أوباما وطموحات "السلام" الفلسطيني: بحث عن دور بعد الرئاسة

11 مارس 2016
لا ود كبيراً بين أوباما وكلينتون (ميغيل فيلاغران/Getty)
+ الخط -
يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، بدأ يخطط لدور سياسي بعد انتهاء ولايته الرئاسية، ولكن آماله ستكون مرتبطة بمن سيخلفه في سدة الرئاسة، إذ ستختلف خيارات أوباما إذا كان الرئيس المقبل هو بيرني ساندرز وليس هيلاري كلينتون، أو إذا أصبح الرئيس المقبل هو السيناتور تيد كروز بدلاً من صديق أوباما رجل الأعمال دونالد ترامب.

لكن بغض النظر عمن سينجح في الوصول للبيت الأبيض، فقد بدأ أوباما الذي ستنتهي ولايته في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل، يدرس جدياً، طبقاً لما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" أخيراً، سبل التعويض عن فشله خلال سنوات رئاسته في تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، لإنجاز ذلك بعد خروجه من البيت الأبيض، وخصوصاً أن التطورات الدولية والإقليمية المستجدة تسمح بذلك على غير ما كانت عليه في سنوات رئاسة أوباما. ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين بارزين، أن البيت الأبيض بدأ بالفعل يناقش ما إذا كان من المناسب لأوباما أن يطرح الخطوط العريضة لمشروع حل عن طريق قرار دولي جديد يتبناه مجلس الأمن الدولي، أم عن طريق خطاب تاريخي يلقيه أوباما. والجديد في الأمر أن الهدف لن يكون مجرد عودة لمفاوضات مباشرة بين طرفين يدرك الجميع حالياً استحالة استئنافها، ولكن لجعل مقترحات 2014 التي طرحها وزير الخارجية الأميركية جون كيري على طرفي الصراع، منطلقاً لمشروع حل يستمد قوته وشرعيته من قرار لمجلس الأمن الدولي. ولفتت الصحيفة إلى أن تجدد التوتر الشخصي بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ربما يكون عائداً جزئياً إلى هذه المساعي الأميركية التي لا يرغب بها نتنياهو، ولهذا رفض مقابلة أوباما في الثامن عشر من الشهر الحالي في واشنطن.

ولكن ما لم تذكره "نيويورك تايمز" هو ما تردد من شائعات عن أن أوباما يطمح لتولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة عقب انتهاء فترة رئاسته وفقاً لما نشرته بعض المواقع الأميركية والعربية. لكن التقليد الدولي الذي تلتزم به الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، يقوم على عدم التنافس بينها على منصب الأمين العام وترك المنصب للدول الأخرى خارج نطاق القوى الخمس الكبرى. ومن المحتمل أن الشكوك التي أثيرت حول سعي أوباما للمنصب كانت ناجمة من الخلط بين رغبته في القيام بدور محدد في قضية محددة عن طريق المنظمة الدولية وعن طريق صلته بالرئيس المقبل للولايات المتحدة، وقدرته على تقديم الاقتراحات كرئيس سابق مع منصب الأمين العام للأمم المتحدة الذي سيكون شاغراً العام المقبل، وهو أمر لن تسعى إليه واشنطن بكل تأكيد، لأنه يخالف تقاليد التزمت بها وتستطيع موسكو أن تمنعها من مخالفتها عن طريق استخدام حق النقض. وقد سبق أن أشيع الأمر نفسه عن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ولم يحدث ذلك.

وتُظهر مؤشرات أن رغبة أوباما في القيام بدور في تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل في عهد أي رئيس مقبل، سيكون أكثر سهولة إذا كان ذلك الرئيس هو الديمقراطي بيرني ساندرز أو الجمهوري دونالد ترامب. في المقابل سوف يصعب على أوباما تحقيق ما يريد إذا كان خليفته هو الجمهوري تيد كروز أو الديمقراطية هيلاري كلينتون، التي لا يستلطفها أوباما ولا تستلطفه هي أيضاً، على الرغم من المجاملات بينهما، إذ من المتوقع أنها ستمنح هكذا دور لزوجها بيل كلينتون قبل أن تكلف به أوباما، فضلاً عن أن التنافر الشخصي بينهما قائم منذ إطاحة أوباما بحلمها في الرئاسة عام 2008.

