تتواصل معركة دير الزور ضد تنظيم "داعش" الذي باتت هذه المحافظة آخر معاقله في سورية، لكن نفوذه بدأ يتضاءل فيها، يوماً بعد آخر، مع إحراز قوات النظام السوري تقدماً في المعركة من الجهة الغربية لدير الزور، فيما تتقدم "قوات سورية الديمقراطية" من ريف المحافظة الشرقي.
وأفاد مدير "شبكة ديري نيوز الإخبارية" عامر هويدي، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "مناطق الريف الغربي لدير الزور تشهد قصفاً عنيفاً وغير مسبوق بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، وخصوصاً (الشامية)". وأضاف أن "ناشطين رصدوا أكثر من 43 غارة، ونالت النصيب الأكبر من هذا القصف كل من قرى عياش والخريطة والحوايج، ما أوقع عدداً من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين"، مشيراً إلى أن حالات بعض الجرحى حرجة. وتابع أنه "في الريف الغربي قتل فاضل الطه، وحاكم أحمد الحمدكي، وهما من سكان الخريطة، إضافة لعدد من الشهداء والجرحى نتيجة للقصف العنيف الذي استهدف معبر الحوايج صباح أمس، الاثنين، وذلك عندما استهدف طيران حربي، رجح الأهالي أن يكون روسيّاً، عبّارة مائية كانت تنقلهم للجهة الأخرى من نهر الفرات". ولفت إلى أن "استهدافاً طاول رتلاً لقوات بشار الأسد ومليشيات طائفية وحزب الله اللبناني بمحيط اللواء 137 جنوب دير الزور، بأكثر من عشرة صواريخ من طائرات، رجح البعض أن يكون التحالف الدولي قد أطلقها، مع أن لا تأكيد رسمياً لهوية الطائرات التي شنت الغارات التي تسببت بسقوط عشرات القتلى بصفوف القوات المستهدفة"، بحسب قوله.
وفي هذا السياق، شرح هويدي أن "الأوضاع في الدير لم تشهد تطورات ميدانية ذات أهمية"، أمس الاثنين، لافتاً إلى أنه "حتى فجر أمس، أظهرت الوقائع عدم صحة ما أعلن عنه النظام يوم الأحد، بشأن سيطرة قواته على حقل التيم النفطي، فالحقل بيد تنظيم داعش، ولكن قوات الأسد دخلت وسيطرت على مقر شركات الصيانة، أيبلا وبيكر أوستن وأطلس ويرلاين"، وفق قوله. وذكر أن "التحالف الدولي ضرب قوات النظام والمليشيات المساندة لهم والتي حاولت التقدم شرق دير الزور بالقرب من حقل التيم"، معتبراً أنه "من غير المسموح أن تتقدم تلك القوات شرق المدينة".
وحققت "قوات سورية الديمقراطية" تقدماً باتجاه مدينة دير الزور على الضفة الشرقية لنهر الفرات، ووصلت إلى المنطقة الصناعية القريبة من المدينة. وأعلنت وكالة "أعماق الإخبارية" التابعة لتنظيم "داعش"، عن استهداف التنظيم لسيارة تقل عناصر من حزب "العمال الكردستاني"، بعبوة ناسفة بالقرب من قرية الرويشد، شمال شرق دير الزور، ما تسبب بوقوع قتلى وجرحى في صفوفهم.
وفي سياق متصل، سعى ممثلون عن العشائر المتحدرة من دير الزور بدعم من "قوات سورية الديمقراطية"، لتشكيل مجلس مدني يتولى إدارة شؤون المدينة بعد طرد "داعش" منها. وأعلنت مجموعة من شيوخ ووجهاء عشائر دير الزور، عن "تأسيس لجنة تحضيرية تناقش أسس ومنطلقات تأسيس مجلس دير الزور المدني أسوة بالمجالس المدنية لمختلف المدن التي تحررت من قبضة الإرهاب، والوصول إلى صيغة نهائية تعبّر عن تطلعات كل أهلنا في دير الزور ويتمخض عنه بناء مجلس مدني لدير الزور يكون معنياً بإدارة المدينة فور تحريرها "، بحسب بيان لـ"سورية الديمقراطية".
