أيلول السوريين الأسود

07 سبتمبر 2015
السوريون يهربون من بطش الأسد إلى أوروبا (Getty)
+ الخط -
لم تفلح نغمة حكومة بشار الأسد الجديدة، بعد لازمة الإرهاب والحرب الكونية، بنقل كرة معاناة السوريين المعاشية لملعب الدول الأوروبية والمهربين، رغم تخصيصها، في سابقة وعلى غير العادة، اجتماعها الأسبوعي الأخير لمناقشة هجرة السوريين، كما انهال، حتى أنصار الأسد، على وزير الاقتصاد، تهكّماً وأنهم سيعيدون له القطع الأجنبي باليورو، بعد تعليقه أسباب تراجع سعر صرف الليرة، على المهاجرين الذين يبدّلون مدخراتهم وثمن بيوتهم وممتلكاتهم للدولار، ليهربوا إلى بلاد الأحلام.
ووضع واقع الحال السوريين أمام حقائق دفعتهم للهجرة بأرقام مضاعفة هذه الآونة، للهروب من واقع، سيزيده شهر أيلول (سبتمبر) سوءاً وفقراً، رغم مخاطر وتكاليف الوصول بحراً لبلاد شمال المتوسط.
يجمع شهر أيلول، الذي يصفه السوريون بالأسود، بين افتتاح المدارس وعيد الأضحى وشهر إعداد المؤونة لفصل الشتاء، ولو نظرنا تفصيلاً لكل "مناسبة" فهي كفيلة بتبديد الدخل ووضع السوري بحالة استدانة، قد لا يخرج منها إلا عبر بيع ممتلكاته للوافدين الجدد.
فكلفة المدراس من لباس وقرطاسية نافت، وبالحد الأدنى ولأكثر المستلزمات رخصاً وسوء نوعية، عن 10 آلاف ليرة سورية (35 دولاراً)، ما دفع بجل السوريين لإبعاد أولادهم عن المدارس، وزجهم، إن توفر، بأعمال تساعد أسرهم بأعباء الحياة. وبلغت كلفة "المكدوسة الواحدة" ـ باذنجان بالزيت والجوز ـ نحو 100 ليرة، لتبقى الجبنة والفواكه المجففة في خانة الترف والكماليات، وأما لباس العيد أو ثمن الأضحية لمن يتجرأ بالتفكير على الإقدام عليها، فهو حديث آخر، بواقع التهاب أسعار اللحوم لأكثر من 3000 ليرة، بواقع حرص حكومة الأسد على تأمين القطع الأجنبي، عبر تصدير الخراف السورية إلى بلدان الخليج العربي.
خلاصة القول: جريمة تجويع السوريين وحصارهم بهدف ترحيلهم خارج البلاد، غدت جريمة كاملة الأوصاف وبعيدة، بحكم الوقائع، عن أي تخمين واتهامية، فإن كان الراتب الشهري لموظف الفئة الأولى بعد خدمة عشرين عاماً، لا تتجاوز 35 ألف ليرة (105 دولارات)، والحد الأدنى للإنفاق الشهري، ووفق دراسات وزارة الاقتصاد وتقارير جمعية حماية المستهلك، التابعتين للأسد، لا تقل عن 120 ألف ليرة، فلمن يهمه ديموغرافية سورية المستقبل أن يتخيل كيف يصبر ويكابر السوريون قبل أن يتركوا بيوتهم وممتلكاتهم وينجون بأسرهم عبر طرقات المجهول.
أيلول الأسود، كما يحلو للسوريين وصفه، سيكمل مشهد اللعبة الختامي، وتدفع مصاريفه المترافقة باقتراب دائرة الحرب والنار من دمشق، كثيرين للهروب من سورية، التي تنوعت وجوه خسائرها، بعد فقدانها حوامل التنمية الحقيقية وتشرد شبابها وطاقاتها البشرية على أصقاع الأرض.

اقرأ أيضا: الأسد يغري المستثمرين بتسهيلات.. وخبراء: لا جدوى دون استقرار
المساهمون