بعد أن شهد السودان فيضانات غير مسبوقة لنهر النيل تسبّبت في مقتل نحو مئة شخص، وانهيار قرابة مئة ألف منزل، وتشريد مئات الألاف من الأسر نتيجة السيول، أكّد العديد من المسوؤلين أن هناك مواقع أثرية يعود بعضها لأكثر من 2500 عام باتت مهدّدة بالتلف.
تحلّ الكارثة بعد أقل من شهر على إعلان السلطات تدمير المنقّبين عن الذهب لمواقع تاريخية بالقرب من جبل المراغة في المنطقة الشرقية من الصحراء الكبرى، والذي بني قبل حوالي ألفي عام، في إطار عمل منظم لنهب الآثار، وقد خرجت إدانات شديدة بسبب الإفراج عن الجناة عقب ساعات قليلة من اعتقالهم، لعدم وجود تشريعات كافية لردعهم.
وبحسب التصريحات الرسمية أمس الثلاثاء، فإن المياه تهدّد أهرامات مروي ونوري الملكية، وإن الفرق المتخصّصة تعكف على حمايتها من الغرق، مع الإشارة إلى المقابر الواقعة على عمق يتراوح بين سبعة وعشرة أمتار أسفل الأهرامات في مدينة نوري، 350 كيلومتراً شمالي الخرطوم، تضررت بسبب زيادة منسوب المياه الجوفية.
تواجه الأهرامات التي أنهي العمل بها حوالي 300 ميلادية وشيّدت من الحجر خراباً محتملاً، رغم أن مفتشي الآثار أقاموا سدوداً في الموقع عبر استخدام أكياس معبأة بالرمل، مع وضع مضخات من أجل سحب المياه ومنعها من إتلاف هذه المعالم التاريخية.
تهدّد السيول أهرامات مروي ونوري الملكية وتعكف الفرق المتخصّصة على حمايتها
لا يزال الوضع تحت السيطرة حالياً، ولكن إذا استمر ارتفاع منسوب النيل فقد لا تكون الإجراءات المتخذة حالياً كافية، في إنقاذ مدينة مروي الأثرية عاصمة أسرة كوش التي حكمت في مطلع القرن السادس قبل الميلاد، وكذلك أهرامات نوري التي تضمّ مقبرة طهارقة، الذي حكم الجغرافيا التي تُعرف اليوم بمصر والسودان في القرن السابع قبل الميلاد.
لم تكن السيول التي وصل ارتفاعها إلى مستوى غير مسبوق تجاوز سبعة عشر متراً، متوقّعة حيث لم تسفر فيضانات وقعت في حقب ماضية عن أي أذى للآثار، والتي تنذر اليوم بأخطار تتعرض إليها أهرامات السودان التي لم تنل حظها من الاهتمام المحلي والعالمي لتصبح مقصداً للسيّاح، وهي تختلف عن نظيرتها المصرية حيث بُنيت على الطراز النوبي، وهي أصغر بكثير وذات زاوية حادة بالمقارنة مع الأخيرة، وقد أعلنتها "اليونسكو" ضمن لائحة مواقع التراث العالمي عام 2011.
وأشارت تصريحات رسمية أيضاً إلى أن مواقع أثرية أخرى على طول مجرى النيل مهدّدة جراء الفيضانات، وكانت السلطات السودانية قد أعلنت حالة الطوارئ إلا أن حماية الآثار تتطلّب خبرة وتعاملاً مختلفين ربما لا يتوفّران لدى المؤسسات الحكومية.
يُذكر أن منطقة البجراوية (شمال السودان) تحتوي وحدها ما يزيد عن ثمانيين هرماً، وكانت في ما مضى عاصمة للمملكة المروية، وتنقسم مدافنها إلى ثلاث مجموعات تضمّ مقابر الملوك والملكات والأمراء والأميرات وكبار موظفي الدولة والنبلاء، وقد صمدت لقرون أمام أعتى العوامل الطبيعية وأقساها.