أياكس الهولندي.. مدرسة الكرة الشاملة

05 اغسطس 2014
أياكس مدرسة الكرة الشاملة بقيادة كوفاك سنة 1972(getty)
+ الخط -

إذا قادك حظك المتميز يوما من الأيام للقاء أريجو ساكي، بيب جوارديولا، مارسيلو بيلسا، أرسين فينجر، براندن رودجرز، أو جوس هيدينك في جلسة واحدة، بكل تأكيد ستكون أحد أكثر الناس سعادة لتواجدك مع أشخاص غيّروا كثيراً من خريطة التكتيك الكروية خلال السنوات الماضية، ومع أوّل استفسارات تخطر على بالك، ستكون دون شك كيف وصلتم إلى هذا النجاح؟ ومن هو الشخص الذي أثّر في كرتكم الهجوميّة؟

على الفور ستكون الإجابة شبه متفق عليها إنّه الرجل الشامل الذي أرسى قواعد الكرة الشموليّة في هولندا وبرشلونة وأوروبا والعالم، أنت في حضرة الساحر رينوس ميتشيل.

أضاف أياكس الهولندي الكثير لكرة القدم خلال حقبة السبعينيات، ومؤسس الكرة الشاملة رينوس ميتشيلز هو الذي وضع اللبنة الأولى لهذا الفريق الأسطوري الذي سيطر على أوروبا لمدة ثلاث سنوات متتالية ثم جاء الروماني ستيفان كوفاك ليكمل ما بدأه رينوس فحقق ثلاثية ملحمية لأياكس عام 1972، كما فاز الفريق ببطولات محلية في الدوري الهولندي قبل أنّ يتوج باللقب الأوروبي على حساب إنتر أيضا بهدفين للجناح الطائر يوهان كرويف.

عظماء كرة القدم

استمر كوفاك مع الفريق ليفوز ببطولة أوروبية أخرى في الموسم الموالي ويحقق الفريق الهولندي إنجازا من نوع خاص حيث فاز بثلاث بطولات أوروبية متتالية للأندية أبطال الدوري، ودون النجوم الكبار أسماءهم بأحرف من ذهب وسط عمالقة القارة العجوز، كأحد الأجيال الذين حصلوا على بطولات عديدة إلى جانب اللعب بأسلوب كروي ممتع وشيق ومبتكر.

ونجح فريق أمستردام في إضافة خطط تكتيكيّة جديدة كدليل على أنّ الفائز يوجد اسمه داخل سجلات التاريخ، بينما المبتكر هو الذي يُذكر اسمه في كتب اللعبة قبل أن تتحول ذكراه إلى مجرد أرقام.

مولد الكرة الشاملة

تعود بنا الذاكرة إلى عام 1872، عندما اعتمدت كرة القدم وقتها على المراوغات والمهارات الغريزيّة، وفي إحدى مباريات فريق كوينز بارك رينجرزفي الدوري الإنجليزي، ظهر لاعب بطيء بعض الشيء في الحركة ولا يجيد المراوغة، فبدأ في مواجهة خصومه بطريقة ذكيّة، شعارها الصبر على الكرة والاستحواذ ومن ثم التمرير إلى زميل، والتحرك لأخذ مكان أفضل، لتظهر فكرة تبادل المراكز واللعب في أكثر من رقعة داخل المستطيل الأخضر.

نالت هذه الفكرة استحسان الجميع وقتها وشرع الفريق في تركيز طريقة لعبه على أساس التمرير والسيطرة على الكرة.

ثم انتقل بعد ذلك مهاجم الفريق ويدعي تروفي بوب إلى نادي نيوكاسل يونايتد، وقتها كان نيوكاسل يلعب بطريقة مباشرة، وتحول أسلوب لعبهم في تلك الفترة إلى السيطرة والتمرير وتبادل المراكز وعدم الارتباط بمكان محدد داخل الملعب.

