أوباما مصرّ على اتفاق نووي مع إيران "لتغيير التحالفات"

12 نوفمبر 2014
أوباما يريد تحقيق إنجاز ما (مانديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -

يحتاج الرئيس الأميركي باراك أوباما، بما تبقى له من فترته الرئاسية الثانية، إلى إنجاز تاريخي يُضاف إلى سجله السياسي، بعد أن أضاع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على أوباما ما كان يؤمل بأن التاريخ سيتذكره، بأنه الرئيس الذي تمكّن من إنهاء حروب بلاده الخارجية وإعادة الجنود الأميركيين من أفغانستان والعراق.

ووفقاً للمعلومات المتوفرة لـ"العربي الجديد"، فإن الرئيس الأميركي مسكون منذ شهور بتحقيق إنجاز بديل يضمّه إلى قائمة الرؤساء المميزين في التاريخ الأميركي الحديث، حتى لا يكون فقط الرئيس الأسود الذي حصل على سكن مجاني في البيت الأبيض لثماني سنوات ولم ينجز سوى قتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن وربما زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي.

ومن خلال متابعة المواقف الأميركية من أحداث المنطقة العربية، ومقارنة ذلك مع تطورات المفاوضات الإيرانية الغربية حول الملف النووي الإيراني، على الرغم من الغموض المحيط بها، فإن معظم المؤشرات التي تبدو ظاهرياً أنها تبشّر بفشل المفاوضات مع إيران هي في الواقع تؤكد العكس تماماً، وتُنبئ بوجود استراتيجية أميركية جديدة تُطبخ على نيران هادئة، لإحداث تغيير جوهري في السياسة الخارجية الأميركية، قد تعيد عجلة التاريخ إلى ما قبل عام 1979.

وتؤكد السياسات التي تنتهجها إدارة أوباما، لا تصريحاته، أن الاتفاق مع إيران بشأن تجميد مشروعها النووي، سواء تم في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي أو بعد ذلك، سيكون المدخل التاريخي لإعادة تشكيل التحالفات في المنطقة، وربما رسم خارطة شرق أوسطية تتوافق مع التصور الذي يتبناه أوباما للعالم الإسلامي وللعالم ككل، كما تتوافق مع حاجة الرجل الماسّة إلى إحداث تغيير جوهري على صعيد السياسة الخارجية، يمكن اعتباره انجازاً تاريخياً له في هذا الملف الجامد منذ عام 1979.

وتدل المؤشرات التي قد يعتبرها البعض أدلة مؤكدة على قرب الإعلان عن فشل الاتفاق مع إيران، على أن الخطوط العريضة للاتفاق قد أُنجزت، وأن ما يجري فقط هو إعداد الخطط لتسويق الاتفاق لدى معارضيه الأقوياء داخل كل من واشنطن وطهران على حد سواء، وربما في عواصم أخرى يتوقع المفاوضون أن تبرز فيها معارضة محتملة.

ومن أبرز المؤشرات على أن الاتفاق قيد الإنجاز، هو الغموض غير المسبوق والتحفظ الشديد حول سير المفاوضات، والذي يدل على أنها تحرز تقدماً كبيراً يخشى المتفاوضون أن يتسرب منه ما قد يؤدي إلى إجهاضه من خارج قاعات التفاوض.

كما أن اختيار سلطنة عمان مكاناً للتفاوض خلال المراحل الحرجة شبه النهائية، يصب أيضاً في اتجاه قرب الاتفاق، لأن السلطنة أكثر قدرة من غيرها على فرض ستار من السرية الكاملة بشأن ما يجري، كما أنها صاحبة مصلحة حقيقية في إنجاز اتفاق يتوافق مع التوجهات السياسية الجديدة لصانعي سياستها الخارجية.

ومن المؤشرات المهمة أيضاً على قرب الاتفاق، هو الرعب الذي يبديه قادة إسرائيل من اتفاق محتمل غربي إيراني والذي ارتفعت حدّته أخيراً، وهو دلالة إضافية على أن إسرائيل قد يكون لديها معلومات أكثر تفصيلاً مما لدى الصحافة عن احتمال نجاح الاتفاق.

وعلى الرغم من أن الخطاب المهم جداً الذي ألقاه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في ولاية ميرلاند، يوم الاثنين، أمام الجمعية العمومية لاتحاد المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية، كانت عباراته توحي بأن واشنطن لن توقّع اتفاقاً مع إيران، إلا أنه لم يقل ذلك مطلقاً، بل أعلن "أننا لن نوقّع على صفقة سيئة". وتعهّد أيضاً بمنع حصول إيران على أسلحة نووية، كما حاول طمأنة إسرائيل على أمنها بشتى الوسائل الممكنة، لدرجة أنه قال "لست بحاجة أن أكون يهودياً لأكون صهيونياً"، وكل هذه التطمينات إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الاتفاق وشيك.