في المقابل، يُعتبر ترامب صديقاً شخصياً لأوباما، ويربطهما الود الشخصي حتى وإن كانا من حزبين متناقضين، فضلاً عن أن ترامب معروف بمرونته في عقد الصفقات وعدم انحيازه الكبير لإسرائيل بالمقارنة مع المرشحين الجمهوريين الآخرين. أما المرشح المثالي الذي يستطيع أوباما تحقيق إنجاز تاريخي في عهده، فهو السيناتور بيرني ساندرز، الذي تجمعه بأوباما خلفية فكرية ومرجعية أيديولوجية واحدة، فضلاً عن أن ساندرز يتمتع بحصانة من تهم معاداته للسامية التي قد يشهرها نتنياهو في وجه أي رئيس آخر، لكونه يهودياً، ولا يحتاج لتأكيد ولائه لإسرائيل أو اهتمامه بمستقبلها كغيره من المرشحين الذين يخطبون ودّها بشكل دائم. ومن غير المستبعد أن يحصل ساندرز على دعم أوباما سراً أو حتى جهاراً في الوصول للرئاسة، مقابل وعود أو اتفاقات مسبقة مع ساندرز بأن يحقق له رغبته في أداء الدور المشار إليه. وباعتبار أن أوباما أصبح ضمن مؤسسة الحزب الديمقراطي، فإن دعمه لساندرز لا يمكن التقليل من شأنه وقد يؤدي إلى إجهاض طموح كلينتون الرئاسي للمرة الثانية.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تبرر إلغاء زيارة نتنياهو لواشنطن بالانتخابات التمهيدية الأميركية

وكان من اللافت في مهرجانات ساندرز الأخيرة التي رتبتها له حملته الانتخابية في أكثر من ولاية، أنه بدأ يستهدف بهجمات قوية متصدر القائمة الجمهورية في السباق للرئاسة دونالد ترامب، كأن الأخير هو منافسه وليس كلينتون، التي خفف عنها ساندرز هجماته خلال الفعاليات العامة الأخيرة، مكتفياً بهجماته ضدها أثناء المناظرات التلفزيونية بينهما.

ولكن ماذا وراء الثقة التي بدأ يتحدث بها ساندرز، والاستعدادات التي يبدو أنه يجربها في مواجهة ترامب؟ وما هو منبع القلق الذي يعتري حملة كلينتون من منافسها ساندرز؟
يبدو أن مسببات القلق لحملة كلينتون ومستشاريها هي نفسها الأسباب التي تطمئن ساندرز ومناصريه، وتجعلهم يعدّون العدة لمواجهة ترامب وكأن هزيمة كلينتون ستكون تحصيل حاصل، أو كأن ساندرز قد ضمَن دعم أوباما له بوسائل قد تكون علنية أو غير علنية.

مثل هذه التساؤلات بدأت تتردد على ألسنة مراقبين للسباق التمهيدي نحو البيت الأبيض بعد إعلان نتائج انتخابات الثلاثاء من الأسبوع الحالي، التي حقق فيها ساندرز فوزاً معنوياً كبيراً خصوصاً في ميشيغن، وخسارة عملية محدودة، فيما حققت كلينتون فيها فوزاً عملياً ونكسة معنوية لا يستهان بها، على الرغم من أنها أقل وقعاً من النكسات التي توالت على المرشحين الجمهوريين المنافسين لترامب.

وخرجت كلينتون من معركة الثلاثاء بـ78 مندوباً جديداً مقابل 69 مندوباً حصل عليهم منافسها ساندرز في ولايتي ميشيغن وميسيسبي، ومع ذلك فإن فوزه المحدود في ولاية ميشيغن اعتُبر هزيمة معنوية قاسية لكلينتون لأن استطلاعات الرأي كلها قبيل الاقتراع كانت تتنبأ لها بفوز كاسح على ساندرز، وهو ما تحقق في ميسيسبي الولاية الجنوبية المناوئة تقليدياً لأي صوت ليبرالي، ولكنها لم تتحقق في ميشيغن، الولاية الشمالية التي تكاد تكون الوحيدة التي تعرف شعار "يا عمال العالم اتحدوا"، إذ توجد فيها مصانع صناعة السيارات التابعة لكبريات الشركات الأميركية وهي "جنرال موتورز" و"فورد" و"كرايسلر". ويعمل في هذه الشركات مئات الآلاف من العمال الذين تجمع بينهم اتحادات ونقابات عمالية قوية التأثير لا يستطيع أي مرشح رئاسي أن يتجاهل نفوذها. وأظهرت هذه الاتحادات ميلاً عاطفياً نحو المرشح "الاشتراكي" فكرياً بيرني ساندرز، أكثر من الميل نحو كلينتون التي بدأت حياتها السياسية مناضلة جمهورية ولا زالت متأثرة على ما يبدو ببعض الأفكار اليمينية.

