة وتوسعها مع دولة ظلامية مجرمة وإرهابية؟

نعلم، أيضاً، وليس كل العلم إثماً، أن روسيا هي المزود الأكبر لإسرائيل بالنفط الخام، ويأتي بعدها بلدان يقعان ضمن نفوذها (كازاخستان وأذربيجان). ونعلم أن روسيا أبرمت مع إسرائيل في العام 2008 اتفاقية إلغاء التأشيرة، وهذا لم تفعله مع سورية. ونعلم أن روسيا أبرمت مع إسرائيل، في العام نفسه، اتفاقية لإقامة شبكة اتصالات مشفّرة بين مسؤولي البلدين، لجعلهم أقرب بعضهم إلى بعض، على نحو ما شرح محلل سياسي روسي (ليت الجانب الروسي همس، عبر هذه الشبكة، بنصيحة جزئية للطرف الذي يقتل، طالباً منه استثناء الأطفال الفلسطينيين من حمم القنابل الفتاكة).

نعلم، كذلك، أن الروس أبرموا في العام 2012 اتفاقية تعاون مع إسرائيل في مجال الفضاء، قوامها تطوير برامج الأبحاث المشتركة، والتعاون في مجالات الفيزياء الفلكية وبحوث الكواكب والبحوث الطبية الفضائية. بل إننا نعلم، ونحن نتقصّى امتدادات هذا الكيان الغاصب، لكي نعرف ماذا نفعل، وكيف نعتمد سياسة مجدية؛ أن الروس وقعوا مع إسرائيل، في العام المنصرم، اتفاقية تعاون في المجال النووي، لتوسيع مشروعات التقنية الذرية، وفوق ذلك تطوير المواد المشعة المستخدمة في علاج الأسنان!

طالما أن الأمر وصل إلى التعاون في معالجة الأسنان عبر الذرة، لماذا لم يكن ثمة علاج أو تعديل لأسنان الوحش، عبر شبكة الاتصالات المشفّرة؟! لا نعلم الجواب عن هذا السؤال، ولا الجواب عن سؤال: ما علاقة هذا كله، بحماسة موسكو للدفاع عن نظام الأسد بأكلاف مقتطعة من خبز المواطنين الروس الأصدقاء؟ أو ما علاقة هذا كله برفد العنفوان الإيراني النووي والتسليحي، إن لم يكن شطب ما تبقى في أيدي العرب من قدرة على تحديد مصائرهم، والتحكم في ثرواتهم؟

لم نكن ننتظر من روسيا، أكثر من موقف، يعزز النص السياسي الهزيل، بإجراء بسيط، وهو الإعراب عن الأسف لعدم قدرة روسيا على السماح لمجرمي الحرب بالدخول إلى بلادها، ولن تعجز موسكو عن إعداد قائمة بأسمائهم.