هل تتخيّل نفسك في محل لبيع الألبسة المستعملة، ثم تجد أمامك مواد غذائيّة على الرفوف، بالإضافة إلى علب حليب وخضار في الثلاجات؟ هذا ما تسعى إلى تحقيقه منظمات أهليّة في الدول الاسكندنافيّة مثل مجموعة "أوقفوا هدر الطعام"، ومنظمة العون الكنسي المتخصّصة في بيع الملابس المستعملة التي يذهب ريعها لدعم الفقراء حول العالم.
وبهدف تفادي إتلاف الغذاء مثلما تفعل معظم المتاجر الكبرى، تحاول تلك المنظمات الضغط على المشرّعين في بلدانها، حتى تتمكّن من أن تبيع هي المنتجات الغذائيّة التي اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها، بأسعار رمزيّة.
لكن سرعان ما تبيّن أن هذه المبادرات الاجتماعيّة الهادفة إلى وقف هدر المواد الغذائيّة، يقف في وجهها "جشع" يتخلّص من آلاف الأطنان من تلك المواد عبر تلفها حرقاً. ولا يأتي ذلك فقط بهدف الحفاظ على أسعار السوق، بل أيضاً بحجة دفع الضريبة غير المباشرة عليها. فيقول أصحاب تلك المتاجر إنهم إذا منحوها لتلك المنظمات ولم يحضروا أوراقاً رسميّة تثبت إتلافها، فهي ستبقى محسوبة عليهم كمواد تستوجب دفع الضريبة عليها.
وقد أدى ذلك إلى إغضاب كثيرين كانوا قد جهّزوا متاجر خاصة لتلك البضائع التي ظنّوا أنهم سيسوقونها في القريب.
وتشير بيانات المنظمات الوطنيّة الداعية إلى وقف هدر الطعام، إلى أن 303 آلاف طن من المواد الغذائيّة تُهدر سنوياً في المتاجر و237 ألفاً في المنازل. وعلى سبيل المثال، يُهدر في الدنمارك فقط 540 ألف طن سنوياً، وهو أمر يُشعر كثيرين بعدم الرضا، وأحياناً بالغضب مما يسمّونه "بيروقراطيّة القوانين وتصلبها وجشع المنتجين".
لا يقلّ هدر الطعام بأرقامه النرويجيّة والسويديّة عن تلك الدنماركيّة. والمنظمات الفاعلة في هذا الاتجاه تنسّق فيما بينها بهدف التوعية.
غريتا كريستيانسن ناشطة في منظمة "أوقفوا هدر الطعام"، في فرديسيبيرغ إحدى ضواحي كوبنهاجن. تقول: "أنت لا تشعر فقط بحزن نتيجة ذلك الهدر، بل حين نرى من حولنا أطفالاً جياعاً وآخرين من حول العالم أيضاً ونقوم بعمليّة حسابيّة من منظور الاقتصاد المجتمعي. حينها، ستشعر بغضب وأسى على هدر المليارات، إذ كان من الممكن أن نساعد بعضنا والآخرين من خلالها".
والمسألة لا تتعلق فقط بالدول الاسكندنافيّة، بحسب غريتا، بل بـ"مفهوم عالمي رأسمالي حول العالم". وتشير إلى أن "ثمّة مجتمعات تعاني من تخمة حقيقيّة تترافق بأمراض السمنة وتصلب الشرايين وغيرها. ونحن نرى أن الانتباه جاء متأخراً لهذه القضيّة".
برون أوكسفنسون ناشط نرويجي من منظمة "أوقفوا هدر الطعام"، يوضح من جهته أن "منظمة الأمم المتحدة قدّمت في العامَين 2011 و2012 أرقاماً مرعبة عن حجم ما تهدره الدول الصناعيّة، فقط للحفاظ على الأسعار". ويقول: "عندما كنت صغيراً كانت أمي تخبرني عن الجشع الرأسمالي حين كنت أشاهد أطفال إثيوبيا وهم يموتون جوعاً. أخبرتني عن رمي القمح والشعير في البحار للحفاظ على الأسعار. وظلت كلماتها عالقة في ذهني إلى أن اكتشفت بنفسي ما يجري".
