أوكرانيا ترفض سداد ديون مستحقة لروسيا

12 ديسمبر 2015
أوكرانيا تواجه ضغوطا اقتصادية (getty)
+ الخط -


مع اقتراب موعد سداد أوكرانيا قرض قدره ثلاثة مليارات دولار لروسيا في 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تتصاعد لهجة التصريحات بين موسكو وكييف، إذ أكدت موسكو نيتها اللجوء إلى القضاء الدولي في حال تعثر أوكرانيا، بينما تصر كييف على إعادة جدولة الديون مع شطب 20%، كما هو الاتفاق مع دائنيها الغربيين.

إلا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ربط إعادة جدولة القرض وتقسيطه على أعوام 2016 - 2018 بواقع مليار دولار سنويا، بتوفر ضمانات من الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي أو إحدى المؤسسات المالية الدولية، وهو أمر رفضته واشنطن بشكل رسمي.

وفي الوقت الذي كانت تتجه فيه روسيا نحو إعلان تعثر أوكرانيا عن سداد ديونها، قرر صندوق النقد الدولي رفع الحظر عن تمويل الدول ذات ديون سيادية متأخرة، الأمر الذي أثار غضب موسكو مشككة في نزاهة الصندوق.

وكان العضو في مجلس مدراء صندوق النقد الدولي عن روسيا، أليكسي موجين، كشف يوم الثلاثاء الماضي، أن مجلس المدراء أقر إصلاحاً يسمح بمنح القروض للدول في حال عجزها عن تسديد ديونها السيادية، فيما ربط الكثير من الخبراء مناقشة هذا الموضوع مع احتمال عجز أوكرانيا عن تسديد الدين لروسيا.

وكانت المبادئ السابقة لصندوق النقد الدولي صارمة بشأن الإقراض للدول التي عليها متأخرات، إذ كان الصندوق يمتنع عن إقراض الدول التي لا تظهر حسن نية في سداد متأخراتها للدائنين.

ورأى كيريل كوكتيش، أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أن قرار صندوق النقد الدولي "سابقة خطيرة" تنهي في الواقع نظام الصندوق الذي كان قائما منذ تأسيسه في عام 1945.

وقال كوكتيش لـ"العربي الجديد": "إذا بدأ صندوق النقد الدولي بتمويل دول عاجزة عن سداد ديونها، فنحن ندخل عهدا جديدا، وسيواجه الصندوق مشكلات مع الدول المتعثرة مثل اليونان".

كان وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانف، قال الأسبوع الماضي إن قرار الصندوق تغيير سياسته يمثل إجحافا بحق روسيا ويضفي شرعية على تخلف كييف عن سداد التزاماتها المالية، مشيرا إلى أن روسيا ستتوجه إلى القضاء لحماية حقوقها.

وقبل التعديلات الأخيرة التي أجراها صندوق النقد الدولي، كان سيتوجب على الصندوق إيقاف صرف شريحة ثانية من المساعدات بقيمة 1.7 مليار دولار من برنامج دعم دولي يبلغ إجماليه 40 مليار دولار يستمر لمدة 4 سنوات ويقدم صندوق النقد الدولي منها 17.5 مليار دولار، تم منح 5 مليارات دولار منها لكييف.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو، أن رفض واشنطن، التي تدعم السلطات في كييف، تقديم ضمانات لسداد أوكرانيا ديونها، يأتي بمثابة دليل على عدم ثقتها في آفاق ومستقبل الاقتصاد الأوكراني. واعتبر المسؤولون الروس أن هذا المأزق ما لا يترك خيارا لروسيا سوى مقاضاة أوكرانيا.

وكانت وزيرة المالية الأوكرانية ناتاليا ياريسكو قد أشارت يوم الثلاثاء الماضي إلى إمكانية رفض أوكرانيا دفع الديون المستحقة لروسيا في الموعد المحدد.

ولا تخلو قضية الديون من جانب سياسي، حيث منحت موسكو القرض الميسر بفائدة 5% لأوكرانيا في ديسمبر/كانون الأول 2013، وقت تولي الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا زمام السلطة في كييف، وذلك قبل هروبه إلى روسيا في فبراير/شباط 2014 بعد موجة من الاحتجاجات وأعمال العنف.

وكان بوتين ويانوكوفيتش، قد اتفقا في ديسمبر/كانون الأول 2013 على منح روسيا أوكرانيا قرضا قدره 15 مليار دولار عن طريق شراء سندات أوكرانية.

وفي إطار هذا البرنامج طرحت أوكرانيا سندات بقيمة ثلاثة مليارات دولار في بورصة إيرلندا، واشترتها روسيا على حساب صندوق الرفاه الوطني.

