أوامر عسكرية اقتصادية

12 أكتوبر 2016
رأس المال لن يستثمرفي بلد يشهد حربا مفتوحة(عبدالغني عريان/الأناضول)
+ الخط -

الفقر وتراجع قدرة السوريين الشرائية، لتقتصر في معظمها على وجبة غذاء واحدة تحول دون الموت جوعاً، هو تفصيل صغير وغير مهم بالنسبة لأي مستثمر تتاح له فرصة وشرف الاستثمار بسورية.

عدم توفر حوامل الطاقة وارتفاع أسعار المشتقات النفطية إلى ضعف السعر العالمي، وندرة المواد الأولية وهجرة الأيدي العاملة وتهاوي سعر الصرف إلى أعلى نسبة تضخم بالعصر الحديث، مسائل هامشية يمكن غض النظر عنها، أمام المشاركة بالتصدي للمؤامرة الكونية التي يتعرض لها وريث الحكم بدمشق.

وحتى الحرب التي زادت خسائرها عن 275 مليار دولار، ومرشحة للاستمرار ولمزيد من التهديم، بواقع الاحتلال الروسي، هي ذريعة لمن لا يريد أن يدخل التاريخ، ويؤاخي بين العمل التجاري والاستثماري، وبين العمل المقاوم.

 لذا وفي واقع ما يسوقه المستثمرون من أعذار وما تقدمه الحكومة من تبريرات لعدم جذب الرساميل، لا بد من متابعة مسيرة التصدي للثورة، ومعالجة الاستثمار بالطريقة العسكرية ذاتها، التي مورست مع طلاب الحرية بسورية، وأثبتت النجاعة والنجاح حتى الآن.

قصارى القول: أمر سيادة رئيس مجلس الوزراء بحكومة بشار الأسد، عماد خميس، بأنه يريد أن يرى استثمارات في المدن التي يسيطر عليها النظام، رافضاً خلال لقائه الوزراء ورئيسة هيئة الاستثمار، أية مبررات من قبيل سورية تعيش حرباً، مطالباً "بمخرجات فعلية وإعداد آليات لتحسين الواقع الاستثماري وجذب الاستثمارات".


لأن سيادته وضع موضوع الواقع الاستثماري في سورية وعمل هيئة الاستثمار مجدّداً على طاولة النقاش، في محاولة لحصر مرجعية الاستثمار بجهة واحدة، وطرح رؤية تدور حول إحداث مجلس أعلى للشؤون الاستثمارية" بميزات تمكّنه من تجاوز العقبات السابقة والتخلّص من البيروقراطية، بهدف جذب استثمارات جديدة وتنشيط ما هو قائم منها بما يدعم الاقتصاد الوطني ويحرّك عجلة الإنتاج في المجالات كافة.

هذا الكلام لو قاله رئيس وزراء السويد أو الدنمارك، ربما لكان فيه بعض منطق، لأن المنطق الكامل يتطلب أن تقوم الدولة بما عليها لتأتي الاستثمارات، سواء من بنى تحتية وخدمات وبيئة قانونية.

وهنا لا نتكلم عن الأمان، لأن السويد لا تشهد حرباً هرب خلالها ثلث سكان البلد، وليس الاستثمار ورجال الأعمال الذين يوصفون بالجبن، لأنهم أول من يستشعر المخاطر ويبعد "تحويشة العمر" عن المخاطر والضياع.

نهاية القول: ربما الأولى أن تقوم حكومة الأسد، استثمارياً بما عليها، هذا إن استثنينا ظروف الحرب واستحالة تهور أي رأسمال، سوري أو خارجي للاستثمار ببلد يشهد حرباً مفتوحة، منذ خمسة أعوام.

فحكومة الأسد التي تشرّع للاستثمارات وفق قانون عمره ربع قرن "قانون الاستثمار 10 لعام 1991"، ولم تصدر قانوناً مشجعاً يتناسب وإغراءات المستثمرين أو ما تقدمه الدول لجذب الاستثمارات، رغم الوعود والتصريحات بقانون ينسف القانون 10 وما لحقه من تعديلات وترقيع.

وأيضاً، إن لم تنفذ حكومة الأسد منذ عام 2011 سوى 51 مشروعاً، بل وتخفض كل عام من الشق الاستثماري بالموازنة العامة، حتى بلغت العام المقبل، 678 مليار ليرة، أي ثلث الشق الجاري، رغم الحاجة الملحة لإعادة هيكلة وترميم المشاريع التي هدمتها الحرب، أو إنشاء مشروعات جديدة تمتص ولو جزءاً من فائض العمالة، بعد أن تعدت نسبة البطالة والفقر 80%.

في واقع هروب الحكومة الممانعة من الاستثمار، وتخصيص ما تبقى من موارد لتمويل الحرب وأجور المقاتلين فيها، يصدر رئيس حكومة الأسد، أمراً بجذب الاستثمارات ولا يرضى بأي تبرير.

 

دلالات