أولى جلسات الحوار الأميركي - العراقي: تسوية مرضية لجميع الأطراف

13 يونيو 2020
سيتم تقليص عدد القوات الأميركية في العراق (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

على الرغم من أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تكشف عن عدد قواتها الحقيقي في العراق منذ عام 2014، وظلّت تتحدث عن أعداد تقريبية بين 5 و6 آلاف عنصر قتالي، إلا أنّ البيان المشترك، الذي صدر فجر أمس، الجمعة، عقب انتهاء أولى جلسات الحوار الاستراتيجي الأميركي العراقي، تضمّن اتفاقاً على "تقليص عدد القوات الأميركية في العراق"، من دون الكشف أيضاً عن عدد هذه القوات حالياً، وكذلك العدد المراد تقليصه، والآلية التي ستعتمد والجدول الزمني لذلك. وهو ما علّق عليه مسؤول عراقي رفيع في بغداد، بالقول لـ"العربي الجديد"، إنّ الجلسة الأولى من الحوار اتفق على أنها يجب ألا تثير أزمة سياسية لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مع المعسكر السياسي الحليف لإيران في العراق.

وتضمنت أولى جلسات الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، مناقشة أربعة محاور رئيسية، هي الأمن والسياسة والاقتصاد والثقافة، على أن تكون الجلسة المقبلة الثانية في واشنطن في يوليو/ تموز المقبل، إذ سينتقل الفريق العراقي إلى هناك لإجراء جولة حوار أخرى في المواضيع نفسها.

وبحسب بيان مشترك عن حكومتي العراق والولايات المتحدة، صدر فجر أمس الجمعة، فإنّ المباحثات عقدت عبر دائرة اجتماعات الفيديو المغلقة بين الطرفين الممثلين بالوكيل الأقدم لوزارة الخارجية العراقية عبد الكريم هاشم، ووكيل وزارة الخارجية الأميركية الخاص بالعلاقات السياسية ديفيد هيل. وأوضح البيان أنّ المباحثات تناولت مجالات الأمن، ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد، والطاقة، والقضايا السياسية، والعلاقات الثقافية.

واحتوى البيان على جملة من التأكيدات المشتركة التي تم التوصّل إليها في ختام اللقاء، أبرزها التأكيد على مبادئ اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين عام 2008، واحترام سيادة العراق ووحدة أراضيه. كما تحدث البيان المشترك عن تعهد واشنطن بتقليص عدد القوات الأميركية الموجودة في العراق خلال الأشهر المقبلة، والحوار مع الحكومة العراقية حول وضع القوات المتبقية، وتأكيدها أنها "لا تسعى إلى إقامة قواعد دائمة أو وجود عسكري دائم في العراق".

وفي ما يتعلق بقضايا الاقتصاد والطاقة، قال البيان إنّ الطرفين بحثا "التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجه العراق في ضوء أزمتي جائحة كورونا، وانخفاض أسعار النفط، إذ بحثت واشنطن إمكانية تزويد العراق بالمستشارين الاقتصاديين للعمل بشكل مباشر مع حكومة بغداد، من أجل المساعدة في تعزيز مستوى الدعم الدولي لجهود حكومة العراق الإصلاحية، فضلاً عن مناقشة مشاريع الاستثمار المحتملة التي يمكن أن تنخرط فيها الشركات الأميركية العاملة في قطاع الطاقة والمجالات الأخرى، شريطة أن تكون ظروف العمل مواتية".

وبحسب البيان المشترك، فإنّ الولايات المتحدة أكدت دعمها للحكومة العراقية، بما في ذلك "مواصلة الجهود الإنسانية، واستعادة الاستقرار، وإعادة إعمار البلد، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة، ودعم سيادة القانون وحقوق الإنسان، وإعادة النازحين وتسهيل عملية اندماجهم، ولا سيما الأقليات التي تعرضت للإبادة على يد تنظيم داعش الإرهابي".

من جهتها، التزمت الحكومة العراقية "بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، والمرافق العراقية التي تستضيفها، بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعنية بخصوص وجود تلك القوات، وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين". وخُتم البيان بالقول: "تتطلع كلتا الحكومتين إلى مباحثات معمقة بشأن القضايا المذكورة آنفاً في اجتماع لجنة التنسيق العالي للحوار الاستراتيجي في العاصمة واشنطن المزمع عقده في يوليو/ تموز المقبل".

في السياق، قال مسؤول عراقي بارز في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ البيان الختامي لأولى جلسات الحوار "صيغ بدقة وحذر كبيرين"، موضحاً أنّ الجلسة الأولى اتفق على أنها يجب ألا تثير أزمة سياسية للكاظمي مع المعسكر السياسي الحليف لإيران في العراق. وأضاف أنّ "البيان المشترك الختامي جاء بمثابة تسوية سياسية، فهو لم يأت بجديد أو يغيّر صورة المشهد، لكنه قد يرضي أو يُسكت قوى سياسية وزعامات مقربة من طهران، ويتماشى مع قرار البرلمان العراقي، مطلع العام الحالي، القاضي بانسحاب القوات الأجنبية من العراق". وأكّد المسؤول نفسه أنّ "الأميركيين بدا وكأنهم يحاولون كسب وقت في العراق، أكثر من أن تكون لديهم أهداف آنية في الوقت الحاضر"، لافتاً إلى أنّ "أغلب القوى السياسية العربية السنية والكردية وقوى الأقليات وكذلك قوى سياسية ليبرالية ممثلة برئيسي الوزراء الأسبقين إياد علاوي وحيدر العبادي، لا تفضل الانسحاب الأميركي، خوفاً من هيمنة إيرانية كاملة".

