أول تنازلات تيريزا ماي للأوروبيين: ضغط ألماني في مفاوضات "بريكست"

24 يونيو 2017
ماي في بروكسل (ليون نيل/Getty)
+ الخط -

بدت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في حالة خاسرة سياسياً، بعد لقاء قادة الاتحاد الأوروبي، في بروكسل أخيراً، إثر خسارتها رهان الانتخابات العامة المبكرة، التي دعت إليها في سياق تعزيز موقع حكومتها، والحصول على تفويض شعبي يقوّي موقفها في مفاوضات "بريكست" الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما وصلت ماي إلى القمة الأوروبية بعد أن فشلت في إنجاز اتفاق مع الحزب الديمقراطي الوحدوي، لضمان أصوات نوابه العشرة لتقوية موقف حكومة الأقلية التي اضطرت إلى تأسيسها بعد خسارة الأغلبية البرلمانية، التي كان حزب المحافظين يتمتع بها منذ انتخابات عام 2015.

كما لاحقت تداعيات حريق برج "غرينفيل" السكني ماي، إذ اتهم كثر، وبينهم زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربين، الحكومة بسبب سياساتها التقشفية و"إهمال حقوق أبناء الطبقات الفقيرة وسلامتهم، ما أدى إلى مقتل 79 شخصاً وتشريد المئات". وعدا الانتكاسة السياسية وحريق البرج، فإن شبح العمليات الإرهابية التي ضربت لندن ومانشستر تُطارد ماي.

في المقابل، استقبل قادة أوروبا ماي بتفاؤل عبّر عنه رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، في رسالة الدعوة الموجهة إلى رؤساء الدول والحكومات الـ28 الأعضاء في الاتحاد، وقوله إن "قادة الاتحاد يلتقون في أجواء سياسية مختلفة عما كانت عليه قبل أشهر قليلة، عندما كانت القوى المناهضة للاتحاد الأوروبي لا تزال تزداد قوة".

ولا تستند الثقة الأوروبية إلى ضعف الموقف البريطاني، الذي لطالما أبدى إستعلاءً وتشدّداً منذ تصويت 52 في المائة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو/ حزيران 2016، وتسلّم ماي رئاسة الحكومة في يوليو/ تموز الماضي، بل تستند القوة التي شعر بها الأوروبيون بعد انتخاب الرئيس الفرنسي الجديد ايمانويل ماكرون الذي كان حاضراً في أول قمة أوروبية، حين تحدث عن برنامج لـ"مستقبل أوروبا التي تحمي دولها".

ضعف موقف تيريزا ماي منذ خسارتها الأغلبية البرلمانية في 8 يونيو الحالي، واستعادة الاتحاد الأوروبي الثقة بعد انتخاب ماكرون رئيساً لفرنسا، تجلى في إعلان ماي: "التزام حكومتها بعدم الطلب من أيّ مواطن أوروبي يعيش حالياً في بريطانيا بشكل قانوني مغادرة البلاد، في الوقت الذي ستخرج فيه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".



وقدّمت ماي لقادة الدول الأوروبية ما وصفته بـ"العرض العادل والجدي" لحماية حقوق ما يُقدّر بثلاثة ملايين أوروبي يعيشون في بريطانيا، سادَ الغموض مستقبلهم بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وذكرت مصادر دبلوماسية مطّلعة أن "ماي اقترحت أن يحصل جميع مواطني الاتحاد الأوروبي الذين أقاموا خمسة أعوام في بريطانيا حتى تاريخ معين يتم تحديده، على وضع قانوني في البلاد، فيمكن معاملتهم في جوانب التأمين الصحي والأجور مثلاً كسائر البريطانيين". وأضافت المصادر أن "اقتراح ماي تضمن منح المواطنين الذين لم يتمموا خمسة أعوام حتى التاريخ المحدد، الفرصة لإتمام هذه الأعوام حتى يحصلوا بدورهم على الحقوق المذكورة. وأوضحت ماي أنه ينبغي اتباع مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة للمواطنين البريطانيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي".

موقف ماي، الذي قابلته جماعة ضغط تُمثّل المهاجرين الأوروبيين في المملكة المتحدة وتُدعى "ذي 3 ميليون" بالسخط ووصفته بـ"الاقتراح المثير للشفقة"، معتبرةً أنّ "هذه الاقتراحات لا تُقدّم أيّ ضمان لحقوقهم مدى الحياة". وهو ما دفع المفوضية الأوروبية للتحفّظ، بانتظار الحصول على الاقتراح مكتوباً. أما المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فقد قابلت الموقف البريطاني الجديد بترحيب فاتر، واكتفت بوصفه بـ"بداية جيدة"، في تعبير عن رهان ألماني للحصول على المزيد من التنازلات البريطانية، كلما زاد موقف ماي ضعفاً مع مرور الوقت.

الزعيمة البريطانية، التي وصفها المحتجون على إهمال الحكومة في معالجة أسباب ونتائج حريق برج "غرينفيل السكني" بـ"الجبانة"، حاولت استعراض بعض القوة في مواجهة قمة بروكسل، إذ تفادت تحديد موعد نهائي لمن يحقّ لهم الإقامة الدائمة من الأوروبيين على الأراضي البريطانية، ورفضت طلباً بأن تنظر محكمة العدل الأوروبية في مسائل حقوقهم والإشراف عليها، مع الإصرار على ولاية المحاكم والقوانين البريطانية للإشراف على الالتزامات التي قطعتها بريطانيا إزاء حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي.


المساهمون