أعجب ماك ويليام مدرب الفريق وقتها بالفكرة، وحينما انتقل إلى تدريب توتنهام، نجح في تطبيق الطريقة الجديدة بشكل رائع مع فريقه لينال استحسان الجميع، ورحل إلى تدريب نادي ميدلسبره لكي يصبح أغلى مدرب وعاد مرّة أخرى إلى السبيرس، ليقوم بالتأثير على ثلاثة آخرين، أرثر روي الذي قادم توتنهام إلى الصعود ثم اللقب، بيل نيكلسون الذي قاد توتنهام إلى الثنائية، ثم فيك بوكينجهام الذي قاد ويست بروميتش ودرّب الشهير بوبي روبسون.

ذهب بوكينجهام الى أياكس ثم شيفلد وعاد مرّة أخرى إلى الفريق الهولندي، لكي يؤثر في رينوس ميتشيلز ويغرس بداخله مفاهيم كرة التمرير واللعب نحو الأمام، وجعل الملعب كله على قلب رجل واحد، المدافع يهاجم والمهاجم يتحول إلى الأطراف، ولاعب الجناح يقطع في العمق، حتى تشكّل المحورالرئيس لفريق أوائل السبعينيات.

تاريخ طويل

بدأ ميتشيلز أيامه مع أياكس بطريقة 4-2-4 المنتشرة خلال تلك الحقبة، بوضع أربعة لاعبين في الهجوم، ثم ثنائي بالوسط مع رباعي دفاعي.

ولم يختلف أياكس كثيراً عن معظم الفرق والمنتخبات الأوروبيّة وقتها، فقد فاز الفريق بأربع بطولات دوري وخسر النهائي عام 1969 أمام ميلان في البطولة الأوروبيّة.

فكّر رينوس في تعديل تكتيكي بسيط بعودة مهاجم من الأربعة إلى منطقة الوسط من أجل الزيادة العددية بالمنتصف والابتعاد عن الرقابة القوية في الأمام، ونجحت الفكرة حتى أصبح أياكس أكثر فرق أوروبا من حيث السيطرة على مجريات اللعب، وظهرت الطريقة 4-3-3 بعد أنّ كانت 4-2-4 قبل ذلك.

ثم جاء التعديل الأهم في جعل المدافع الرابع لاعبا متحركا بين الدفاع والوسط، بمعنى أنه يعود للتغطية مع ثلاثي الدفاع لكنه يتقدم ليصبح لاعب وسط صريح أثناء الاستحواذ على الكرة، مما يجعل الخط الخلفي مكونا من ثلاثة لاعبين فقط، اثنان لمواجهة ثنائي الهجوم للخصم والثالث لاعب حر على الأطراف، لتصبح الطريقة 3-4-3 / 4-3-3.

قائمة الشرف

لعب أياكس بقيادة ميتشيلز ثم كوفاك بطريقة تعتبر مزيجا بين 4-3-3 و3-4-3 وفق إطار ومبادئ الكرة الشاملة التي تعتمد على اللامركزية وتغطية أكبر قدر ممكن من المساحات داخل الملعب، بمعنى رباعي دفاعي أثناء فقدان الكرة وثلاثي دفاعي فقط مع الاستحواذ، ويتحول المدافع الرابع رود كرول في ذلك الوقت إلى مركز الجناح الهجومي ويتمركز بالخط الأخير ثلاثة لاعبين، هيلشوف وبلانكينيبرج بالعمق مع الظهير الأيمن الذي لا يتقدم كثيراً شوربي.

وتكمن عبقرية الخطة في ثلاثي الوسط وتحركاتهم، هان ونيسكينز وموهرين، وهو المثلث الذي يصعب على كل المدربين توقع تمركزهم داخل الملعب، ثم يصعد نيسكينز للأمام ويعود للتغطية كارتكاز دفاعي صريح خلف الثنائي الآخر، ومع صعود كرول إلى الهجوم كجناح صريح، يتحول لاعب من الوسط للتغطية خلفه أثناء التحولات من الهجوم إلى الدفاع، لذلك راهنت مدرسة أياكس كثيراً على قيمة وقدرة لاعبي المنتصف في فهم أسس الكرة الشاملة ونجحت في النهاية، أما خط الهجوم فتكفّل كرويف وزملائه كيزر وريب بقتل المنافسين على طريقتهم الخاصة.