كما أن نائب الرئيس الأميركي لم يكتفِ فقط بتطمين إسرائيل في خطابه، بل حاول كذلك تطمين دول عربية من بينها السعودية والإمارات والأردن ومصر، بأن وجود "داعش" قلَب أوراق اللعبة، وجعل هذه الدول في قارب واحد مع إسرائيل في مواجهة خطر مشترك، حسب تعبيره. وليس من المستبعد أن يلجأ بايدن أو أي عضو في إدارة أوباما لاحقاً إلى المبرر نفسه في محاول إقناع العرب بالتحالف مع إيران ضد "داعش" أو أي حركة متطرفة سنّية.

وتشير سياسات التمويه التي يتّبعها أوباما ووزير خارجيته جون كيري في خفض مستوى التوقّعات بشأن احتمال نجاح الاتفاق، إلى أن هذا التمويه مدروس، خصوصاً أنه يترافق مع تصعيد على المستوى الداخلي مع الجمهوريين في الكونجرس في قضية الهجرة، وصدور تهديدات من مساعدي أوباما بأنه سيلجأ إلى الأوامر الرئاسية من أجل حسم ملف الهجرة، وهو في الحقيقة قد يكون هدفه مقايضة هذا الملف لاحقاً مع ملف رفع العقوبات عن إيران التي قد يحتاج فيها أوباما إلى موافقة الكونجرس على رفعها، أو على الأقل عدم اللجوء إلى تشريع عقوبات جديدة لا تتوافق مع توجّهات أوباما السلمية مع إيران.

كما أن الاتفاق مع إيران إن تمّ، يتوافق مع الرؤية التي يتبناها أوباما عن الانقسام الشيعي-السنّي في العالم الإسلامي، وحاجته إلى شركاء محليين لمحاربة "التطرف السنّي".

ويبرز كذلك ما ذهبت إليه الكثير من التحليلات حول رد الفعل الأميركي الضعيف والمطمئن تجاه تقدم الحوثيين في اليمن، ما يشير إلى أن ذلك يأتي في إطار التفاهم الأميركي الإيراني بضرورة التعاون لإيجاد شركاء محليين يقاتلون "إرهاب القاعدة" نيابة عن الولايات المتحدة. كما يصب في الوقت ذاته في خدمة استراتيجية أوباما التي يريد أن يتفادى من خلالها إرسال جنود أميركيين للقتال في مناطق الخطر.

وحسب المعلومات المتداولة في واشنطن، فإن الخلاف لم يعد كبيراً بين الطرفين المعتدلين في كل من واشنطن وطهران اللذين يتفاوضان حيال الملف النووي الإيراني، وإنما تحوّل الخلاف عكسياً ليصبح مع المعارضين للاتفاق في واشنطن وفي طهران.

ويخشى رجال الدين في طهران من أن يؤدي السلام الكامل مع الغرب إلى تقويض سلطاتهم وتقوية الجناح الليبرالي الغربي في البلاد على حساب مصالحهم، في حين يخشى المتشددون في واشنطن من أن يؤدي الاتفاق مع إيران بشأن الملف النووي إلى توسّع التعاون معها، ليشمل مجالات أخرى تعيد رسم استراتيجيات السياسة الخارجية التي اعتاد عليها الجمهوريون، في وقت ما زالت فيه السلطة التنفيذية بيد الحزب الديمقراطي وليس بوسع الجمهوريين ما يفعلونه إلا القليل إذا أرادوا عرقلتها.

والخلاصة أنه لا يكفي أن ينجح أوباما في التوصل إلى اتفاق مع المعتدلين الإيرانيين، فالأهم من ذلك هو أن يتوصل إلى تفاهم مع معارضي الاتفاق من المتشددين الجمهوريين في واشنطن. وينطبق ذلك أيضاً على فريق التفاوض الإيراني الذي سيتحتّم عليه الرجوع إلى طهران للتفاوض مع المتشددين من رجال الدين وترويج الاتفاق في طهران، وإلا فإنه لن يتسنى له التوقيع عليه.

وعلى أوباما كذلك أن يتذكر تجربة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي حاول أن يسجل اسمه في التاريخ كصانع سلام عن طريق حل المشكلتين الإيرلندية والفلسطينية، فنجح في إحداهما وفشل في الأخرى، ولكن الذاكرة المحفورة في أذهان الناس التي ستظل تميّزه للأبد هي علاقته بمونيكا لوينسكي.

ومن هذا المنطلق يمكن القياس على ذلك في وضع أوباما بأن عليه أن يفعل ما يفيد بلده ويفيد العالم وليس ما يرفع أسهمه التاريخية، لأنه مهما فعل لتحقيق مجد شخصي فلن يتذكره التاريخ إلا على أنه أول رجل أسود في البيت الأبيض.

المساهمون