اقرأ أيضاً: موسكو تتوقع قرب إفلاس أوكرانيا..وكييف تراهن على صندوق النقد

وسبق للرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، أن وصف هذا القرض بأنه كان "رشوة" ليانوكوفيتش مقابل عدوله عن التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. ويطلق الخطاب الإعلامي والرسمي في أوكرانيا على هذا القرض اسم "ديون يانوكوفيتش".

ولا يخفي المسؤولون في موسكو موقفهم من السلطات في كييف، إذ توقع رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف، في حوار تلفزيوني قبل أيام ألا تسدد القيادة الأوكرانية ديونها "لأنهم محتالون"، على حد تعبيره.

وعلى الرغم من موقف موسكو الحازم، يتوقع ألكسندر أوخريمينكو، رئيس مركز التحليل الأوكراني، أن موسكو ستضطر في نهاية المطاف للتوصل إلى حل وسط مع كييف والقبول بإعادة جدولة القرض، لأن النظر في القضية بالقضاء الدولي سيستغرق وقتا طويلا، كما أن نتائجه غير مضمونة.

وقال أوخريمينكو في اتصال مع "العربي الجديد" من كييف: "لا تتوفر لدى أوكرانيا ثلاثة مليارات دولار لسدادها لروسيا دفعة واحدة حتى إن أرادت ذلك، وليس هناك بديل عن إعادة جدولة القرض مع شطب 20% منه وتأجيل مواعيد السداد".

وأضاف : "المفاوضات بين موسكو وكييف قد تستمر حتى بعد موعد سداد الدين، إذ سبق لأوكرانيا أن شهدت تعثرا تقنيا وقت المفاوضات مع الدائنين الغربيين".

وأشار الخبير الأوكراني إلى أن كييف اتفقت مع الدائنين الغربيين على إصدار سندات سيادية جديدة مقابل شطب 20% من ديونها، ورغم أن هذه السندات بلا قيمة اسمية، إلا أنها مرتبطة بتحقيق أوكرانيا نموا اقتصاديا يزيد عن 3% اعتبارا من عام 2021.

وقال: "في هذه الحالة سيحصل الدائنون على جزء من الديون المشطوبة، وهو أمر قد تستفيد منه روسيا أيضا".

وسبق لكييف أن اتفقت في أغسطس/آب الماضي مع الدائنين الغربيين من البنوك والصناديق على شطب 3.8 مليارات دولار أي 20% من ديونها البالغة 19.3 مليار دولار مع رفع سعر الفائدة من 7.2% في المتوسط إلى 7.75% كفائدة موحدة، وتأجيل موعد بدء سداد ما تبقى من الديون لمدة أربع سنوات أي حتى عام 2019. إلا أن روسيا لم تشارك في إعادة جدولة الديون الأوكرانية، معتبرة أنها ديون سيادية وليست تجارية، وبالتالي، لا تنطبق عليها هذه الآلية.

وعلى الرغم من شدة التوترات بين موسكو وكييف بسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014 ودعمها لمنطقة دونباس في شرق أوكرانيا، إلا أن البلدين لا يستطيعان الاستغناء عن أحدهما الآخر اقتصاديا نظرا للقرب الجغرافي وارتباط بنيتيهما التحتيتين في مجال الطاقة.

وتحتاج روسيا إلى أوكرانيا لنقل الغاز إلى أوروبا عبر أراضيها، بينما تحتاج أوكرانيا إلى الغاز الروسي رغم الخلافات المستمرة بشأن الأسعار وتعثرها عن سداد قيمته بانتظام وتراكم ديونها أمام عملاق الغاز الروسي "غازبروم". واستأنفت روسيا أيضا توريد الفحم إلى أوكرانيا بعد استئناف كييف إمدادات الكهرباء إلى القرم.

وتتجه روسيا للبدء بتطبيق حظر استيراد المواد الغذائية من أوكرانيا اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني 2016 مع دخول القسم الاقتصادي من اتفاقية الشراكة بين كييف والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ.

وسيتضرر الجانبان من هذه الخطوة، حيث ستخسر أوكرانيا سوقا هامة مثل روسيا، بينما ستواجه روسيا خطر زيادة معدلات التضخم في ظل حظر استيراد المواد الغذائية من عدد من الدول الغربية وتركيا.


اقرأ أيضاً:
صندوق النقد يغيّر قواعد الإقراض من أجل أوكرانيا
روسيا تقطع واردات الغاز عن أوكرانيا بسبب القرم

المساهمون