أوبرا باريس... هل تقفل أبوابها؟

17 فبراير 2019
أوبرا باريس (Getty)
+ الخط -
ماذا يحدث في أوبرا باريس؟ وهل ستُضطر هذه المؤسسة العريقة لإغلاق أبوابها؟ ما الذي يحدث في هذه المؤسسة العمومية الفرنسية، الواقعة تحت وصاية الدولة، التي تأسست سنة 1669، تحت اسم الأكاديمية الملكية في باريس للموسيقى. ثم تغير اسمها سنة 1978، إلى المسرح الوطني لأوبرا باريس، وسنة 1990 أصبحت "أوبرا باريس"، ويديرها منذ سنة 2014، ستيفن ليسنر. إذْ قرر وزير الثقافة الفرنسي الحالي استبدال مديرها الحالي ستيفن. وثمَّة خوف من أن السنّ القانونية لترؤس وإدارة المؤسسات العمومية، هي وراء القرار. ولكنْ كثيرون في المجال الموسيقي والفني الفرنسي، يتساءلون لماذا لم يتمّ التفكير في هذا الأمر من قبل؟ فلو تتبّعت الأمور مسارها الطبيعي، فمن الأرجح أن يغادر ستيفن ليسنر وظيفته على رأس دار أوبرا باريس، في نهاية يوليو/ تموز 2021.
تساؤلات ضرورية، لأن الإشراف على إدارَة مؤسسة عريقة كأوبرا باريس، يستدعي وجود شخصية كفوءة من طينة ليسنر. كما أنه يتطلَّب توفُّر الوقت الكافي، ثلاث سنوات على الأقل، لمواجهة جميع التحديات. سواء تعلَّق الأمر بالتفاوض مع أفضل الأصوات، وأيضاً لجلب أصوات شابّة وواعدة، ثم إعدادها بشكل مثالي، دون إغفال التخطيط المسؤول الذي يضمن استمراريَّة دار عتيقة كهذه، واشتغالها جيّداً. أي توفر معرفة دقيقة بالأجهزة الإدارية والتقنية والاجتماعية والنقابية لمثل هذا البيت، وذلك حتى يسود الحدّ الأدنى من الانسجام. وحتى تتجدَّد، كل مساء، معجزة رفع ستارة المسرح. ويسودُ قلقٌ من غلق مفاجئ لأوبرا باريس، بسبب التأخر الجاري في اختيار مدير الأوبرا، الذي سيجد نفسَه، مضغوطاً بالزمن، ومُكبَّلاً بكثير من الإكراهات قبل تسلُّمه مهامّه. وحتى طرق اختيار خَلَف للمدير الحالي، تثيرُ بعض المخاوف، على الرغم من تسمية لجنة مكلفةٍ باقتراحِ اسم نهائي على وزير الثقافة، ومن بعدها على رئيس الجمهورية. ويعود سبب الخوف، إلى أنّ تشكيلَ لجنةٍ ما في فرنسا، غالباً ما يكون إجراءً رديفاً لإرجاء مشكلة ما، أو التخلص منها.

