مع بدء العدّ التنازلي لدخول القانون الخاص باعتماد اللغة الأوكرانية لغة رسمية للدولة حيّز التنفيذ، في 16 يوليو/ تموز المقبل، يتخوّف سكان أوكرانيا الناطقون باللغة الروسية من زيادة تهميشهم، وسط سعي السلطات في كييف إلى مواصلة التكامل مع الغرب وقطع كافة العلاقات مع موسكو.
وعلى الرغم من أن قانون اللغة الأوكرانية كان من آخر القوانين القومية، التي تم تمريرها في عهد الرئيس بيترو بوروشينكو، إلا أن الناطقين بالروسية يشككون في أن يجرؤ الرئيس الجديد فولوديمير زيلينسكي، على إلغائه. وبالتزامن مع ذلك، تبدأ اللجنة الأوروبية للديمقراطية عبر القانون (لجنة فينيسيا) تقييم هذا القانون المثير للجدل، بعدما تلقت طلباً من لجنة المراقبة التابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بهذا الخصوص، على أن تخرج اللجنة بنتيجتها قبل نهاية العام الجاري.
في هذا السياق، يشير رئيس قسم التاريخ الحديث والسياسة في معهد تاريخ أوكرانيا في كييف، جيورجي كاسيانوف، إلى أن تبني قانون اللغة كان له أبعاد سياسية في سياق الانتخابات، وهي قضية لا تثير قلق المواطنين في الأوقات العادية. يقول لـ "العربي الجديد": "بحسب استطلاع أعدّه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع في صيف عام 2018، فإن 2 في المائة من المستطلعة آراؤهم فقط ذكروا اللغة الروسية كمشكلة هامة. قضية اللغة وقانون اللغة مجرد فعالية سياسية للتعبئة في فترة الانتخابات. في الأوقات العادية، فإن مشكلة اللغة تأتي في ذيل هموم الناس، وفق استطلاعات الرأي".
وحول تداعيات مناقشة القانون في لجنة فينيسيا، يضيف: "في حال وجدت اللجنة عيوباً فيه، فستطلب تغييره. لكن بعيداً عن ذلك، فإنه ليس للدولة موارد لتطبيق القانون. كما أنه سيضيف أصواتاً للنواب من جنوب شرق أوكرانيا خلال الانتخابات التشريعية المرتقبة". ويحدّد القانون الجديد قائمة المسؤولين الذين يتعين عليهم إجادة اللغة الأوكرانية واستخدامها عند أداء مهامهم، بمن فيهم النواب وأعضاء قيادة البلاد، والقضاة ووكلاء النيابة، وموظفو المصرف الوطني، والضباط المتعاقدون، والمدرسون والأطباء. ويلزم القانون جميع مواطني البلاد بإجادة لغة الدولة بصفتها لغة الجنسية، على أن تنظم الحكومة دورات اللغة الأوكرانية للكبار لاستيعاب من لم تتح لهم مثل هذه الفرصة من قبل، على أن يتم إعفاء التواصل الشخصي وأداء المراسم الدينية من القانون.
على الرغم من ذلك، يرى النائب السابق عن حزب "الأقاليم" الحاكم سابقاً في الرادا العليا (البرلمان الأوكراني)، أوليغ تساريوف، أن القانون يتعارض مع الدستور الأوكراني، ما يجعله قابلاً للطعن في لجنة فينيسيا، محذراً من أنه قد يؤدي إلى خروج مزيد من المناطق من تحت سيطرة كييف. ويقول تساريوف لـ "العربي الجديد": "من البديهي أن هذا القانون قابل للطعن، لأنه يتعارض مع المواثيق الأوروبية والدستور الأوكراني نفسه الذي يكفل حرية استخدام اللغة الروسية وحمايتها. وكانت مقاطعات منطقة نوفوروسيا التي تشكل جزءاً من الأراضي الأوكرانية حالياً، تعتمد اللغة الروسية تاريخياً. لذلك، لا يجوز التعامل مع الناطقين بالروسية على أنهم أقلية وافدة من الخارج. حتى في عموم أوكرانيا، تظهر إحصائيات محركات البحث مثل غوغل وياندكس أن 90 في المائة من الطلبات تكتب باللغة الروسية لا الأوكرانية". وحول تداعيات القانون في حال دخوله حيز التنفيذ، يوضح تساريوف أنه "سيجعل القانون الجديد نصف سكان أوكرانيا مواطنين من الدرجة الثانية. يبذل القوميون قصارى جهدهم لتقليص مساحة أوكرانيا، وقد انفصلت شبه جزيرة القرم، ومنطقة دونباس باتت قابلة للانفصال أيضاً".
بعد مصادقة الرادا العليا على القانون، شبهه فريق زيلينسكي الرئاسي بأنه "سوط"، محذراً من تداعياته السلبية. إلا أن تساريوف يشكك في واقعية إقدام زيلينسكي على إلغاء القانون، على الرغم من اعتماده على الناخبين الناطقين بالروسية أثناء حملته الانتخابية. يقول: "ناقش مقر زيلينسكي إمكانية إلغاء القانون، لكن هناك مخاوف من أنه لن يجرؤ على ذلك، لكونه يتصرف في حدود الأجندة التي فرضها عليه بوروشينكو والقوميون". وتمكن بوروشينكو خلال خمس سنوات من حكمه، من توجيه عدد من الضربات الأليمة للمصالح الروسية، بدءاً من الترويج لفرض عقوبات اقتصادية غربية على روسيا بسبب ضمها القرم في عام 2014، والوضع في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، وصولاً إلى التضييق على اللغة الروسية وإخراج الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية من تحت إدارة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وقبل انتهاء ولايته بأيام، وقع بوروشينكو على قانون اللغة الأوكرانية في 15 مايو/ أيار الماضي، معلناً أن "اللغة هي أساس لبناء الأمة والدولة"، ومؤكداً أنه لن يمسّ أي لغة من لغات الأقليات المقيمة في أوكرانيا.
تجدر الإشارة إلى أنّ المادّة العاشرة من الدستور الأوكراني تنصّ على أنّ اللغة الأوكرانية هي لغة الدولة، وهذا أمر لا يحتمل النقاش. لكنّ المادّة ذاتها تضيف أنّ الدولة "تكفل حرية تنمية اللغة الروسية واستخدامها وحمايتها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى غيرها من لغات الأقليات القومية في أوكرانيا".