ودعت الساحة الفنية اليمنية، أمس الإثنين، المطرب أنور مبارك، الذي يعدّ واحداً من أبرز رواد الأغنية الشعبية في القرن الماضي، ومؤسس الفرقة الموسيقية والفنية بوزارة الداخلية في الشطر الجنوبي لليمن، قبل قيام الوحدة عام 1990.
توفي مبارك بعد صراع طويل مع الفشل الكلوي، وقد قضى آخر أيامه في مستشفى الجمهورية بعدن، في ظل إهمال السلطة المنشغلة بالحرب المستعرة منذ خمس سنوات.
ولد مبارك في عدن عام 1945، في حيٍّ متواضع يقطنه موسيقيون شباب كانوا قد كوّنوا فرقة فنية لتقدم الأغاني الأجنبية في حفلات صغيرة بالمدينة، وهو ما ساهم في تنمية موهبته من خلال تدرّبه على مختلف الآلات الموسيقية، كـ"الأكورديون" وآلات النفخ والإيقاع، لينتقل بعدها إلى فرقة فنية كان يشرف عليها الموسيقار اليمني الراحل يحيى مكي، ومن ثم ضمه عازف الكمان علي فيروز إلى الفرقة الحديثة للموسيقى والفنون كأحد أفراد الكورس الأساسيين في الفرقة.
تجلت موهبته في سن مبكر، وهو في السادسة عشرة من العمر، وكانت ستينيات القرن العشرين بداية انطلاقته مع أغنية "جسر الهوى عطشان" للشاعر أحمد الجابري، وألحان أستاذه مكي.
التحق بمعهد الفنون الجميلة عند افتتاحه في السبعينيات بعدن، لدراسة الموسيقى وفق الأسس الفنية العلمية، وكان من أساتذته في المعهد الموسيقار جميل غانم، والموسيقار أحمد بن أحمد قاسم.
ظل مبارك يشكو من ظلم وسائل الإعلام اليمنية لفناني الوطن وتجاهلها لهم، في مقابل الاهتمام بتلميع السلطة، إلى جانب قلة الفرص المتاحة أمام اليمنيين لإحياء مهرجانات عربية وغياب تلك التظاهرات داخلياً، فضلاً عن انعدام وجود شركات إنتاج محلية تواكب تطور التقنية الفنية واكتشاف المواهب والأصوات الناجحة مقارنة بسعيها الحثيث إلى الربح، غير أنه مثّل الأغنية اليمنية في كثير من المحافل والمهرجانات العربية والدولية.
طوال مسيرته الفنية قدم عشرات الأغاني اليمنية باللون العدني الجميل، كما قدّم لوحات استعراضية موسيقية مسرحية من خلال مسرحيات "يابلاشاه" و"دنيا فالتو" و"أبو العيال"، بالإضافة إلى أعمال درامية إذاعية وتلفزيونية كمقدمات مسلسلات: "حنتوش" و"طحطوح" و"موال الصمت". وساعده صوته، بما يمتلكه من قدرات مميزة، في ترسيخ اسمه بذاكرة الجمهور فعشق أغانيه وأصبح يرددها في كل مكان.
استطاع مبارك المواءمة بين القصائد والألحان بشكل جمالي يعبر عن صدق المشاعر والأحاسيس في الانتماء إلى الأغنية، مستفيداً من خبرته الكبيرة، التي جعلت منه واحداً من أهم فناني جيله وأكثرهم شعبية. من أشهر أغانيه: "غالي غالي"، "كثير سامحتك"، "عد للصفا من ثاني"، و"متى بتعود"، و"يطوف الربيع"، و"بلادي تغني"، و"وعد مني لو تحبني".
وكتب له العديد الشعراء، مثل: محمد حسين الجحوشي ومحمد عوض بن شيخان وعبد الرحمن السقاف. وجاءت بعض أغانيه من ألحان الفنانين: محمد مرشد ناج ويحيى مكي وأحمد بن غودل ومحمد سالم بن شامخ وعبد الله بافضل.