وبالنظر إلى نتائج الانتخابات التمهيدية حتى الآن في المعسكر الديمقراطي، فإن كلينتون لا تزال متفوقة على ساندرز عددياً، ولكن من الواضح أن منبع قلقها عائد إلى أن ساحة الولايات الجنوبية التي منحتها تأييداً منقطع النظير، لم يعد لها فيها سوى ولايتين اثنتين هما فلوريدا ونورث كارولينا، وبعدهما ستنتقل المنافسة إلى ساحتين جديدتين يعتبرهما ساندرز من المعاقل الليبرالية، وهي ولايات الشمال والغرب، خصوصاً إذا ساعده أوباما في تلك الولايات.

يدرك ساندرز وكلينتون أنهما الآن أمام جولات أقل صعوبة لساندرز في شمال البلاد، وأكثر صعوبة لكلينتون في غرب البلاد امتداداً من كاليفورنيا وصولاً إلى ولايتي أوريغون وواشنطن في أقصى الركن الشمالي الغربي من الولايات المتحدة. وباستثناء ولايتي أوهايو وإلينوي التي تتمتع فيهما كلينتون بقاعدة قوية، فإن بقية الولايات الشمالية والغربية يتراوح الوضع فيها بين الحال الذي شهدته ولاية ميشيغن ومن قبلها آيوا من تقارب كبير بين المرشحين الاثنين، إلى الحال الذي مرت به نيوهامبشاير من تفوّق كاسح لساندرز.

مشكلة كلينتون في هذه الولايات بما فيها ولايتها نيويورك، ستكون على الأرجح وسطيتها واعتدالها، إذ إن الوسطية والاعتدال لا يصلحان سلاحاً لمواجهة معسكر جمهوري متطرف نحو اليمين. لكن في المقابل، فالتطرف الذي يبديه ترامب في كثير من القضايا، يتحوّل إلى ما هو أقرب للاعتدال في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بالمقارنة مع منافسيه. وقد حقق رجل الأعمال الأميركي الساعي لكسب ترشيح الحزب الجمهوري، فوزاً محورياً كبيراً في جولة الثلاثاء بتفوقه على جميع منافسيه في ولايتي ميشيغن وميسيسبي.

وعقب هذا الفوز، تلقى ترامب مكالمة هاتفية من رئيس مجلس النواب الأميركي وزعيم الأغلبية الجمهورية فيه بول راين، أنهت القطيعة بينهما وخلقت نوعاً من التقارب المفاجئ. وقال ترامب في سياق حديثه عن المكالمة، إن راين كان لطيفاً معه أكثر من أي وقت مضى. وعقد ترامب مؤتمراً صحافياً في ختام الجولة الانتخابية، وعلى عكس عادته عمد خلاله إلى تليين مواقفه، وتبنى لهجة جديدة مهادنة، إذ امتنع عن توجيه الهجمات في كل الاتجاهات، وأشاد ببعض قادة الجمهوريين بمن فيهم مرشح الرئاسة السابق ميت رومني واصفاً إياه بالشخص الرائع، وامتدح آخرين كانت تربطه بهم علاقة خصومة حادة. ولفت ترامب في تصريحاته إلى أن فوزه في ميشيغن وفوزه المتوقع لاحقاً في نيويورك يمثّل إنجازاً تاريخياً للحزب الجمهوري لم يكن الحزب يحلم به.

اقرأ أيضاً: ترامب يتقدم بميسيسيبي وميشيغن وهاواي وكلينتون وساندرز يتقاسمان الفوز

المساهمون