من جهته، قال هشام داوود، المستشار الخاص لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، على أقل تقدير عراقياً، قد حقق نجاحاً"، موضحاً أنه "ليس هناك أي فيتو من العراق على التعاون والتعامل مع بلدان العالم، إلا إسرائيل لأسباب مبدئية. والعلاقة مع بلدان المنطقة والعالم مفتوحة على أساس الحياد الإيجابي، ومصلحة العراق، وعلى هذا الأساس يتم التعامل والتعاون بين بغداد وواشنطن".

وأكد داوود أنّ "العلاقة بين بغداد وواشنطن لم تتوقف منذ سنوات طويلة، ولكن بسبب الظروف الدولية الأخيرة التي فرضها فيروس كورونا، أصبح السفر والتواصل المباشر بين دول العالم صعباً، ليس فقط بين العراق والولايات المتحدة، وما أن تتحسّن هذه الظروف، ستحصل لقاءات على مستوى أعلى". واعتبر أنّ "أغلب التصريحات والاتهامات ضدّ الحوار بين بغداد وواشنطن، لم تكن منصفة، ولم تأخذ بالاعتبار حقيقة وفحوى هذا الحوار، ولم تنتبه لما تريده الحكومة العراقية، برئاسة مصطفى الكاظمي"، مضيفاً "الحوار يشير بشكل مباشر وصريح إلى دعم الولايات المتحدة لسيادة العراق ومساعدته في المجالات المختلفة، ودعمه في المحافل الدولية، بالإضافة إلى تقليص عديد القوات الأميركية حسب حاجة العراق، وعدم رغبة الولايات المتحدة بإقامة أي قواعد ووجود عسكري ثابت لها في بلدنا. هذه نقاط أساسية تصب في مصلحة العراق اليوم وغداً".

في المقابل، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" مختار الموسوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "ستتم استضافة الوفد المفاوض العراقي للاطلاع على تفاصيل الحوار وما جرى تداوله من قضايا لم يذكرها البيان الرسمي المشترك"، موضحاً أنه "يجب حسم قضية إنهاء الوجود الأميركي وفق قرار مجلس النواب العراقي، وعدم تأجيل هذه القضية لحين انتهاء أو حسم الحوار، فهناك مخاوف وتحذيرات من أنّ هذا الحوار قد يأتي من أجل تحقيق المصالح الأميركية وبقاء القوات لفترة أطول تحت عناوين وأعذار جديدة، وهذا الأمر لن نقبل به".

وأضاف الموسوي أنّ "مماطلة الحكومة العراقية الجديدة بحسم ملف الوجود الأجنبي، ستدفعنا إلى اتخاذ موقف حازم وشديد منها، وكل الطرق والخيارات مفتوحة أمامنا، بما فيها سحب الثقة، فسيادة العراق خط أحمر، لن نسمح لأي جهة أو شخص بالمتاجرة بها مهما كان، وسنبقى نراقب ونتابع نتائج هذا الحوار، إلى حين تحقيق كامل الأهداف الوطنية، وإخراج آخر جندي أميركي وأجنبي من الأراضي العراقية كافة".

بدوره، قال محافظ الموصل الأسبق والقيادي في جبهة "الإنقاذ" العراقية أثيل النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن يجب أن يتم استغلاله بشكل صحيح من أجل مصلحة العراق والعراقيين، كما يجب جعل هذا الحوار باباً لعودة العراق إلى المجتمع الدولي، عبر بوابة الولايات المتحدة، ومحو صورة أنّ العراق تابع أو يقاد من قبل إيران".

ولفت النجيفي إلى أنّ "الكثير من القوى السياسية وحتى الشعبية، ترى ضرورة بقاء القوات الأميركية في العراق لفترة أطول، لأسباب عدة، أهمها حاجة العراق إلى هذا الوجود من أجل استمرار المعركة ضدّ الإرهاب، فهناك حاجة للدعم الأجنبي للقضاء على بقايا وخلايا تنظيم داعش، التي عادت لتنشط خلال الفترة الأخيرة". وأضاف أنّ "هناك تخوفاً سياسياً وشعبياً من أنّ الانسحاب الأميركي من العراق، يعني تسليم بغداد على طبق من ذهب إلى طهران، على الرغم من أنّ النفوذ الإيراني موجود حالياً ويتحكم بالدولة العراقية، لكن الانسحاب الأميركي سيقوي هذا النفوذ بشكل كبير وخطير".

وصوّت البرلمان العراقي، مطلع العام الحالي، في جلسة استثنائية قاطعتها الكتل الكردية وغالبية القوى العربية السنية، وكتل ونواب المكوّنَين التركماني والمسيحي، ونواب مستقلون آخرون، على قرار يُلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، إثر عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي.

المساهمون