شرارة الحرب التجارية..أوروبا والصين تهددان بالرد على رسوم ترامب

08 مارس 2018
ألمانيا دعت لرد أوروبي قوي على تهديدات ترامب(لوكاس شولتز/Getty)
+ الخط -
ربما لم يتوقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تؤدي تهديداته للاتحاد الأوروبي بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على السيارات في حال ردهم تجاريا على قراره بفرض رسوم على الصلب والألمنيوم، ولكن تأتي الرياح بما لم تشته السفن.
وصعد الأوروبيون من تهديدهم المضاد لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على رموز الصناعة الأميركية، حيث أكد مفوض الشؤون المالية الأوروبي، بيير موسكوفيتشي، الخميس، أن الاتحاد يملك "ترسانة" كاملة للرد.

استعارة موسكوفيتشي لمصطلح عسكري وهو ترسانة بما تحمله من دلالات في إطار رده على تهديد تجاري، يؤكد أن العالم على مشارف حرب تجارية فعلية إن استمر كل طرف في تنفيذ تهديداته.
يزيد من إشعال الحرب التجارية وما تؤدي إليه من تداعيات على اقتصاد العالم أجمع دخول قوى اقتصادية كبرى أخرى على الخط رأت أن تهديدات ترامب تستهدف اقتصادها وبخاصة الصين.
ورغم أن العالم بدأ فعليا في التحول إلى تكتلات ومناطق اقتصادية منفتحة على بعضها تجاريا مقابل التكتلات الأخرى، إلا أن هذه التكتلات ذاتها ترفض أي انتقاص من مكاسبها من حرية التجارة، خاصة إذا كان اقتصادها يقوم على التصدير.

ورغم أن قرارات ترامب الخاصة بفرض رسوم على واردات الصلب والألمنيوم تضر بشكل مباشر صادرات الصين باعتبارها المنتج الأكبر عالميا للصلب، إلا أن أوروبا رأت أن فرض الرسوم يمكن أن يمتد إلى منتجات أخرى وأنه يقوض حرية التجارة العالمية.
وتبلغ قيمة الصادرات الأوروبية من الصلب للولايات المتحدة 6 مليارات دولار تقريبا سنويا، ومن الألمنيوم 1.23 مليار دولار، وتفيد حسابات المفوضية الأوروبية بأن الإجراءات الأميركية الحمائية ستسبب أضرارا لأوروبا بقيمة 3.5 مليارات دولار تقريبا.

وتأمل أوروبا بأن يستثنيها ترامب من قرار فرض الرسوم الجمركية، وفقا لنائب رئيس المفوضية الأوروبية جيركي كاتاينن، الذي أكد، الخميس، أن إعفاء دولة واحدة من دول الاتحاد سيسري على الاتحاد ككل، مضيفا أن الاتحاد ما زال يحاول إقناع الولايات المتحدة بأن الرسوم فكرة سيئة.
وقال كاتاينن، وفقا لوكالة "رويترز،" إنه "لا حاجة بنا للعودة إلى الثلاثينيات. تكفي العودة إلى العقد الأول من الألفية الحالية عندما فرضت السلطات الأميركية رسوما على واردات الصلب من أوروبا. كانت النتيجة العملية أن فقدوا آلاف الوظائف في الولايات المتحدة".

أما السيناريو الأوروبي الآخر والأكثر توقعا، فهو أن لا يستثني ترامب أوروبا أو أي من دولها من قرار فرض الرسوم، ومن ثم فهي تتأهب للرد على حرب ترامب التجارية التي لم تكن تتمنى أن تنشب، وفقا لمفوض الشؤون المالية الأوروبي بيير موسكوفيتشي، الذي أكد أن أوروبا "تجهز ردا وإجراءات مضادة ستكون فورية"، وأضاف موسكوفيتشي في تصريحات لتلفزيون "بي.اف.ام"، الخميس: "إذا قرر دونالد ترامب الإجراءات هذا المساء، فلدينا ترسانة كاملة تحت تصرفنا للرد بها".

وأوضح موسكوفيتشي أن الإجراءات المضادة ستشمل رسوما أوروبية على صادرات الولايات المتحدة من البرتقال والتبغ والبوربون (نوع من الويسكي)، وهي سلع قال "إنها تنتج بدرجة كبيرة في الدوائر الانتخابية المؤيدة للحزب الجمهوري المنتمي ترامب إليه"، مشيرا إلى أنه "سيحق لأوروبا أيضا تقديم شكوى أمام منظمة التجارة العالمية".
وتأتي تصريحات موسكوفيتشي متوافقة مع تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، التي أطلقها الأربعاء، وأكد خلالها أن الاتحاد الأوروبي مستعد "للرد بحزم وتكافؤ"، مشيراً إلى أن شركات مثل هارلي ديفيدسون وليفايس وكذلك الويسكي الأميركي يمكن أن تستهدف، كما شدد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك على أن الحروب التجارية "سيئة ومن السهل خسارتها"، وذلك ردا على قول ترامب إن هذه الحروب "جيدة ومن السهل الانتصار فيها".