ويتدخَّل الباحث الموسيقي، ألان ديولت، وصاحب كتاب "القاموس العاشق للأوبرا"، في هذا الجدل. ويستعرض أسماءً وازنة دار حولها الجدل في الأسابيع الأخيرة لتسلم المسؤولية الجديدة، كسيرج دورني وبيتر كالوفي وكريستوف غريستي وجان لويس غريندا ودومينيك ميير. ويعتبر ديولت هذه الأسماء جديّة وكفوءة، ولكنه يراها منشغلة بأنشطة في أماكن أخرى. فسيرج دروني، وقَّع على عقد عمل في ميونخ. بينما بيتر كالوفي يعمل في بروكسل. والثالث، كريستوف غريستي، لا يريد مغادرة مدينته، تولوز. أما جان لويس غريندا، فهو يحاول خلق التوازن بين أعماله في "مونتي كارلو" و"أورانج"، ومسؤولياته السياسية في إمارة موناكو. والمرشح الأخير، دومينيك ميير، على وشك الانتهاء من مهمته في فيينا، لكن السنّ تزاحمه، إذْ يبلغ ثلاثة وستين عامًا.
المرسوم الذي يُنظِّم اشتغال أوبرا باريس، ينص على أن سنّ التقاعد هي 67 سنة. إلّا أن مغادرة ستيفن ليسنر، إذا تأكدت في 31 يوليو/ تموز 2021، ستجعل سلفه الأكثر حظاً دومينيك ميير، يأخذ مكانه في اليوم التالي. وفي هذا التاريخ، سيكون دومينيك ميير قد بلغ سنّ الخامسة والستين. وبالطبع سيبلغ سنّ 67، أي سنّ التقاعد، وهو لم ينتهِ بعد من ولايته في إدارة المسرح. ولكنه سيُكمل ما تبقى من ولايته، لأن مرسوم العمل في فرنسا يسمح له بذلك.
ولكن، ثمَّة احتمال بأنَّ الدولة الفرنسية، وهي الوصيّة بشكل أساسي على الأوبرا الوطنية في باريس، والمنشغلة، حالياً، بأكثر من ملف وقضية عاجلة، ستسمح بتجديد الولاية الحالية لستيفن ليسنر. ويؤيد كثير من رجال الفن والإبداع هذا الحلّ. والأسباب عديدة، منها قدرة ليسنر في الإشراف على إنجاز القاعة القابلة للتعديل والتغيير (تَسَع القاعة 800 مقعد على مساحة 1200
م2)، التي أرادها الموسيقي الكبير بيير بوليز الذي رحل في 5 يناير/ كانون الثاني 2016. ويؤكد ألان ديولت أن ستيفن ليسنر كان مقرَّباً من بيير بوليز، وكان يأمل العمل على تحقيق هذا المشروع العزيز على قلب مُرشده وأستاذه.
ويراهن أنصار التجديد للمدير الحالي على قدرته على إنجاز أهداف هذه القاعة المتحولة، كما ورد في تقرير موسم 2017-2018. ويتوقع أن تتمكن القاعة الجديدة من استقبال مسرحيات معاصرة، وستفتح فضاءً جديداً من أجل الفنانين الشباب الذين تلقوا تعليمهم في أكاديمية أوبرا باريس. وستتمكن القاعة الجديدة أيضاً، من استقبال جمهور شاب، و"بروفات" مسرحية. كما أنها سترفع من عائدات الإيرادات المالية الخاصة. وتم تخصيص مبلغ 59 مليون يورو لإنجاز هذه القاعة، يُموّل قسماً منه رُعاة الثقافة. وسيشرف على إنجاز هذه القاعة المهندس المعماري هينينغ لارسن، وهو من صمم الأوبرا الملكية في الدنمارك. وستبدأ الأشغال على القاعة في ربيع عام 2020، ويتوقّع أن تكون جاهزة في يناير/ كانون الثاني 2023.

إذًا، فإنَّ المدير الحالي ستيفن ليسنر، يمتلك حظوظًا في البقاء فترة أطول في منصبه، أي لسنتين إضافيتين، حتى ينجز ما كان يأمله أستاذه، والكثير من عشاق الموسيقى في فرنسا. ولكن "شفافية وزارة الثقافة لا تزال منعدمة"، كما يخشى ألان دويت. وفي حال تلكؤ الوزارة، فقد تجد الأوبرا نفسها، كما حدث في نهاية ستينيات القرن الماضي، مضطرة لغلق أبوابها خلال موسمين اثنين هما 2021-2022 و2022-2023. وهذا ما سيُمثل خسارة مكلفة من حيث توقف العائدات، وانسداد آفاق أمام الموسيقيين، وخاصة الشباب منهم. وهذا ما لا يريده أحدٌ، وخاصة في فرنسا بلد الثقافة والموسيقى.

المساهمون