وكانت الأمم المتحدة في تقريرها الذي أشار إليه أوكسفنسون قد قدّرت هدر الطعام في الدول الصناعيّة بنسبة 40%، موضحة أن الهدر الحاصل في الدول النامية ليس بالمستوى والنوعيّة نفسهما اللذَين يُلحظان في الدول المتقدّمة. فهذه مجرّد حجّة يقدّمها البعض لتوزيع المسؤوليّة مناصفة.
إلى ذلك، تشرح كريستيانسن: "نحن لا نتحدث فقط عن رمي الطعام في القمامة، وعدم التدبير المسؤول في تدوير المواد الغذائيّة، بل عن التخلّص من مواد صالحة تماماً للاستهلاك البشري. خذ مثلاً البطاطا، فبمجرّد أن تظهر عليها تجاعيد بسيطة، تُسحب فوراً من على الرفوف. وبالتالي، عندما يراها المستهلك على هذه الحال في منزله، فهو يرميها في القمامة". تضيف: "هذا أمر فظيع. كل المختبرات تقول إن ذلك الغذاء لا يضرّ بصحة الإنسان. الخبز أيضاً، حتى لو لم يكن طازجاً، يمكن تحميصه واستخدامه في أشياء أخرى بدلاً من رمي الأطنان منه. يمكن منحه لآخرين".
وبالفعل باتت متاجر كثيرة تضع الخبز في زاوية بعد تخفيض ثمنه بنسبة 75%، قبل انتهاء صلاحيته بيومَين أو ثلاثة.
وفي جولة على بعض المتاجر الكبرى مع اقتراب عيد الميلاد وازدياد المصاريف، يلاحظ المرء أن بعضها راح يضع ما لديه من مواد غذائيّة اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها في زوايا خاصة، فيقبل عليها المستهلكون الذين يعرفون الهدف من ذلك.
ويُعرّف "هدر الطعام" بأنه "كل مواد غذائيّة يمكن تناولها، لكن يجري تلفها".
وبهدف تفادي إتلاف الغذاء مثلما تفعل معظم المتاجر الكبرى، تحاول تلك المنظمات الضغط على المشرّعين في بلدانها، حتى تتمكّن من أن تبيع هي المنتجات الغذائيّة التي اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها، بأسعار رمزيّة.
لكن سرعان ما تبيّن أن هذه المبادرات الاجتماعيّة الهادفة إلى وقف هدر المواد الغذائيّة، يقف في وجهها "جشع" يتخلّص من آلاف الأطنان من تلك المواد عبر تلفها حرقاً. ولا يأتي ذلك فقط بهدف الحفاظ على أسعار السوق، بل أيضاً بحجة دفع الضريبة غير المباشرة عليها. فيقول أصحاب تلك المتاجر إنهم إذا منحوها لتلك المنظمات ولم يحضروا أوراقاً رسميّة تثبت إتلافها، فهي ستبقى محسوبة عليهم كمواد تستوجب دفع الضريبة عليها.
وقد أدى ذلك إلى إغضاب كثيرين كانوا قد جهّزوا متاجر خاصة لتلك البضائع التي ظنّوا أنهم سيسوقونها في القريب.
وتشير بيانات المنظمات الوطنيّة الداعية إلى وقف هدر الطعام، إلى أن 303 آلاف طن من المواد الغذائيّة تُهدر سنوياً في المتاجر و237 ألفاً في المنازل. وعلى سبيل المثال، يُهدر في الدنمارك فقط 540 ألف طن سنوياً، وهو أمر يُشعر كثيرين بعدم الرضا، وأحياناً بالغضب مما يسمّونه "بيروقراطيّة القوانين وتصلبها وجشع المنتجين".
