أورباخ: صهيوني مكّن المتديّنين من الإعلام

19 فبراير 2015
أوري أورباخ (من الانترنت)
+ الخط -
خرج التيار الديني الصهيوني في إسرائيل عن طوره وهو يودع الوزير أوري أورباخ (54 عاماً) الذي توفى السبت الماضي. إذ أجمع الذين أبّنوه على أنّه كان أبرز من أسهم في تمكين التيار الديني من كسر احتكار العلمانيين للنخبة الإسرائيلية.

ويرى كثيرون أنه يعود إلى أورباخ الفضل في اختراق شباب التيار الصهيوني المتديّن سوق الإعلام الإسرائيلي، وفرض رواية هذا التيار على الجدل الداخلي. ويعتبر الصحافي شوفال بلاح، في مقال نشرته "ميكور ريشوون"، أنّ أورباخ "مفجر الثورة الدينية" التي استهدفت الإعلام الإسرائيلي، وكان لها بالغ الأثر في جعل هذا الإعلام ينظر بحساسية كبيرة تجاه القضايا المتعلقة باليهودية كدين، وليس كمجرد رابط قومي.
ولا خلاف داخل الأوساط الإسرائيلية على أنّ المقال الذي كتبه أورباخ في أكتوبر/تشرين الأول 1992 في أسبوعية "نكوداه"، المتحدثة بلسان المستوطنين، كان مقالاً "تأسيسياً" بكل ما تعني الكلمة، إذ إنه شكل نقطة تحول فارقة نحو توجه المتديّنين الصهاينة للانقضاض على قطاع الإعلام، بعدما كانوا قد انقضوا على الجيش والمؤسسات الاستخبارية. وقد دعا أورباخ أبناء وبنات التيار الديني الصهيوني إلى اقتحام سوق الإعلام بقوة، من أجل التأثير في اتجاهات الرأي العام وعدم الاكتفاء بالتسلل إلى المواقع القيادية في جيش الاحتلال من خلال الالتحاق بالوحدات المقاتلة وألوية الصفوة.


وجاء مقال أورباخ بعنوان "الممتازون للإعلام" ردّاً على الشعار القائل "الممتازون للطيران"، وهو الشعار الذي عكس في الواقع الموقع الريادي الذي يشغله سلاح الجوّ مقارنة ببقية أذرع الجيش الإسرائيلي، ويشي بنظرة "الإكبار" التي يرى بها المجتمع الإسرائيلي الشباب الذين يلتحقون بهذا السلاح.

وكان هذا المقال موجّهاً بشكل أساسي إلى مرجعيات التيار الديني الصهيوني التي ظلت تحرض عناصر هذا التيار على اختراق الجيش والمؤسسة الأمنية، وتجاهلت الإعلام، فقد عدّ أورباخ العوائد الإيجابية الناجمة عن اختراق قطاع الإعلام لا تقل أهمية، إن لم تكن أكبر، من عوائد اختراق المؤسسة الأمنية.
لم يكتف أورباخ الذي كان يعمل صحافياً، بالتنظير لاختراق الإعلام، بل أخذ يقوم بجولات في  المدارس التابعة للتيار الديني الصهيوني.
ويستفسر عن وجود طلاب يمكن أن يكون لهم مستقبل في قطاع الإعلام، إذ حرص على التواصل مع هؤلاء الشباب بشكل شخصي، وحثّهم على الالتحاق بسلك الإعلام. وقد حقق تحرك أورباخ نجاحاً مدوياً، إذ تمكن عناصر التيار الديني الصهيوني من اختراق وسائل الإعلام التي كانت حكراً على العلمانيين.
ومن خلال مراقبة نشرات الأخبار والبرامج الحوارية التي تبثّها قنوات التلفزة الرائدة في إسرائيل، يمكن ملاحظة القبعات الدينية التي تغطي رؤوس عدد مهم من مقدمي البرامج والمعلّقين والمراسلين الشباب.

وقد حثّ أورباخ رجال الأعمال من المتديّنين وذوي التوجهات اليمينة على الاستثمار في مجال الإعلام، لكسر احتكار ملكية العلمانيين قنوات التلفزة والصحف ومحطات الراديو، وأخيراً الإعلام الجديد. وبالفعل فقد تم عام 1997 تدشين "مكور ريشون"، كأول صحيفة غير حزبية تعبّر عن توجهات التيار الديني الصهيوني. وقد زاد نصيب المتديّنين من إجمالي أسهم الشركات المساهمة التي تملك قنوات التلفزة الرائدة، خصوصاً القناتين الثانية والعاشرة. وقد أثر هذا الاختراق ليس في فتح المجال أمام المتديّنين للانخراط في العمل التلفزيوني فقط، بل أيضاً على مضامين البرامج التي تبثها هذه القنوات.


وزاد عدد البرامج التي تركز على الديانة الثقافة والتاريخ اليهودي، فضلاً عن منح وزن كبير لرواية التيار الديني السياسية والأيديولوجية.
ودشن أورباخ لوبي ضم وزراء ونواباً ومرجعيات دينية لدعم الصحافيين المتدينين وإزالة العوائق التي يمكن أن تقف في طريقهم. ويدين هؤلاء بالفضل لأورباخ وبدوره في تشجيعهم على الوصول إلى ما وصلوا إليه. وفي مقال تأبيني نشره موقع "عروتس شيفع" أول من أمس، وحمل عنوان "كلنا أبناؤك يا أوري"، كتب المراسل السياسي في قناة التلفزة الثانية، عميت سيغل: "باسم كل أبناء الصهيونية الدينية من الإعلاميين، أقول لك شكراً، لأنك أشرفت على إعدادنا وتطوير قدراتنا على مدى سنين طويلة، ونجحت في إيصال صوت الصهيونية الدينية إلى كل بيت في إسرائيل".
وشدد سيغل على دور أورباخ في وضع حد لهيمنة العلمانيين على الإعلام، مشيراً إلى أنه لولا جهود أورباخ لما تمكن زملاؤه من المتدينين من الظهور على قنوات التلفزة. ومن هنا، لم يكن مستغرباً أن يشير الباحث روعي لحمونفيتش في مقال نشرته "معاريف" أخيراً إلى حقيقة أن المتديّنين باتوا يسيطرون على النخبة الإسرائيلية.
على الصعيد الشخصي، بدأ أورباخ مسيرته المهنية عام 1988، إذ عمل محرراً في عدد من المطبوعات التي يصدرها التيار الديني الصهيوني. وكان أول صحافي من التيار الديني الصهيوني يلتحق براديو الجيش، وبعد ذلك التحق بسلطة البث الثانية، إذ قدّم وأعدّ برامج ثقافية في قناة التلفزة الثانية. انتمى أورباخ إلى حزب "البيت اليهودي" الذي يمثل التيار الديني الصهيوني، وكان يشغل منصب وزير "شؤون المواطنين المخضرمين".
المساهمون