أسبوعٌ مرَّ على كارثة الانفجار الذي هزّ مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الماضي. تاريخٌ لن يمحى بسهولة من ذاكرة اللبنانيين، كيف ذلك وكلّ عائلة سقطت لها ضحية، أو جريح أو دُمّر منزلها وتشرّدت.
أسبوعٌ مرَّ ولا تطوّرات ملموسة في التحقيقات، في وقت اقتصر الحديث عن ارتفاع في أعداد الضحايا، والعثور على مفقودين متوفين، وبعض التوقيفات التي طاولت رؤوساً أمنية وإدارية غابت عنها الرؤوس السياسية الكبيرة بعدما تنصّل الجميع من المسؤولية.
وأعطت النيابة العامة التمييزية اليوم الثلاثاء، التعليمات اللازمة لإيداعها الموقوفين، وقد وصل عددهم إلى عشرين تقريباً، من بينهم المدير العام للجمارك بدري ضاهر، كي تتم إحالتهم على قاضي التحقيق العسكري الأول من أجل إصدار مذكرات توقيف بحقهم، بانتظار تعيين محقق عدلي يضع يده على الملف، على أن يتابع من قبل النيابة العامة التمييزية التحقيق الأولي مع باقي الأشخاص المشتبه بهم والشهود، وإحالة الأوراق تباعاً على المحقق العدلي.
ويوم أمس الاثنين، أحال مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت في السرايا الحكومية ملف انفجار مرفأ بيروت على المجلس العدلي، بناءً على اقتراح وزيرة العدل ماري كلود نجم، وذلك قبل إعلان رئيس الحكومة حسان دياب استقالة الحكومة. وأعدت لجنة التحقيق يوم الاثنين تقريرها ورفعته إلى الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني من أجل الاطلاع عليه.
وفي هذا السياق، يقول النائب في "تكتل الجمهورية القوية" (رئيسه سمير جعجع)، جورج عقيص لـ"العربي الجديد"، إن القضاء اللبناني لم يتمكن من الوصول إلى الحقيقة بشأن جرائم الاغتيالات التي حصلت في لبنان إلا نادراً، وبالتالي، فإنّ هناك عقماً في القضاء اللبناني بالنسبة إلى التحقيقات، كما أنّ المجلس العدلي بحدّ ذاته محكمة عليها علامات استفهام كثيرة لأنها لا تستوفي المعايير الدولية بالقضاء الجزائي، أي أن تكون محاكم على درجتين، بمعنى، أن كل المحاكم على درجة واحدة مثل المجلس العدلي، هناك اتجاه عالمي لإلغائها.
ويضيف عقيص، أن "الجريمة التي حصلت، وكونها خارج دائرة الاغتيال أو الاستهداف لشخص، وبما أن بعض خيوطها أصبحت واضحة في التحقيق والمراسلات التي كشفت حتى الساعة، فإننا مع لجنة تقصي حقائق، المشار إليها في المادة 34 بميثاق الأمم المتحدة، وليس بالضرورة أن تقترن حكماً بمحكمة دولية، لأن قرار تشكيل لجنة تقصي الحقائق مستقلّ عن قرار تشكيل محكمة دولية، التي كانت التجربة فيها غير مشجعة في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري (14 فبراير 2005) نظراً للمدة الزمنية الطويلة التي استغرقتها ولا تزال من دون أن يصدر قرار فيها حتى الساعة".
ويشير الى أنّ التوليفة الأصح قد تكون بإجراء تحقيق تحت إشراف دولي، ولا مانع من أن تحال الجريمة على المجلس العدلي أو أن يشترك المحقق العدلي بالتحقيقات، خصوصاً أنّ خيار القضاء العسكري مرفوض قطعاً من قبلنا، باعتبار المحكمة العسكرية استثنائية، ولا تراعي أبسط حقوق الدفاع ولا ثقة فيها. وبالتالي، فإنّ النقطة المركزية ترتكز على أن كل أجهزة الدولة متهمة في مكانٍ ما إما بالتقصير أو العلم الذي لم يقترن بخطوات قضائية وأمنية وسياسية وإدارية، وكلها عليها شبهات، من هنا المطالبة بلجنة تحقيق حيادية أممية، لا ضغط عليها أو تضارب مصالح أو شبهة، تتولى هي التحقيقات وللمجلس العدلي أن يستند عندها إلى تحقيقات شفافة وواقعية وحيادية ومهنية.
