أهلاً بكم في وطنكم الثاني

11 سبتمبر 2014
+ الخط -

وقف فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية مستقبلاً وفود اللاجئين الفلسطينيين، ومخاطباً الشعب اللبناني قائلاً: "لا تبخلوا ببذل المال في سبيل راحتهم والترفيه عنهم، لأن الأخ لأخيه في أيام المحنة والشدائد. فقد حان الأوان لتسير القوة في ركاب الحق. وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". وكذلك فعل وزير الخارجية، حين قال: "سنستقبل في لبنان اللاجئين الفلسطينيين، مهما كان عددهم، ومهما طالت إقامتهم، ولا يمكننا أن نحجز عنهم شيئاً، ولا نتسامح بأقل امتهان يلحقهم دوننا، وسنقتسم في ما بيننا وبينهم آخر لقمة من الخبز".

هذا الكلام، يا صديقي، ليس من نسج الخيال، بل حصل فعلاً عام 1948، حينها كان بشارة الخوري رئيساً وحميد فرنجية وزيراً للخارجية، واعلم يا صديقي أن هذا الأمر صعب عليك أن تستوعبه اليوم، فإن أردت إدارة عجلة التاريخ ستة عقود إلى الوراء، فستعلق يديك بالأسلاك الشائكة التي تحيط المخيمات، أو لربما إن لم تكن تحمل بطاقة الهوية الفلسطينية، تلك الورقة الزرقاء ذات الشكل المستطيل، لن ترى العجلة من أساسها، أو حتى إنك لن تفكر في الماضي أبداً، فحتى تصل إلى عام 1948، عليك أن تصطدم بنهر البارد وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا والنبطية وغيرها ممّا كانت يوماً مخيمات!

"ارجعوا عاليرموك، فش تصاريح الكم اليوم"، بهذه العبارة، يستقبل الأمن العام اللبناني في نقطة المصنع لاجئي سورية الفلسطينيين. لهم سمرة البشرة نفسها وسواد عيون الذين دخلوا لبنان إبان النكبة، لكن، اليوم، أصبحوا غير مرحّب بهم إلا سياحاً، أو ترانزيت إلى باقي الدول عبر مطار بيروت. وفي معظم الأحيان، يكون مصيرهم الغرق بحراً. فمن غير المقبول، اليوم، بالنسبة للحكومة اللبنانية، أن يكون الفلسطيني "عالة" على ميزانيتها المتهالكة، أو "عبئاً" على وزارتها ومؤسستها العجوز، علماً أن تقديرات "أونروا" تفيد بأن عدد النازحين الفلسطينيين من سورية إلى لبنان لا يتجاوز 52 ألفاً، يقيم معظمهم داخل المخيمات الفلسطينية، المكتظة أصلاً باللاجئين، ويعيشون معاً حسب المثل القائل: "ميت يحمل ميت".

لكن، وللإنصاف، لنتكلم عن أي عبء يقصدون، عن أكثر من 5000 طالب جامعي، يدفعون الأقساط كاملة في الجامعات اللبنانية؟ أم عن عشرات آلاف المرضى الذين يعالجون في المستشفيات الخاصة والحكومية ويدفعون تكاليف الاستشفاء كاملة؟ أم عن مئات آلاف المستهلكين في الاقتصاد المحلي، الذين يضخون أموالهم في السوق اللبناني؟ أم عن آلاف المغتربين الذي يرسلون حوالاتهم المالية إلى ذويهم في المخيمات؟ ولا المجال هنا لذكر الشراكة الاقتصادية والاجتماعية بين الشعبين الفلسطيني واللبناني. لكن، وإنصافاً لهذا البلد، أيهما أصدق، فخري البارودي، حين قال: "بلاد العُرْب أوطاني وكل العرب إخواني"، أم صديقي الفيسبوكي حين كتب وانهالت على قوله الـ"لايكات": "علّموني زمان إنه العرب إخوات، بس ما حكولي إخوات شو!"؟

34D90C75-9F84-463D-90F3-F5EAE848FC71
34D90C75-9F84-463D-90F3-F5EAE848FC71
برهان ياسين (فلسطين)
برهان ياسين (فلسطين)