من جانبها، قالت وزيرة الاقتصاد الألمانية، بريجيته تسيبريس، الخميس، إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يرد إذا فرض ترامب الرسوم الجمركية. وأضافت تسيبريس التي تمثل أقوى اقتصاد أوروبي والرابع عالميا، للتلفزيون الألماني: "أعتقد أن علينا، كاتحاد أوروبي، أن نرد، لأن ملف المنافسة هو مع الاتحاد الأوروبي"، مضيفة أنه "يبدو أن علينا أن نتقدم بشكوى لمنظمة التجارة العالمية على كل حال".
أما القوة الأوروبية الثانية وهي فرنسا، فقد أكد وزير خارجيتها جان إيف لودريان، الخميس، أن على أوروبا أن ترد بحسم على الرسوم الجمركية التي سيفرضها ترامب على واردات الصلب والألمنيوم، ووصف الوزير الفرنسي هذه الرسوم بالحواجز التجارية التي ستضر بالمصالح الأميركية في المدى الطويل، مضيفا لقناة سي-نيوز الإخبارية، أن "أوروبا يجب أن تظهر قوتها. يجب أن ترد بحسم".

كانت المفوضية الأوروبية قد عرضت، الأربعاء، استراتيجيتها للرد على تهديدات ترامب الحمائية. ورغم أن المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالستروم لم تعلن إجراءات ملموسة، إلا أنها عرضت فقط الإجراءات التي يمكن أن يتخذها الاتحاد الأوروبي.
وقالت مالمستروم إنه "تجري مناقشة لائحة موقتة"، وسيتم "نشرها قريبا"، وأضافت "هناك على هذه اللائحة منتجات من الفولاذ، ومنتجات صناعية وزراعية"، لافتة إلى "بعض أنواع الويسكي ومواد أخرى، مثل زبدة الفستق وعصير البرتقال".

وأشارت مالمستروم إلى أن المفوضية تريد "اتخاذ تدابير لإعادة التوزان التجاري وليس للثأر من الأميركيين"، مشيرة إلى أن العمل جار للبحث عن بدائل لصالح المستهلك الأوروبي، إضافة إلى التعاون مع باقي الشركاء الدوليين، مثل أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، لتشكيل "جبهة موحدة" ضد إجراءات ترامب.
ولا تتضمن لائحة المنتجات التي يدرسها الاتحاد شركات، بل تستهدف في ثلثها منتجات من الفولاذ، وفي ثلثها الثاني منتجات زراعية، وفي الثلث المتبقي منتجات متنوعة، مستخدمة بنودا جمركية عامة، مثل "السراويل القطنية للرجال".

ويتعلق الأمر عمليا بفرض رسوم على بعض المنتجات الأميركية المحددة لتوجيه رسالة إلى ترامب، مثل استهداف شركات في الولايات الأكثر تأييدا له، حيث تسعى المفوضية الأوروبية إلى أن يكون التأثير السياسي لهذه الإجراءات الانتقامية في حده الأقصى في الولايات المتحدة مع الحد من آثاره على المستهلكين الأوروبيين.
كما تفكر بروكسل في اتخاذ إجراءات تعرف باسم "إعادة التوازن" لتعويض قيمة الأضرار، بما ينسجم، في رأيها، مع قواعد منظمة التجارة العالمية. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر أوروبي لم يذكر اسمه، أنه إلى جانب الإجراءات الانتقامية يمكن للاتحاد أن يتخذ خلال أسابيع أيضا إجراءات تسمى "إنقاذية" لحماية صناعته.

ويقضي ذلك بخفض الواردات الأوروبية من الفولاذ والألمنيوم لحماية القطاعين من الصناعة الأجنبية بحسب ما تسمح به قواعد منظمة التجارة العالمية، كما يمكن للمفوضية الأوروبية التقدم، إذا احتاج الأمر ومع الدول المعنية الأخرى بما فيها الصين، بشكوى مشتركة إلى منظمة التجارة العالمية، وهو إجراء يستغرق سنتين بشكل عام. 
وأوضح المسؤول الأوروبي نفسه "لا نذكر بذلك دائما، لكن القدرة المفرطة في قطاع الفولاذ ناجمة بشكل أساسي عن الصين"، أول منتج عالمي لهذه المادة، والتي يشتبه بأنها تؤمن دعما ماليا لإنتاجها، مضيفا أن "أوروبا من جهتها، تشكل جزءا من الحل".

القوة الاقتصادية الأخرى التي تستعد للرد على تهديدات الرئيس الأميركي التجارية هي الصين، والتي تصاعد خطابها المضاد مع مرور الوقت بعد تأكدها من أن ترامب ماض في إصدار قراره، حيث قال المتحدث باسم الجمعية الوطنية الشعبية (البرلمان)، تشانغ يسوي، إن "الصين لا تريد حربا تجارية مع الولايات المتحدة، لكن إذا قامت أميركا بفعل من شأنه الإضرار بالمصالح الصينية، فان بكين لن تقف مكتوفة الأيدي وستتخذ ما يلزم من إجراءات"، وأبدى تشانغ مخاوف إزاء الانزلاق في دوامة تخرج عن السيطرة.
والخميس، أعلن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أن بلاده سيكون لها "حتما رد مناسب وضروري" إذا ما فرضت الولايات المتحدة إجراءات تجارية ضدها.

وخلال مؤتمر صحافي على هامش الجلسة السنوية للبرلمان، قال وانغ "في عصرنا المعولم اليوم، إن من يلجأون إلى الحرب التجارية يختارون العلاج الخاطئ، لأن جلّ ما يفعلونه هو أنهم يعاقبون أنفسهم"، مضيفا أن "دروس التاريخ تعلّمنا أن الحروب التجارية ليست أبدا الحل الأمثل لمعالجة مشكلة".

المساهمون