لكن "المجلس المحلي لمحافظة دير الزور" التابع للمعارضة السورية، حذر من أنّ تؤدّي سيطرة قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية على المحافظة إلى خلق صراع طويل الأمد في المحافظة. وقال المجلس في رسالةٍ خاطب بها الولايات المتحدة ومجموعة أصدقاء سورية والمناصرين للثورة، إن "السماح لقوات نظام الأسد والمليشيات الإيرانية بالسيطرة على دير الزور سوف يخلق حالة عدم استقرار طويل الأمد بسبب زيادة مفاعيل الصراع السياسي وحدة التوتر المذهبي نتيجة وجود قوات نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية". وأوضح المجلس أن "سيطرة النظام والمليشيات الطائفية سوف تهيئ الظروف المساعدة لولادة أشكال مختلفة من التطرف في المنطقة، وتمكّن المليشيات الموالية لإيران من السيطرة على ممر استراتيجي يربط بين طهران وبيروت". واعتبر المجلس في بيانه أن "الاعتماد على قوات من غير أهالي وثوار دير الزور سيؤدي إلى صراعات عرقية وسياسية واجتماعية متعددة"، معرباً عن أمله بأن "يأخذ المجتمع الدولي تلك التحذيرات بعين الاعتبار، ويراعي خصوصية محافظة دير الزور وتركيبتها الاجتماعية وخيارات أبنائها السياسية وأوضاعهم الإنسانية الصعبة".
كما أكد الائتلاف مجدداً "إدانته لعمليات القصف المستمرة التي تتعرض لها مدينة الرقة، على يد مليشيات "سورية الديمقراطية"، مطالباً أعضاء المجتمع الدولي كافة "بتحمل مسؤولياتهم تجاه الجرائم والمجازر المستمرة بحق المدنيين المحاصرين هناك"، ومحملاً "التحالف الدولي مسؤولية الدعم الذي يوفره لهذه المليشيات". وأضاف أنه "يُعرب عن إدانته الأكيدة لسقوط ضحايا في صفوف المدنيين على يد التحالف الدولي، ويطالب بوقف الهجمات التي تطاولهم، وبفتح تحقيق شفاف في هذه الهجمات، بما يضمن عدم إفلات المسؤولين من المساءلة والعقاب، وعدم الاكتفاء بإجراء تحقيقات أو إطلاق تصريحات شكلية بانتظار مرور الوقت"، وفق ما ورد في البيان.
ورأى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" أن "محاربة إرهاب تنظيم داعش، لا يمكن أن تتم من خلال قتل المدنيين، ولا من خلال دعم عصابة بشار الأسد، أو المليشيات الإرهابية الأخرى، ولا يمكن أن يأتي أي خلاص من الإرهاب والتطرف ما لم يتم حسم الموقف الدولي من مصدر الإرهاب الذي يتحمل المسؤولية الأساسية عن انتشاره في سورية والمنطقة". وجدد "التأكيد بأن مواقف الائتلاف واضحة في محاربة الإرهاب وأهمية تحرير الرقة وكافة المناطق السورية من داعش وجميع المحتلين والمرتزقة، على أن يتم ذلك من خلال دعم الجيش السوري الحر، والالتزام الكامل بحماية المدنيين وضمان سلامتهم"، بحسب البيان.
يشار إلى أنه كان قد تم الحديث سابقاً عن أن المعارضة السورية ستقوم بطرد "داعش" من الريف الشرقي لدير الزور، انطلاقاً من قاعدة الشدادي، إلا أنه حتى اليوم لا يوجد إعلان رسمي عن موعد انطلاق المعركة من جانب المعارضة التي تبدو خياراتها محدودة في معركة هذه المحافظة.
أما في الرقة، فلا تزال المعارك مستمرة داخل المدينة المحاصرة من قبل "قوات سورية الديمقراطية". وأفادت حملة "الرقة تذبح بصمت"، بأن هذه القوات سيطرت على حي المرور، غرب المدينة، في حين يحاول تنظيم "داعش" استعادة زمام المبادرة عبر مهاجمة القوات المدعومة أميركياً بالعربات المفخخة. ودارت اشتباكات في أحياء الأمين والنهضة والثكنة والمنصورة، وسط المدينة، أوقعت عشرات القتلى والجرحى بين صفوف التنظيم، بحسب ما ذكرت غرفة عمليات "غضب الفرات". وأعلنت الغرفة أن عناصرها أفشلوا هجوماً لعناصر "داعش" بسيارة مفخخة في حي النهضة بالجهة الغربية لمدينة الرقة، وسيطروا على عربتين مفخختين في حي الثكنة، كما أسقطوا طائرة استطلاع في حي المنصورة. وأفادت الحملة بأن غارة جوية من قبل طيران "التحالف الدولي"، منذ عدة أيام، تسببت بتدمير جامع الشراكسة في مدينة الرقة بشكل كامل.