تشدّد أوساط سياسيّة على ضرورة لتعيين لجنة تحقيق دولية من قبل الأمم المتحدة نتيجة غياب الثقة الكاملة بالتحقيق المحلي
ويقول المحامي هيثم عزو لـ"العربي الجديد"، إن المجلس العدلي هو قضاء خاص استثنائي، وهناك أصول محددة تتّبع أمامه، وهو ينظر فقط في جرائم معيّنة ومحدّدة بنص المادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أهمها الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وبعدَ إحالة أمر النظر فيها إليه بمرسوم يصدر عن الحكومة كونها مسؤولة عن أمن الدولة. ويضيف أن المجلس يتألف من خمسة قضاة، الرئيس الأول لمحكمة التمييز رئيس له، وأربعة قضاة من محكمة التمييز يعيّنون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير العدل وبموافقة مجلس القضاء الأعلى. كما يعيّن قاضٍ ليشغل مهمة محقق عدلي لدى المجلس العدلي من قبل وزير العدل، بناءً على موافقة مجلس القضاء الأعلى، وتكون مهمته محصورة في التحقيق بالقضية المحالة على المجلس العدلي، وتنتهي المهمة بانتهاء التحقيق الذي يجريه، وهو يلعب دور قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية معاً وتكون له صلاحية استجواب أي مشتبه به في الجريمة المحالة على المجلس العدلي، حتى ولو لم تدعِ النيابة العامة التمييزية بحقه لكونه يضع يده على الدعوى بصورة عينية موضوعية، وليس بصورة شخصية فقط على الأشخاص المدعى بهم من قبل النيابة العامة.
ويتابع عزو: "كما يحق له أن يصدر جميع المذكرات القضائية التي يقتضيها التحقيق من دون استطلاع النيابة العامة، وينتهي عمله إمّا بمنع المحاكمة عمّن لم يتراءَ له شُبه عليهم، أو بالظن بجنحة بحق المشتبه بهم أو اتهامهم بجناية، ومن ثمَّ يحيلهم للمحاكمة أمام المجلس العدلي بعد أن تصدر عنه مذكرة إلقاء القبض بحقهم، وتعتبر قراراته غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن لا من النيابة العامة ولا من المتضرر من الجريمة ولا من المتهم".
ويلفت إلى أن المجلس العدلي تجرى المحاكمة أمامه وفقاً للأصول المتبعة أمام محكمة الجنايات، ويكون له الحق في إجراء تحقيقات إضافية أو الشروع فوراً بمحاكمة الأشخاص المتهمين بصورة وجاهية إذا كانوا موقوفين، أو بصورة غيابية إذا كانوا فارين من وجه العدالة، ومن ثم يصدر المجلس العدلي بعد اختتام المحاكمة حكماً نهائياً إما بتجريم وإدانة المتهمين، أو إعلان براءتهم مما هو منسوب إليهم من تهمة، لعدم الدليل أو لعدم كفايته أو للشك بكونه يفسَّر لمصلحة المتهم.
ويختم المحامي عزو بأنَّ حكم المجلس العدلي غير قابل للطعن سوى بطريقتين فقط: إما بطريق الاعتراض من قبل المحكوم عليه غيابياً بجنحة بكون المحكوم عليهم غيابياً بجناية يسقط الحكم عنهم وتعاد محاكمتهم وجاهياً فور إلقاء القبض عليهم، وإمّا بإعادة المحاكمة بالجنحة أو بالجناية إذا ما توافرت شروطها المنصوص عنها في المادة 328 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي أهمها ظهور بعد الحكم فعل جديد أو مستندات كانت مجهولة أثناء المحاكمة، وكان من شأنها أن تشكل دليلاً على براءة المحكوم عليه طالب إعادة المحاكمة.
وتعتبر الأوساط السياسية ممّن تطالب بتحقيق دولي، أن الإحالة جيدة لكنها لا تكفي، وهناك ضرورة لتعيين لجنة تحقيق دولية من قبل الأمم المتحدة نتيجة غياب الثقة الكاملة بالتحقيق المحلي.
يصرّ المعتصمون على الانتقال إلى المرحلة الثانية من تحرّكاتهم، وهي الدعوة إلى إسقاط الطبقة الحاكمة من أعلى الهرم، في ظلّ بروز روائح تسوية جديدة بغطاء دولي
واليوم، بمناسبة مرور أسبوع على الزلزال الكبير، برزت دعوات لمسيرة شموع صامتة عن أرواح الضحايا، تصل إلى مرفأ بيروت مكان وقوع الانفجار، في حين ستشهد ساحة رياض الصلح تحرّكات لليوم الرابع على التوالي للمطالبة باستقالة رئيسي الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وفق ما أكد أكثر من ناشط في الحَراك لـ"العربي الجديد".
وشهدت الاعتصامات في الأيام الماضية مواجهات عنيفة بين العناصر الأمنية والعسكرية والمتظاهرين، سقط خلالها عدد من الجرحى وتوفي عنصر في قوى الأمن. وتظهر أجواء الشارع، أنّ المتظاهرين لن يرضوا بتكرار سيناريو استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول، ويصرّ المعتصمون على الانتقال إلى المرحلة الثانية من تحرّكاتهم، وهي الدعوة إلى إسقاط الطبقة الحاكمة من أعلى الهرم، خصوصاً أنها بدأت جولة مشاوراتها لاختيار بديل دياب، في ظلّ بروز ملامح تسوية جديدة بغطاء دولي.