أن تكون صحافيّاً... فأنت مذنب!

12 نوفمبر 2015
قررّ النظام الحالي أن يقصف أقلام الصحافيين(مواقع التواصل)
+ الخط -
دائماً هي الأنظمة العسكرية، الأكثر استبداداً وقمعاً واعتقالاً وإزهاقاً للأرواح على مدار عقود التاريخ وبين دفتّي كتبه التأريخية للماضي البعيد، الذي يتكررّ باستمرارية هي أقرب للإغاظة منها لحقيقة الواقع.


لقد اعتقل النظام العسكري المصري، يوم الأحد الماضي، الصحافي والحقوقي صاحب سلسلة مقالات "يوميات قارئ صحف" حسام بهجت دون تهمة، واستمر التحقيق معه في النيابة العسكرية 9 ساعات متواصلة من دون حضور محاميه، ثم بات ليلة كاملة في السجن في مكان مجهول، ليصدر القرار باكراً، في اليوم التالي، بحبسه احتياطياً 4 أيام على ذمة التحقيقات؛ ليُتهم أنه تعمد إذاعة أخبار كاذبة عن سوء نية بغرض الإضرار بالسلم العام والمصلحة العامة، وعلى الرغم من أن نص المادة 41 من قانون تنظيم الصحافة يَنص على أنه لا يجوز الحبس الاحتياطي في جرائم النشر الصحافي، إلا أنه وكالعادة فإن النظام العسكري المصري يضرب بكافة القوانين الداخلية والأعراف الدولية عرض الحائط بفجاجة ومجاهرة.

إلا أن النظام الحالي يفاجئ الجميع، اليوم الثلاثاء، وعلى غير العادة بالإفراج عن حسام بهجت، لا لأنه لم يرتكب جرماً أو أنه كان يمارس عمله الطبيعي كصحافي، بل لأنه تعرض لضغوطٍ خارجية من الأمم المتحدة، بعدما أعرب أمينها العام، بان كي مون، عن قلقه إزاء اعتقال الصحافي، فما كان له إلا أن يرضخ صاغراً كأي نظام ديكتاتوري في العالم لا يخشى سوى القوى الكبرى، لذا نطالب كي مون أن يعرب عن قلقه بالتبعية لباقي الصحافيين في سجون العسكر.

إن الصحافي بطبيعة عمله لا يقترف ذنوباً أو جرائم إلا نادراً، وعندما تصله المعلومة من مصادره السرية، فإنه يتحرى عنها حتى يتأكد من صحتها ثم ينشرها وقد أحرز انتصاراً على السلطة وتحيّزاً للشعب، وهذا ما فعله بهجت وغيره من الصحافيين الذين لا يزالون يخضعون للمحاكمات، أنهم قاموا بواجبهم المهني، فلمَ المحاكمات من الأساس؟ ولماذا يخضع بعضهم للمحاكمات العسكرية؟!

لأن النظام الحالي قررّ أن يقصف أقلام الصحافيين الشباب ويقطع ألسنتهم، فلا حوار معهم ولا تلقي اعتراضاتهم، لأنهم لا يمثلون سوى صغار ألفوا العصيان، واعتادوا التمرد، لا يفقهون من أمور الحكم شيئاً، ويجب إلجام بعضهم فيخاف بعضهم الآخر؛ وينتهي المشهد.

أن تكون صحافياً فأنت تتحدى السلطة وجهاً لوجه وتكشف بل وتفضح أفعالها المشينة، وتكون مراقباً لها ولتعهداتها، تفصح عن المستور من الحقائق الممنوعة من النشر، وتحققّ في صحة الصادر عنها، كذلك كان حسام بهجت وغيره من الصحافيين المعتقلين في غياهب سجون العسكر كسامحي مصطفى وعبدالله الفخراني وخالد حمزة ومحمود شوكان وغيرهم، الذين وصل عددهم لأكثر من 70 صحافياً معتقلاً.

يحاول النظام العسكري أن يبث في نفوسنا الخوف من أفعاله الجنونية، فلا نعترض أو نطالب أو نرفض أو نثور في نهاية الأمر، ودائماً محاولاته تأتي في ضرب شخصيات شابة لها جمهورها؛ حتى إذا اُعتقلت هذه الشخصيات أو قتلت لاذ الجمهور بالصمت والقهر، لكن ما يحدث هو العكس، فبعض الجمهور لا يقبل الصمت أو الذل والقهر، يرفض الانحناء طالما في صدره شهيق وزفير، طالما كان مُشبّعاً بالحرية فلمَ العبودية؟!

والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً: "لماذا تقوم الأنظمة العسكرية بتكسيرنا، نحن الشباب؛ وتحطيم أحلامنا وتطلعاتنا؟"، لأننا وبكل بساطة نمثّل أمامها المستقبل والتغيير والتطوّر وإزاحتها عن المشهد؛ وهم يمثلون الماضي السحيق بعجرفاته وتسلطاته وروتينيته، ويريدوننا أن نظلّ عالقين هناك معهم، لكننا لن نقبل ولن نفعل لأن الغد لنا، وهذا ربيعنا.. لقد ولّى الخريف.

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk
المساهمون