بدأ كرويف مسيرته كمهاجم صريح ثم تحول إلى الأطراف ليصبح الجناح الطائر الذي لا يقدر عليه أيّ مدافعٍ، تاركاً الفرصة أمام زملائه للدخول إلى منطقة الجزاء من الأجنحة ومنتصف الملعب، ولذلك يعتبر يوهان كرويف أسطورة الكرة الشاملة الذي وجد فيه المدربون كل ما يحتاجونه من ذكاء فطري ومهارة عالية وفهم كبير لتكتيك الهجوم.

نجحت هذه المجموعة في تحقيق كل أنواع البطولات، الفوز بالدوري المحلي أعوام 70، 72، 73 وتحقيق لعب أوروبا للأندية الأبطال ثلاث سنوات متتالية 71، 72، 73 وخطف بطولة الكأس أعوام 70، 71، 72، بالإضافة إلى كأس الانتركونتيننتال عام 1972 والسوبر الأوروبي سنة 1974، ليفوزوا بكل شيء ممكن، ويظفروا بالمجد الكروي.

فلسفة كروية
يقول رود كرول أحد أعضاء فريق السبعينات، في إحدى تصريحاته:"لعبت كظهير أيسر، وكنت عندما أصعد إلى الأمام أقطع مسافة تصل إلى 70 متر، ومع العودة إلى مركزي في الدفاع  سأقطع المسافة نفسها وبالتالي يصبح مجموع ما أركضه في الملعب 140 متر، وهذا رقم كبير جداً للاعب يقطع الملعب ذهاباً وإياباً أكثر من عشر مرات بالمباراة، مما يجعل الظهير المدافع المنافس أمام خيارين أحلاهما مر، فإما سيتخلى عن الهجوم، أو يصعد مرتين إلى ثلاثة فقط ويكتفي بعد ذلك بالوقوف أمام مرماه".

ويستمر كرول في الإضافة مؤكداً أن فريق أياكس نجح في اختصار كل هذا الجهد بعملية تبادل المراكز داخل الملعب، حيث يصعد الظهير إلى الأمام، ويتحول لاعب الوسط إلى منطقة الأطراف لكي يقوم بالتغطية خلفه، وهنا ينطلق لاعب الجناح إلى المنتصف كي يلعب مكان لاعب الوسط ويفسح المجال لانطلاق الظهير القادم من الخلف، لذلك ينطلق كرول إلى الأمام ويعود إلى مكانه دون مخاطرة مع توفير جهد كبير، وبدلاً من قطع الملعب عشر مرات بمسافة تصل إلى 1400 متر، فإنه يقطع مسافة تصل إلى 1000 متر فقط، والبقية تضيع بسبب وجود لاعب زميل يقوم بالتغطية مكانه، لذلك لا يعود إلى الخلف بصورة سريعة غير مدروسة، ويختم المدرب السابق لعدد من الأندية العربية حديثه واصفاً هذه الفكرة بأنها محور رئيسي في فلسفة الكرة الشاملة التي وضعت فريق أجاكس ومنتخب هولندا على خريطة تاريخ كرة القدم.

هكذا صنع هؤلاء لأنفسهم ولفريقهم اسما كبيرا بين الكبار، لأنهم حاولوا إضافة شيء جديد للكرة.  لقد كان أياكس يهتم بالمساحات داخل الملعب بشكل كبير، يضع تصّورا لكل متر في أرضية المستطيل الأخضر. التحركات والتمركز والتمرير أمور غير قابلة للنقاش لدى لاعبيه. لذلك استحق لقب الفريق الأشبه بالأوركسترا، ليس مجرد بطل عادي بل سفيرا للكرة الجميلة وممثل اللعب الهجومي في دهاليز اللعبة الشعبية الأولى.

https://twitter.com/Attacking_Mid

دلالات
المساهمون