مع أننا وصلنا باكراً، أو هكذا ظننّا على الأقل، غير أن الازدحام كان في أقصاه. يبدو أن الازدحام يكون طوال الوقت في أقصاه. لا فضل لساعة مبكرة على ساعة متأخرة خلال دوام العمل الرسمي.
عندما نتحدث عن مصلحة معاينة ميكانيك السيارات، سنتخيّل أن الناس يمكن أن تحضر بثياب النوم. صحيح أن الإدارة تفتح أبوابها رسمياً في السابعة والنصف صباحاً غير أن الناس تصل قبل هذا الوقت بساعة أو ساعتين.
طابور الانتظار الطويل للوصول إلى مكتب الموظف المختص لا ينتهي. يبدأ في الساحة المجاورة لمكتب الموظف لينتهي عنده. يحتاج تنظيم الطابور إلى شرطي سير، لكن العسكر المسؤولين عن أمن المصلحة غير معنيين بهذا الأمر. لذلك انتدبت المصلحة موظفاً من قبلها يقف عند الباب لتنظيم الطابور العجيب.
يتمّ تبديل الموظف الذي تسلّم مهمة تنظيم المواطنين عند مدخل المصلحة كل ساعة أو ساعتين. ويمكن القول، بضمير مرتاح، أن ليس جميع الموظفين يملكون "حسّ العدالة والنظام". فأحدهم يقرّر من "هندام" المواطنين من يستطيع الدخول إلى المصلحة قبل الآخر. وقد يذهب في التواطؤ مع أحد أصدقائه بأن يتواصل معه عبر الخلوي (مع أن صديقه يكون واقفاً على مسافة قريبة) ليعطيه إشارة بإمكانية تسللّه قبل الآخرين خلال مكالمتهما هذه، ويغض البصر عنه عند مروره من أمامه بحجّة التلهي بالمكالمة الهاتفية التي لا تنتهي. ناهيك عن العسكريين الذين يحضرون ببزاتهم الرسمية من أجل تسيير معاملاتهم أو معاملات المسؤولين عنهم، وفي ظنّهم أن هذه البزّة تمنحهم حقاً إضافياً لا يتمتّع به المواطنون العاديون.
في طابور الانتظار العجيب ستقع على أصدقاء لك لم تلتق بهم منذ فترة طويلة، وستكوّن صداقات جديدة. فساعات الانتظار الثلاث أو الأربع تدفع الناس لأن تصير اجتماعية أكثر. وليس أفضل في ظرف مماثل من كوب قهوة ساخنة وأحاديث جانبية تتناول مشاكل البلد التي لا تنتهي. وقد ينتهي هذا النوع من الأحاديث بتبادل لأرقام الخلوي ووعود بلقاءات قريبة.
المواطن الذي أحضر كرسيّه معه صار خبيراً بهذا النوع من الإدارات. لم تهمّه ضحكات الآخرين، فقد حفظ درس الوقوف جيداً حتى تعبت قدماه. لذلك اشترى كرسياً خفيفاً يحمله معه لقضاء هذا النوع من المعاملات.
يطول الطابور العجيب كلما طال النهار. عندما تصير على مسافة قريبة من الموظف سيأتي من يعرض عليك أن يشتري دورك مقابل مبلغ من المال، لأن "خلقه" الضيق لا يسمح له بالانتظار الطويل. وبضع ليرات إضافية تظلّ أفضل من ذبحة قلبية في حضن الدولة.
أهلاً بك أيها المواطن في إدارات بلادك.
اقرأ أيضاً: لقاء الصدفة