لا يقلّ هدر الطعام بأرقامه النرويجيّة والسويديّة عن تلك الدنماركيّة. والمنظمات الفاعلة في هذا الاتجاه تنسّق فيما بينها بهدف التوعية.
غريتا كريستيانسن ناشطة في منظمة "أوقفوا هدر الطعام"، في فرديسيبيرغ إحدى ضواحي كوبنهاجن. تقول: "أنت لا تشعر فقط بحزن نتيجة ذلك الهدر، بل حين نرى من حولنا أطفالاً جياعاً وآخرين من حول العالم أيضاً ونقوم بعمليّة حسابيّة من منظور الاقتصاد المجتمعي. حينها، ستشعر بغضب وأسى على هدر المليارات، إذ كان من الممكن أن نساعد بعضنا والآخرين من خلالها".
والمسألة لا تتعلق فقط بالدول الاسكندنافيّة، بحسب غريتا، بل بـ"مفهوم عالمي رأسمالي حول العالم". وتشير إلى أن "ثمّة مجتمعات تعاني من تخمة حقيقيّة تترافق بأمراض السمنة وتصلب الشرايين وغيرها. ونحن نرى أن الانتباه جاء متأخراً لهذه القضيّة".
برون أوكسفنسون ناشط نرويجي من منظمة "أوقفوا هدر الطعام"، يوضح من جهته أن "منظمة الأمم المتحدة قدّمت في العامَين 2011 و2012 أرقاماً مرعبة عن حجم ما تهدره الدول الصناعيّة، فقط للحفاظ على الأسعار". ويقول: "عندما كنت صغيراً كانت أمي تخبرني عن الجشع الرأسمالي حين كنت أشاهد أطفال إثيوبيا وهم يموتون جوعاً. أخبرتني عن رمي القمح والشعير في البحار للحفاظ على الأسعار. وظلت كلماتها عالقة في ذهني إلى أن اكتشفت بنفسي ما يجري".
وكانت الأمم المتحدة في تقريرها الذي أشار إليه أوكسفنسون قد قدّرت هدر الطعام في الدول الصناعيّة بنسبة 40%، موضحة أن الهدر الحاصل في الدول النامية ليس بالمستوى والنوعيّة نفسهما اللذَين يُلحظان في الدول المتقدّمة. فهذه مجرّد حجّة يقدّمها البعض لتوزيع المسؤوليّة مناصفة.
إلى ذلك، تشرح كريستيانسن: "نحن لا نتحدث فقط عن رمي الطعام في القمامة، وعدم التدبير المسؤول في تدوير المواد الغذائيّة، بل عن التخلّص من مواد صالحة تماماً للاستهلاك البشري. خذ مثلاً البطاطا، فبمجرّد أن تظهر عليها تجاعيد بسيطة، تُسحب فوراً من على الرفوف. وبالتالي، عندما يراها المستهلك على هذه الحال في منزله، فهو يرميها في القمامة". تضيف: "هذا أمر فظيع. كل المختبرات تقول إن ذلك الغذاء لا يضرّ بصحة الإنسان. الخبز أيضاً، حتى لو لم يكن طازجاً، يمكن تحميصه واستخدامه في أشياء أخرى بدلاً من رمي الأطنان منه. يمكن منحه لآخرين".
وبالفعل باتت متاجر كثيرة تضع الخبز في زاوية بعد تخفيض ثمنه بنسبة 75%، قبل انتهاء صلاحيته بيومَين أو ثلاثة.
وفي جولة على بعض المتاجر الكبرى مع اقتراب عيد الميلاد وازدياد المصاريف، يلاحظ المرء أن بعضها راح يضع ما لديه من مواد غذائيّة اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها في زوايا خاصة، فيقبل عليها المستهلكون الذين يعرفون الهدف من ذلك.
ويُعرّف "هدر الطعام" بأنه "كل مواد غذائيّة يمكن تناولها، لكن يجري تلفها".