فرئيس وزراء مالطا، جوزيف موسكات، الذي تترأس بلاده حاليا الاتحاد الأوروبي، أعلن في ختام اجتماع لرؤساء حكومات دول الاتحاد الجمعة الماضية في العاصمة المالطية فاليتا، عن خطة متكاملة لمعالجة هذه الظاهرة باشتراك الجانبين التنفيذي والاجتماعي في ليبيا، والمتمثلة في جانبها الأول بتنفيذ بنود اتفاقية أبرمها مؤخرا المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مع الحكومة الإيطالية، تتحول بموجبها ليبيا إلى ما يشبه حارس حدود لدول جنوب أوروبا، ومركز إيواء لصالح الأوروبيين الذين سيتكفلون بتمويل نفقات إقامة معسكرات لإيواء المهاجرين غير الشرعيين، ليمضوا فيها فترة إلى حين ترحيلهم إلى بلدانهم.
أما الجانب الاجتماعي الذي لم يوضحه موسكات بشكل مستفيض، فقد ركز على التعاون مع القبائل الليبية المتعاونة حاليا مع مهربي البشر، الذين قال إنهم يتحصلون على قرابة 6 ملايين يورو أسبوعيا كعمولات لتهريب المهاجرين غير الشرعيين من الحدود الجنوبية لليبيا إلى داخل الأراضي الليبية، ليتم شحنهم بوسائل مختلفة إلى الحدود البحرية في شمال البلاد لتهريبهم منها إلى أوروبا.
وعلى الرغم من عدم توضيح موسكات لتفاصيل أكثر عن هذا التعاون الذى أكدته صحيفة "دايلي ميل" البريطانية، في عددها الصادر يوم السبت، إلا أن خبراء ليبيين أكدوا في وقت سابق أنهم أسدوا النصح إلى الأوروبيين لشراء ولاء هذه القبائل للتعاون في وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
ولا يعتقد أن هذه الفكرة ستنجح حتى في حال تواصل الأوروبيون بالفعل مع القبائل، لصعوبة وتعقيد عصابات التهريب التي لا تخشى القانون ولا تقيم وزناً للعرف القبلي، وبالتالي سيجد قادة أوروبا أنفسهم مضطرين إلى التواصل مع هذه العصابات، وهذا إن حدث فسيعني أنهم سيستغلون الأموال المقدمة لهم بدل تجارتهم في أنشطة أخرى ربما تكون مضرة هي الأخرى.
هذا ولا تعد فكرة "شراء الولاءات" إن تمت هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها تجارب مماثلة في اليمن والعراق بعد أن قامت الولايات المتحدة عام 2006 باستمالة عناصر القبائل التي كانت تقاتل إلى جانب تنظيم القاعدة بمحافظة الأنبار العراقية ومحافظات أخرى، بالأموال وأسهمت بتشكيل ما يعرف بـ "الصحوات" لمحاربة عناصر التنظيم من قبل عناصر انشقت عنه وتعرف خباياه بالكامل.
وقال الصحافي الليبي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي، علي اوحيدة، في تدوينة على حسابه في فيسبوك، إن إيطاليا ستشرف بنفسها ورسميا على معسكرات إيواء اللاجئين في ليبيا لوقف انتقادات منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، وأضاف أن شركة سيليكس، التابعة لمجموعة "ليوناردو-فينميكانيكا" للصناعات العسكرية، هي المستفيد الأول من الصفقة الليبية الإيطالية في تجهيزات ومعدات بقيمة ملايين اليوروات.
ووقع المجلس الرئاسي للحكومة، الجمعة الماضية، على مذكرة تفاهم مع إيطاليا بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية، نصت على تسليم إيطاليا 3 زوارق حربية إلى ليبيا، دون تحديد موعد تسليمها، رغم أن الاتفاق السابق الموقع سنة 2008 بين النظام الليبي السابق وروما أشار إلى 6 زوراق.
وقال خبراء قانون إن المادة السابعة من مذكرة التفاهم الموقعة تعد من أخطر المواد، إذ إنها تفتح باب التعديل عليها بتبادل المذكرات عن طريق القنوات الدبلوماسية بين البلدين، بالإضافة إلى أن الإشارة إلى مراكز الإيواء الحالية قد تُستغل لزيادة الطاقة الاستيعابية لهذه المراكز، وتضاف إليها المادة الأولى التي تحدثت عن إطلاق مبادرات دون تحديد نوعها وحدودها.
وقالت المحامية الليبية، عزة المقهور، في تدوينة على حسابها في فيسبوك، إن تنفيذ كل الالتزامات الناشئة عن مذكرة التفاهم الليبية الإيطالية ستكون على الأراضي الليبية، وبالتالي يتحمل الجانب الليبي حصة الأسد فيها، وما هو "بأسد على الإطلاق"، وذلك على حد تعبيرها.
وقالت "طالما أن مذكرة التفاهم تستند إلى معاهدة الصداقة الليبية الإيطالية المبرمة في عام 2008، لماذا لم تنفذ هذه المعاهدة بكل ما ورد فيها من التزامات على الجانب الإيطالي؟ وما الحاجة إلى مذكرة التفاهم هذه؟".
ويبقى التساؤل مطروحا بعيداً عن الاتفاق الموقع في روما، أو مباحثات بروكسل، بشأن مدى علم السراج والمجلس الرئاسي بما قاله رئيس الوزراء المالطي، أمس، في مالطا، بشأن الاتفاقات المتوقعة مع القبائل من عدمه، لا سيما بعد التصريحات المستمرة للسراج نفسه بشأن رفض توطين المهاجرين في ليبيا أو التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد.